آثار رودس ومعاهدها
- (١)
باب دامبواز (في الجهة الغربية) سُمِّي بذلك نسبة إلى الرئيس «دامبواز السادس عشر» من الفرسان الذين تولوا الحكم على الجزيرة، ويُسمِّيه الترك «أكري قبو» أي الباب المنحرف؛ لأن الطرق المؤدية إليه من داخل المدينة وخارجها منحرفة عن اتجاه هذا الباب، ويسمِّيه الأروام «توبروماسترو»؛ لأنه أقرب الأبواب إلى القصر الذي كان يقيم فيه الرئيس الأعظم، وأمام هذا الباب من الخارج خندق عميق فوقه قنطرة، وعلى جانبيه برجان عظيمان، وفي أعلى الباب تمثال ملك باسط جناحيه وبيده اليمنى شارة الفرسان، وفي اليسرى شارة الرئيس «دامبواز» وفوقه تمثال المسيح، وهما منحوتان في قطعة واحدة من الرخام.
- (٢)
باب سان جورج (في الجهة الغربية) بالقرب من جامع السليمانية، وفي أول شارع الشفاليه.
- (٣)
باب سانت كترين (في الجهة الشرقية)، ويسمِّيه الترك موصلق قبو (باب الحنفية) وبازار قبو (باب السوق)، وعلى جانبيه برجان عظيمان، وتعلوه تماثيل ثلاثة أشخاص كبيرة من الرخام تمثل القديس بطرس، والقديس يوحنا والقديسة كترينة.
- (٤)
باب سان بول (في الجهة الشمالية) ويُسمِّيه الترك «طامله قبو» (باب قطرات الماء) وهو يؤدي إلى مينا الجمرك.
- (٥)
باب سان أتيان (في الجهة الجنوبية) ويعرف بالباب المسدود، وهو الباب الذي دخل منه السلطان سليمان إلى المدينة عقب فتحها في سنة ١٥٢٢، ثم أمر بسده وبقي مسدودًا إلى أن فتحه الإيطاليان في سنة ١٩٢٢؛ أي بعد استيلائهم على الجزيرة بعشر سنوات، وبعد أربعة قرون من تاريخ الفتح العثماني.
- (٦)
باب سان جان (في الجهة الجنوبية) ويُسمِّيه الترك «قزل قبو» واليونان «كوكينو»، ومعناهما في اللغتين الباب الأحمر، وهو الباب الذي دخل منه الجنرال إميليو قائد الجيش الإيطالي الذي استولى على رودس سنة ١٩١٢.
وقد رأيت أن أنقل هنا رسم هذا الباب ليتبين منه ما هي عليه أبواب المدينة من الضخامة والمناعة.
وفي المدينة جوامع كثيرة أشهرها جامع السليمانية، بناه السلطان سليمان عقب فتح رودس، وعلى جانبي بابه أعمدة من الرخام منقوشة نقشًا بديعًا، وتتخلَّلُها رسوم بارزة غاية في الدقة والإتقان، ومنها ما يمثل أنواع الملابس والسلاح التي كان يتقلدها الفرسان (الشفاليه)، وهي من بقايا المباني التي تهدمت في أثناء الحروب.
ومنها الجامع المعروف باسم «دميرلي جامعي» (الجامع الحديدي) سُمِّي بذلك للقضبان الحديد المركبة على جميع نوافذه؛ لأنه كان فيه على ما يقال سرب (سرداب) يُنفذ منه إلى خارج المدينة، وقد اختبأ فيه بعض الفرسان والجنود في أثناء الحرب، فلما فتح العثمانيون الجزيرة وضعوا عليه هذه الحواجز الحديد.
قد بنى سلطان البر والبحر السلطان سليمان ابن السلطان سليم خان الغازي جامعًا جديدًا في دار الفتح والغزوات، ومعبر الحج والعرفات، حماها الله من الآفات في داخل رادوس، تقبل الله الملك القدوس ووقع تاريخه، من دخله كان آمنًا دائمًا سنة ٩٤٧.
