المسألة السابعة: مسألة خُلقية
لِمَ اقترن العُجْب بالعالِم، والعلم يُوجِب خلاف ذلك من التواضع والرقة وتحقير النفس والزِّراية عليها بالعجز؟
الجواب
قال أبو علي مسكويه، رحمه الله:
أما العالِم المستحق لهذه السمة فليس يلحقه العجب ولا يُبلى بهذه الآفة، وكيف يُبلى بها وهو يعرف سببها وأنها مرضٌ سببه مكاذبة النفس؟!
وذلك أن حقيقة العجب هي ظن الإنسان بنفسه من الفضل ما ليس فيه، وظنُّه هذا كذب، ثم يستشعره حتى يصدِّق به، فتكون صورته صورة من يرى رجلًا في الحرب شجاعًا يحمل على الأبطال ويُظهر فضيلة شجاعته فيكفي العدو ويُفني القِرْن، وهذا الرائي عنه بمعزلٍ ناكصٌ على عَقِبَيْه، ناءٍ بجانبه، وهو في ذاك يدَّعي تلك الشجاعة لنفسه، فهو يَكذِبها في الدعوى ثم يصير مصدِّقًا بها، وهذا من أعجب آفات النفس وأكاذيبها؛ لأجل أن الكذب فيه مركَّب، فقد يكذب الإنسان غيره ليصدِّقه الغير فيُموِّه نفسه عليه، فأما أن يُموِّه نفسه بالكذب ثم يصدِّق فيه نفسه فهو موضع العُجْب والعَجَب.
ولأجل هذا التركيب الذي عرَض في الكذب صار أشنع وأقبح من الكذب نفسه البسيط المعروف.
وإذا كان العالِم الفاضل لا تقترن به آفة الكذب البسيط لمعرفته بقبحه لا سيما إذا استغنى عنه فهو من الآفة المركَّبة أبعد.
فلذلك قلتُ: إن العالِم لا يُعْجَب، فقد صارت هذه المسألة مردودةً غير مقبولة.
فأما ما يعرِض من العُجْب لمن يظن أنه عالِم فليس من المسألة في شيء.