المسألة السابعة والستون
ما وجه تسخيف من أطال ذيله وسحبه، وكبَّر عمامته، وحشا زِيقَه قطنًا، وعرَّض جيبه تعريضًا، ومشى مُتَبَهْنِسًا، وتكلَّم مُتَشَادِقًا؟
ولِمَ شَنُعَ هذا ونظيره؟ وما الذي سمَّج هذا وأمثاله؟
ولِمَ لَمْ يُترَك كل إنسان على رأيه واختياره، وشهوته وإيثاره؟
وهل أطبق العقلاء المميِّزون والفضلاء المُبَرِّزون على كراهة هذه الأمور إلا لسرٍّ خافٍ وخبيئةٍ موجودة؟
فما ذلك السر؟ وما تلك الخبيئة؟
الجواب
قال أبو علي مسكويه، رحمه الله:
يُنكر مما ذكرته كله التكلف، وذاك أن من خالف عادات الناس في زيهم ومذاهبهم وتفرَّد من بينهم بما يُباينهم ثم احتمل مؤونة ما يتجشمه، فليس ذلك منه إلا لغرض مخالفٍ لأغراضهم وقصدٍ لغير ما يقصدونه: فإن كان غايته من هذه الأشياء أن يشهر نفسه وينبِّه على موضعه فليس يعدو أن يُوهِم بها أمرًا لا حقيقة له ويطلب حالًا لا يستحقها؛ لأنه لو كان يستحقها لظهرت منه وعُرِفَت له من غير تكلُّف ولا تجشُّمٍ لهذه المؤن الغليظة؛ فإذن هو كاذبٌ فعلًا ومزوِّرٌ باطلًا، وما تعاطى ذلك إلا ليغُرَّ سليمًا ويخدع مسترسِلًا، وهذا مذهب المحتال الذي يُتحرَّز منه ويُتباعَد عنه، هذا إلى ما يجمعه من بديهة المخالفة، والمخالفة سبب الاستيحاش، وعلة النفور، وأصل المعاداة.
وإنما حرَص الناس وأهل الفضل، وحرص لهم الأنبياء عليهم السلام بما وضعوه لهم من السنن والشرائع؛ لتحدث بينهم الموافقة والمناسبة التي هي سبب المحبَّات وأصل المودَّات ليتشاركوا في الخيرات، ولتحصل لهم صورة التأحُّد الذي هو سبب كل فضيلة، ولأجله تم الاجتماع في المدينة الذي هو سبب حُسْن الحال في العيش والاستمتاع بالحياة والخيرات المطلوبة في الدنيا.