ومنها جامع «أندرون» وزعم بعضهم أن أصل هذا الاسم «قان طورو» بالتركية، ومعناها موقف الدم، ولهم في ذلك رواية لا دليل على صحتها، ولما كان هذا الجامع قبلًا كنيسة باسم القديسة كترينة، فيظن أن لفظة «أندرون» أو «قان طورو» تحريف اسم كترينة.
ومن جوامع المدينة الجامع المشهور باسم «بالق بازار جامعي» (جامع سوق السمك)؛ لأنه كان بجوار السوق المعد لبيع الأسماك.
وهذا الجامع كان دارًا للقضاء في عصر الفرسان، وبُني سنة ١٣٧٥م وعلى واجهته نقوش جميلة، وفي أعلى الإيوان الكبير شارات الفرسان مرسومة رسمًا بديعًا بالألوان.
ومن الجوامع الجديرة بالذكر جامع السلطان مصطفى، وجامع رجب باشا، وجامع الأغا، وجامع عبد الجليل، وأيلك محراب، وجامع الرئيس مراد، وهو خارج المدينة المسوَّرة وسيأتي ذكره، أما الجامع الذي كان كنيسة باسم القديس يوحنا، وقد مرَّ ذكره عند الكلام على استيلاء السلطان سليمان على رودس، فلم يبقَ له أثر؛ لأنه في سنة ١٨٥٦م انقضَّت صاعقة على مئذنته واتصلت بمخبأ كان فيه كمية عظيمة من البارود من عهد الفرسان، فالتهب ودمَّر هذا الجامع و٦٠ بيتًا من البيوت التي كانت بجواره، وأباد من الخلق نحو ٨٠٠ نفس. وذهب بعض المؤرخين إلى أن هذه النكبة نتيجة ما أتاه القائد «دامرال» الذي مرَّ ذكره من الأمور التي أراد بها خذل الفرسان، ونصرة الجيش العثماني في أثناء حصار الجزيرة، وكان هذا القائد وقتئذٍ أمينًا على الذخائر، فيُظنُّ أنه أخفى أمر البارود الذي كان في المخبأ المذكور ليوهم رؤساء الجيش بأن الذخيرة أوشكت أن تنفد، فتثبَّطَ همتهم وتضعفَ عزيمتهم، ويكفُّوا عن القتال.
وتجاه جامع السلمانية الدار التي بناها السلطان سليمان للفقراء (التكيَّة) ويُسمِّيها الترك «الأمارة»، وعلى واجهتها لوح من الرخام مكتوب فيه بالخط الفارسي الجميل «إنما نطعمكم لوجه الله».
وبالقرب من هذا الجامع برج شاهق (يسمى برج الساعة) وهو من الآثار القديمة، وعليه ساعة كبيرة وُضعت سنة ١٢٦٨ﻫ، في عهد السلطان عبد المجيد، وهذا رسمه:
وللإسرائيليين ٦ معابد في الحي الخاص بهم، ويُسمِّيه الترك «يهودي محله سي»، وهو أجمل أحياء المدينة وأكبرها، وأكثر المساكن التي فيه كانت قصورًا للفرسان (الشفاليه).
أما الكنائس والأديرة فجميعها خارج المدينة، بعضها في الضواحي وبعضها في القرى، وعددها ٤٥ كنيسة (غير الكنيسة التي بنتها حكومة إيطاليا باسم القديس يوحنا) و١٥ ديرًا. وأشهر الكنائس كنيسة العذراء في يكي مراش، والكنيسة المتروبولية في دسبوت مراش، وكلها للروم الأرثوذكس، وللكاثوليك كنيسة باسم العذراء في يكي مراش، وهي للرهبان الفرنسيين أنشئت سنة ١٧١٩م وتجدد بناؤها سنة ١٨٤٩م.
