المسألة الحادية والخمسون
لِمَ إذا أبصر الإنسان صورةً حسنة أو سمع نغمة رخيمة قال: والله ما رأيت مثل هذا قط ولا سمعت مثل هذا قط، وقد علِم أنه سمع أطيب من ذاك وأبصر أحسن من ذاك؟
الجواب
قال أبو علي مسكويه، رحمه الله:
أما بحسب الفقه أو مقتضى اللغة فهو غير حانث ولا مخطئ؛ لأن شيئًا لا يماثل شيئًا بالإطلاق ولا يُقال في شيء: هذا مثل هذا إلا بتقييد، فيكون مثله في جوهره أو كمِّيته أو كيفيته أو غير ذلك من سائر المقولات، وقد يماثله في اثنتين منها وأكثر، فأما في جميعها فمُحال.
فهذا وجه صحة قول الإنسان: والله ما رأيتُ مثله.
فأما من جهةٍ أخرى — وهي جهةٌ طبيعيةٌ — فإنك تعلم أن الحس سيالٌ بسيلان محسوسه، فإذا استثبت صورةً ثم زالت عنه وحضرت أخرى شغلته وثبتت بدل الأخرى، فلا يحصر الحس إلا ما قد أثَّر فيه دون ما قد زال، وإنما حصلت الأولى في الذِّكر وفي قوة أخرى، وربما لم يجتمعا أو لم يحضر الذكر، فيكون قول الإنسان على حسب الحاضر وحضور الذكر أو غيبته.