المسألة السبعون
ما سبب استشعار الخوف بلا مُخِيف؟
وما وجه تجلُّد الخائف والمصاب كراهة أن يُوقَف منه على فُسُولة طبعه أو قلة مكانته أو سوء جزعه، هذا مع تخاذل أعضائه، وندائه على ما به، واستحالة أعراضه، ووجيب قلبه، وظهور علامات ما إذا أراد طيه ظهر على أسِرَّة وجهه، وألحاظ عينيه، وألفاظ لسانه، واضطراب شمائله؟
الجواب
قال أبو علي مسكويه، رحمه الله:
سبب ذلك توقُّع مكروه حادث؛ فإن كان السبب صحيحًا قويًّا والدليل واضحًا جليًّا كان الخوف في موضعه.
وإن لم يكن كذلك، وكان من سوء ظنٍّ وفساد فكرٍ فهو مرضٌ أو مزاجٌ فاسد من الأصل.
ثم بحسب ذلك المكروه يحسُن الصبر ويُحمَد احتمال الأذى العارض منه وتظهر من الإنسان أمارات الشجاعة أو الجبن.
وأثبتُ الناس جنانًا وجأشًا وأحسنهم بصيرةً ورويةً لا بد أن يضطرب عند نزول المكروه الحادث به الطارئ عليه لا سيما إن كان هائلًا؛ فإن أرسططاليس يقول: «من لم يجزع من هَيْج البحر وهو راكبه ومن الأشياء الهائلة التي فوق طاقة الإنسان فهو مجنون.»
وكثيرٌ من المكاره يجري هذا المجرى ويقاربه، والجزع لاحقٌ بالمرء على حسبه ومقداره: فإن كان المكروه والمتوقَّع مما يطيق الإنسان دفعه أو تخفيفه، فذهب عليه أمره واستولى عليه الجزع ولم يتماسك له، فهو جبان جزوعٌ مذمومٌ من هذه الجهة.
ودواؤه التدرب باحتمال الشدائد وملاقاتها والتصبُّر عليها وتوطين النفس لها قبل حدوثها لئلا تَرِدَ عليه وهو غافلٌ عنها غير مستعدٍّ لها.
وإذا كانت الشجاعة فضيلة وكانت ضدها نقيصة ورذيلة؛ فمن لا يحب أن يستر نقيصته ويُظهِر فضيلته مع ما تقدَّم من قولنا فيما سبق: إن كل إنسانٍ يعشق ذاته ويحب نفسه؟