وأشهر شوارع المدينة شارع الشفاليه، ويُسمِّيه الترك «أوزون يولي» أي الشارع الطويل، والدُّور التي على جانبي هذا الشارع كانت قصورًا للفرسان، ويُرى عليها كثير من شاراتهم وأسمائهم، وفي أول هذا الشارع قصر الرئيس الأعظم وهو الذي كان سجنًا (حبسخانة) في عهد الحكومة العثمانية. ويتخلل الأحياء المحيطة بالمدينة مدافن قديمة، تكتنفها الطرق العمومية والأبنية الفاخرة، وأشهرها مدفن الرئيس مراد، وهو في الجهة البحرية الشرقية، ودفن فيه كثير من الوزراء وعظماء الرجال، وبعض الصدور العظام وغيرهم ممن نُفوا إلى هذه الجزيرة، وقضوا فيها بقية عمرهم. ودفن فيه أكثر الضباط والجنود الذين قتلوا في أثناء حصار السلطان محمد الثاني لرودس في سنة ١٤٨٠، وبجوار هذا المدفن جامع الرئيس مراد، وهو من أشهر الجوامع.
وأجمل ضواحي رودس «سنبللي دره» أي وادي السنبل ويُسمِّيها الأروام «روديني» ويقصدها الناس للرياضة والنزهة.
وفي ضواحي المدينة كثير من الأبنية والقصور الفاخرة، وأشهرها سراي الوزير المصري الكبير المرحوم حسين فخري باشا، وهي في أجمل حي وأقدم ما بناه المصريون في رودس، وأمامها سراي المرحوم شكيب باشا العضو الوطني في مصلحة الدومين سابقًا، وسراي صاحب العزة حسن بك خيري نجل المرحوم خيري باشا، وهي أفخم مباني المدينة.
وأرضية أكثر المساكن ومماشى بعض الحدائق والطرق مرصوفة بالدملق وهي أحجار صوانية مستديرة الشكل ومتساوية الحجم، كأنها أفرغت في قالب واحد، وتوجد بكثرة على ساحل البحر، وهي مختلفة اللون فمنها الأبيض والأسود والأحمر، ولأهل الجزيرة مهارة فائقة في رصفها وتنسيقها، ويركبون منها رسومًا غاية في الإتقان وأكثر مماشي الحدائق التي أنشئت في الجيزة والجزيرة في عهد المغفور له الخديوي إسماعيل مرصوفة بهذه الأحجار التي نُقلت وقتئذٍ من رودس، واستقدم منها الصناع الذين نسقوها بهذا الوضع والإحكام.
هذا أهم ما شاهدته من آثار مدينة رودس وضواحيها، أما ما أنشأته دولة إيطاليا من المباني وما تم في عهدها من الإصلاح والتعمير والتجديد فسيأتي بيانه في الفصل الذي أفردته لذلك.
(١) قرى الجزيرة
من أهم قرى الجزيرة وأوفرها عمرانًا قرية ترياندا، وهي قريبة من المدينة، فيها من المناظر الطبيعية أبدعها، ومن المحاسن الخلوية أبهجها، وفي الطرف الجنوبي منها جبل فيلرموس الشهير، وهو بالقرب من مدينة ياليسوس التي تقدم ذكرها، ويُسمِّيها الترك أسكي رودس أي رودس القديمة، وارتفاع هذا الجبل ٣٠٠ متر عن سطح البحر، وكان عليه معبد يوناني قديم عفت آثاره ودرست معالمه.
ومن أجمل القرى قرية «فيلانوفا» سُمِّيت باسم «فيلنوف» ثاني الرؤساء الذين تولوا الحكم على الجزيرة، وليس هذا الاسم تحريف «يلانلي أوه» كما يزعم البعض ومعناه «برية الحيات» باللغة التركية، وفي هذه القرية أملاك المغفور له علي باشا حلمي العضو الوطني بمصلحة الدومين سابقًا، وفيها الرياض الزاهرة والحدائق الغنَّاء والأشجار الباسقة، وتتصل برابية عالية حوت من المحاسن الطبيعية وأنواع النبات البرية والعيون العذبة ما لا يحيط به الوصف، ويعجز عن تصويره اليراع، وقد أنشأ رحمه الله في هذه الرابية كثيرًا من الطرق والمجاري والحياض، وبنى في سفحها قصرًا فاخرًا يشرف على البحر، وتحدق به حديقة أخذت زخرفها وازَّيَّنتْ بأنواع الأثمار والأزهار.
