المسألة السابعة عشرة: مسألة اختيارية
لِمَ إذا اشتد الأنس واستحكم، والتحمت الزُّلفة، وطال العهد، سقط التقرب، وسمُج الثناء، ومن أجله قيل: إذا قدُم الإخاء سقط الثناء؟ وهذا عِيانه مشهود، وخُبْره موجود.
الجواب
قال أبو علي مسكويه، رحمه الله:
إن الثناء في الوجه وغير الوجه إنما هو إعطاء المُثنَى عليه حقوقه من أوصافه الجميلة والاعتراف بها له، وإعلامه أن المُثنِي قد شعر بها وأوجبها له وسلَّمها إليه؛ ليصير ذلك له قربةً ووسيلةً، ولتحدث بينهما المودة والمشاكلة، وليُستجلَب الود، وتَستحكِم المعرفة، فإذا حصلت هذه الأمور في نفس كل واحد منهما، وعلم المُثنَى عليه أن المُثنِي قد أنصفه وسلَّم إليه حقه واعترف له بفضله ولم يبخسه ماله، وحدثت المودة والمحبة التي هي نتيجة الإنصاف وثمرة العدل، وقدُمت هذه الحال وأتى عليها الزمان — سمُج تكلُّف إظهار ذلك ثانيًا لذهاب الغرض الأول وحصول الثمرة المطلوبة بالسعي الأول، وتكلُّف مثل هذا عبثٌ وسفه، مع ما فيه من إيهام ضعف اليقين بالثناء الأول، وأنه احتاج إلى تطريةٍ وتجديد شهادة؛ لأن الشهادة الأولى كانت زورًا وظنًّا مُرَجَّمًا.
وهذا توهينٌ لعقد المودة التي شُهِدَ لها في المسألة بشدة الأسر، واستحكام الأصل، ووثاقة السبب.