المسألة الثانية والثمانون
هل يجوز أن تكون الحكمة في تساوي الناس من جهة ارتفاع الشرف دون تباينهم؟
فإنه إن كانت الحكمة في ذلك لزم أن يكون ما عليه الناس إما عن قهر لا فِكاك لهم منه أو جهل لا حُجة عليهم به.
ولست أعني التساوي في الحال وفي الكفاية وفي الفقر والحاجة؛ لأن ذاك قد شهدت له الحكمة بالصواب لأنه تابع لسوس العالم وجارٍ مع العقل.
وإنما عنيت تساوي الناس من جهة السبب؛ فإن التطاول والتسلط والازدراء قد فشا بهذا النسب.
والحكمة تأبى وضع ما يكون فسادًا أو ذريعةً إلى فساد؛ ولهذا قال النبي ﷺ: «المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يدٌ على من سواهم.»
الجواب
قال أبو علي مسكويه، رحمه الله:
إنما يشرُف الإنسان بنفسه وبما يظهر فيه من آثار الحكمة، وما أحسن قول الإمام علي عليه السلام: «قيمة كل امرئ ما يُحسِن.»
وإنما حكينا ما تقدَّم من سَرَيَان النجابة في العِرْق لأجل أن الطمع يقوى فيمن كانت له سابقة في فضيلة أن تظهر فيه أيضًا، ولا سيما إن كانت علته قريبة منه.
وكيف يتساوى الناس في ارتفاع الشرف؟ ولو تساووا فيه لَمَا كان شرف ولا ارتفاع، وإلا فعلى ماذا يرتفع ويشرُف والمنازل متساوية؟
ولكن الناس يتساوون في الإنسانية التي تَعُمُّهم وفي أشياء تتبع الإنسانية من الأحكام والأوضاع، ويتفاوتون في أمور أُخَر يزيد بها بعضهم على بعض.