وأهم القرى وأشهرها «لندوس»، وهي إحدى المدن القديمة التي تقدم ذكرها عند الكلام على تاريخ الجزيرة، وهذه القرية واقعة على الساحل الشرقي، وعلى بعد ٥٢ كيلومترًا من المدينة، ولا تزال آثارها القديمة باقية إلى الآن تشهد بما كانت عليه من العظمة وعلوِّ الشأن، وقد أنشأت دولة إيطاليا شارعًا كبيرًا للوصول إليها بالسيارات. وكان في مدينة لندوس الأكروبول الشهير، وفيه هيكل لأثينا ربة الحكمة (منيرفا عند الرومان) وهو على قمة جبل عالٍ، وقد جعلت الدولة البيزنطية هذا الأكروبول قلعة للدفاع عن الجزيرة، ثم أصلحها الفرسان فكانت من الحصون المنيعة، ولما استولت الدولة العثمانية على الجزيرة رمَّمت ما تهدم من هذه القلعة.
ومن أغرب ما يُرى في هذه الآثار رسم سفينة كبيرة محفورة في الصخر، وهي من طراز السفن التي كان يستعملها أهل لندوس في الحروب، وفي سفح الجبل من الجهة الغربية مدرَّج كبير منحوت في الحجر، وهو من بقايا ميدان الألعاب والتمثيل في عهد اليونان.
وفي هذه القرية قبر «كليوبولوس» أحد حكماء اليونان السبعة الذين هم أساطين الفلسفة، وروى ديودوروس واسترابون أن داناووس لما أتى رودس نزل بلندوس وبنى هيكل «أثينا» الذي مرَّ ذكره، وأن أحميس الأول (أموزيس) من ملوك الدولة الثامنة عشرة المصرية أهدى لهذا الهيكل تمثالين من المرمر ودرعًا منسوجًا نسجًا بديعًا، وقد اشْتُهرت لندوس بعمل الأواني الخزفية وخاصة الصحاف (الصحون) وطليها بالمينا ونقشها برسوم بديعة، وامتازت بتطريز المنسوجات ووشيها.
(٢) الآثار اليونانية
هذا ما قاله الدكتور أبوستوليدس، ولعلماء العاديات الرأي الأعلى والقول الفصل في ما عزاه إلى أبناء وطنه من التقدم والفضل، على أن الفن المصري قد ظهرت آياته وتجلت بدائعه، على ما أثبته «لنورمان» و«دي روجه» و«مارييت»، منذ الدولة الرابعة التي بُنيت في عهدها أهرام الجيزة أي منذ ٤٠٠٠ سنة قبل المسيح، ومما وجُد من آثار هذه الدولة وأُودع في دار الآثار المصرية تمثال للملك خفرع (كفرين) باني الهرم الثاني، فقد أجمع أرباب الفن على أنه المثل الأعلى والآية الكبرى في الإتقان والإبداع، والتمثال المصنوع من الخشب والمشهور بشيخ البلد، وهو غاية في الدقة والإحكام، ومثله الكاتب المصري، وهو من آثار الدولة الخامسة، وفي متحف اللوفر بباريس تمثال آخر للكاتب المصري وهو من أبدع ما أخرجته يد الفن في محاكاة الطبيعة. أما ما ذهب إليه الدكتور أبوستوليدس في رسالته المذكورة من أن اسم «هانيبو» الذي وُجد على الآثار المصرية يراد به اليونان، وأن وجود هذا الاسم على أقدم الآثار دليل على أن اليونان وفدوا على وادي النيل في أقدم العصور، فهو من الآراء التي يجدر بعلماء الآثار فحصها وتحقيقها علَّهم يُفتونَنا بما ينجلي به وجه الصواب ويكون فيه فصل الخطاب.
