المسألة الحادية والسبعون والمائة
لِمَ لا يجيء الثلج في الصيف كما قد يجيء المطر فيه؟
الجواب
قال أبو علي مسكويه، رحمه الله:
الفرق بين حالَي الثلج والمطر أن البخار إذا ارتفع من الأرض حمل معه جزءًا أرضيًّا، ويكون مقدار هذا الجزء الأرضي ما يَخِفُّ مع البخار ويتحرك معه ويصعد بصعوده كالهباءة التي تراها أبدًا في الهواء؛ فإن ذلك القدر من أجزاء الأرض لِخِفَّته يتحرك بحركة الهواء ويصعد مع بخار الماء، فإذا اتفق وقت صعود هذا البخار أن يصيبه في الهواء بَرْدٌ شديد حتى يجمُد، جمد معه الجزء الأرضي وثَقُلَ بما يكتسبه من انضمام البعض إلى البعض بالبرد فارْجَحَنَّ إلى أسفل وهو الثلج.
وإن اتفق أن يكون البرد الذي يلحقه يسيرًا لا يبلغ أن يُجمِّده عُصِرَ البخار عصرًا فخرج منه الماء الذي يقطُر وهو المطر.
والدليلُ على أن في الثلج جزءًا أرضيًّا القبضُ الذي فيه الثلج وسلامة المطر منه، وأيضًا فإن الثلج جِرْم البخار بعينه، أعني الحالة التي ليست ماءً ولا هواءً، فإذا جَمُدَتْ تلك الحالة ردت طبيعة البخار، فأما المطر فلا طبيعة للبخار فيه، وهو ماءٌ بعينه.
وكذلك يصيب آكل الثلج من النفخ والأسباب العارضة من البخار ما لا يصيب شارب ماء المطر.
وإذ قد وَضَحَ الفرق بين المطر والثلج فإنَّا نقول في جواب مسألتك:
إن الشتاء يشتد فيه برْد الهواء حتى يُجَمِّد البخار الصاعد إليه من الأرض فيردَّ ثلجًا.
فأما الصيف فليس يشتد فيه برْد الهواء، ولكن بما عرَض فيه من البرْد بقدر ما ينعقد البخار ثم ينعصر فيجيء منه مطرٌ.