المسألة الثالثة والأربعون: مسألة إرادية وخلقية
وعلى ذم الناس البخل ومدحهم الجود، ما سبب اجتماعهم على استشناع الغدر واستحسان الوفاء مع غلبة الغدر وقلة الوفاء؟
وهل هما عرضان في أهل الجوهر أم مصطلح عليهما في العادة؟
الجواب
قال أبو علي مسكويه، رحمه الله:
سبب استحسان الناس الوفاء حُسنه في العقل، وذلك أن الناس لما كانوا مدنيين بالطبع اضطروا إلى أمور يتعاقدون على لزومها لتصير بالمعاونة أسبابًا لتمام أغراض أُخَر.
وقد تكون هذه الأمور في الدين والسيرة وفي المودة والمعاملة، وفي الملك والغلبة، وبالجملة في كل ما يُحتاج فيه إلى التمدن، وما يتم بالمعاونات فتُقدَّم لها أسباب تعقد بينهم حالًا يراعونها أبدًا في تمام ذلك الأمر، فإذا ثبت عليها قوم ولزموها تمت أغراضهم، وإذا زالوا عنها وخاس بعضهم ببعض فيها انتقضت عليهم الأغراض وانتقصت عن بلوغ التمامات.
وبحسب الأمر المقصود بالتمام يكون حُسن الوفاء وقبح الغدر؛ فإن كان الأمر شريفًا كريمًا عام النفع استُشنِع الغدر فيه واستُحسِن الوفاء وبالضد.