وسواء كان الفضل لليونان في ما بلغه المصريون من إتقان الفنون الرفيعة أو كان المصريون معلمي اليونان كما هو مشهور، فإن براعة اليونان في إتقان هذه الفنون لا تحتاج إلى بيان، ناهيك بتلك التماثيل التي يتجلى فيها من آيات الروعة والجمال ما يسحر العقول ويأخذ بالألباب، وذلك للدقة المتناهية في محاكاة الطبيعة بأكمل مظاهرها وأجمل معانيها، فمن إحكام في النِّسب ووضوح في عضلات الجسم وقسمات الوجه وملامحه، فضلًا عن التفنُّن العجيب في أشكال هذه التماثيل وأوضاعها، وقد نسج الرومان على منوال اليونان في الحفر والتصوير فأبدعوا وأجادوا.
ولما كان وصف ما خُصِّصت له الآثار اليونانية من المعبودات، وذكر ما يتصل بها من الأساطير لا يتسع له المجال، رأيت أن أقتصر هنا على بيان ما وقفت عليه في أثناء البحث من أوجه الشبه بين معبودات اليونان وعقائد سائر الأمم المتوغلة في القدم، كالهنود والمصريين والآشوريين والبابليين والفينيقيين والفرس والرومان والعرب أيام الجاهلية.
أشهر معبودات اليونان ومقارنتها بمعبودات قدماء الأمم
قبل الخوض في هذا الموضوع لا بدَّ لنا من كلمة في الميثولوجيا؛ توطئةً لما سيأتي ذكره من هذه المعبودات، وما تدل عليه من المعاني والصفات، فنقول: المثيولوجيا لفظة يونانية مركبة معناها «سِيَر الآلهة» وموضوعها أساطير الأمم الوثنية، وثمرتها الوقوف على عقائد تلك الأمم وأحوالها وعاداتها وسِيَر أبطالها، وعدا ما اشتملت عليه هذه الأساطير من الفوائد التاريخية والعلمية، فلا بدَّ للأديب من التحلِّي بفرائدها وإلا تعذَّر عليه فهم منظومات فحول الشعراء من اليونان والرومان، ومن حذا حذوهم من شعراء سائر الأمم، فإن أشعارهم لا تخلو من الاستعارات والكنايات والشواهد والأمثال المقتبسة من تلك الأساطير، ناهيك بما اشتملت عليه من الحكم والعظات البالغة والرموز التي تشير إلى كثير من الحقائق التاريخية.
ومن نظر في أساطير الأمم القديمة، رأى أنها عبدت في مبدأ الأمر كل ما له في النفس تأثير ورهبة وهيبة وروعة، كالشمس والقمر وسائر الكواكب، ثم تعددت المعبودات وتنوعت أساليب العبادة وتباينت أشكالها، وبعد أن كانت كل أمة مستقلة بمعبوداتها قد تسلسلت العقائد وانتقلت من أمة إلى أخرى؛ ولهذا نرى فيها من أوجه الشبه ما يدل على أنها مقتبسة بعضها من بعض، وقد اختلفت الآراء في منشأ ما تشابه منها، فقيل إن مصر مصدر هذه العقائد، وذهب بعضهم إلى أنها نشأت أولًا في الهند، ثم انتقلت منها إلى مصر والصين وفينيقية وبلاد الكلدان والفرس وغيرها. وسواء كان مصدر هذه العقائد مصر أو الهند، فالمحقق أن اليونان قد توسعوا في عقائدهم وأتوا من التفنن والإبداع في أساطيرهم بما لم يسبقهم فيه سابق، وهذبوا ما تلقوه عن الأوائل، فنبذوا عبادة الحيوان والجماد، وإليك ما وقفت عليه أثناء المقابلة والمقارنة من المشابهات بين آلهة اليونان ومعبودات سائر الأمم:
«من معبودات اليونان «زفس» كبير الآلهة، وهو في مقام «جوبيتر» عند الرومان، و«أندرا» عند الهنود، و«مردوخ» عند البابليين، و«أرْمُزد» عند الفرس، و«المشتري أو برجيس» عند العرب، وزوجته «هيرا» وهي «يونون» عند الرومان و«دُرْجه» عند الهنود، وابنهما «إيروس» واسمه «كوبيدون» عند الرومان، و«كاما» عند الهنود، ومن أكبر معبوداتهم «أبولون» إله الشمس والفنون والآداب، ويُسمَّى «هليوس» و«فيبوس»، وهو «أبولو» عند الرومان و«كرشنا» عند الهنود و«رع» أو «هوروس» عند المصريين، و«شماخ» عند الكلدانيين، و«مترا» عند الفرس، وورد في التوراة اسم صنمين كانا يمثلان الشمس، وهما «أرمون»، وكان في بقعة مجدون و«هداد» وكان يُعبد في دمشق، وكان لأبولون تسع بنات هن ربات الفنون الجميلة، ويطلق على مجموعهن اسم «موسيه» باليونانية، ومنه لفظ موسيقى في أكثر اللغات، وقد أبدع اليونان وأصابوا فيما تخيَّلوه من أنهن أخوات؛ لما بين هذه الفنون من الصلة والارتباط. ومن معبودات اليونان «أثينا» ربة الحكمة وهي «مينرفا» عند الرومان و«نيث» عند المصريين و«سارسفاتي» عند الهنود، ومن معبوداتهم «هرقليس» وهو يشبه «ملكارث» عند الفينيقيين و«أدار» عند الآشوريين. ومنها «أفروديت» ربة الجمال، وهي «فينوس» عند الرومان، و«لخمي أو راتي» عند الهنود، و«ناهيد» عند الفرس و«الزهرة» عند العرب و«حاتحور» عند المصريين، و«عشتروت» عند الفينيقيين، ومن معبوداتهم «أرطميس» إلهة الصيد، وهي «ديانا» عند الرومان، ويرمز لها بالقمر، ومنها «هرمس» سفير الآلهة وإله التجارة والصناعة، وهو «مركور» عند الرومان و«تحوت» عند المصريين، و«نابو» عند الكلدانيين، و«نردا» عند الهنود، و«عطارد» عند العرب، ومنها «آرس» رب الحرب. وهو «مارس» عند الرومان، و«نرغال» عند الكلدانيين، و«اشكند» عند الهنود، و«بهرام» عند الفرس، و«المريخ» عند العرب، ومنها «خرونوس» (الزمان) وهو يشبه «ساتورن» عند الرومان من بعض الوجوه، و«مولوك» عند الكنعانيين، ويسمى «كيوان» عند الفرس، و«زحل» عند العرب، ومنها «بوسيدون» رب البحار، وهو «نبتون» عند الرومان، و«داجون» عند الكلدانيين، و«فارونا» عند الهنود، ومنها «أديس» ملك الجحيم والظلمات، وهو نظير «بلوتون» عند الرومان، و«ياما» عند الهنود، ومنها «هيفستوس» إله النار، وهو «فولكان» عند الرومان، ومنه لفظة بركان المستعملة في العربية للدلالة على جبل النار، واسمه «أدرملك» عند الآشوريين، و«شفاكرما» عند الهنود و«فتاح» عند المصريين، ومنها «ديميتيرا» ربة الزراعة والخصب، وهي مثل «سيريس» عند الرومان، و«سري» عند الهنود، ومنها «ديونسيوس» إله الخمر، وهو «باكوس» عند الرومان، ومن الآلهة التي عبدها اليونان والرومان باسم واحد «اسكولابيوس» إله الطب وهو «أشمون» عند الكلدانيين، و«إمحوتب» عند المصريين، و«بعل صيدا» عند الفينيقيين، ومن معبودات اليونان «أدونيس» الذي افتتنت به ربة الجمال والحب، ويشبه «تموز» من معبودات سوريا. وكان اليونان يضحُّون لبعض معبوداتهم بالضحايا البشرية اقتداءً بالكنعانيين والآشوريين، ويضعون مع الميت أنواع الزاد مثل المصريين.»
وكان أهل رودس يقسمون السنة إلى ١٢ شهرًا، كل منها ٣٠ يومًا ويضيفون إليها شهرًا صغيرًا اسمه «باناموس» عدته ٥ أيام وكل ٤ سنوات يُزاد يومًا وهي السنة المصرية، ولعلهم اقتبسوا ذلك على أيدي الفينيقيين، فهم أول من نقل علوم مصر وبابل وأشور إلى بلاد اليونان.