خلاصة تاريخية عن أشهر جزائر بحر إيجه
من نظر في تاريخ هذه الجزائر، رأى أنها سايرت الدول التي استولت عليها في جميع أدوار حضارتها، وكانت حليفتها في حروبها، وما وقع فيها من الحوادث العظيمة، كما تدل على ذلك آثارها التي هي أكبر شاهد على ما كان لها في غابر الزمن من الشهرة والشأن، وإذا نظرنا إليها من الوجهة الطبيعية؛ رأينا أنها مجال واسع لمن أراد البحث في طبقات الأرض، وأنواع المعدن والنبات والحيوان، ففي تركيب الصخور وتنوع أشكالها وأوضاعها وما فعلته الزلازل والبراكين والسيول ما يفيد في تطبيق قواعد علم الجيولوجيا ونحوه من العلوم الطبيعية وكشف الكثير من غوامضها، وهناك من أنواع المعادن، والركائز، وصنوف الأنجم، والأشجار، والأعشاب الغريبة، والحيوانات البرية، والأصداف البحرية، ما يفوق الحصر.
ويُرى من الاطلاع على تاريخ هذه الجزائر وما نظمه الشعراء في وصفها؛ أنه كان لأكثرها عدة أسماء، منها ما يدل على ما اشتُهرت به من الخصائص والمزايا، وبعضها أعلام ميثولوجية، كأسماء الآلهة التي اختصَّت بعبادتها في العصور الغابرة، أو هي أسماء رؤساء القبائل التي أغارت عليها واستعمرتها أو الملوك الذين حكموها، وبعضها صفات نعتها بها الشعراء الذين تغنوا بمحاسنها، فغلبت عليها الاسمية، أو هي أسماء مدنها الشهيرة، فأُطلقت عليها من تسمية الكل باسم الجزء، ومن الأسماء ما اختلفت في معناه الآراء لِما تطرَّق إليه من المسخ والتحريف.
وفي الوقوف على مآخذ هذه الأسماء وما تدل عليه من المعاني فوائد جمة؛ فهي من الوسائل التي توصل بها العلماء لحل الكثير من معضلات التاريخ واستجلاء غوامضه، ولولا دلالة الأسماء القديمة على مواقع المدن التي درست معالمها، لتعذَّر على علماء العاديات العثور على ما تحتويه من الآثار الثمينة والذخائر النفيسة. وخُلاصة القول أن تلك الأعلام إنما هي خزائن أُودع فيها من أسرار العلوم وكنوزها ما لا ينكشف إلا بحل رموزها.
أما تاريخ هذه الجزائر في العصور الخالية، فهو كغيره من تواريخ سائر المدن القديمة تغشاه ظلمات القِدم، ولولا ما ورد عنها في أساطير اليونان وقصائد الشعراء، وبعض التواريخ القديمة، وما دلَّت عليه الآثار، لما عُرف شيء عنها؛ ولذلك قد اطلعت على كثير من الكتب القديمة، وما نظمه الشعراء في وصفها، وما ورد فيه ذكرها من المعاجم الكبرى والنشرات العلمية وكتب الجغرافية، ونحو ذلك من المظانِّ، ولم أدَّخر وسعًا في البحث والتنقيب والتحقيق والتدقيق، ولم أقتصر في ما دوَّنته على جغرافية هذه الجزائر وتاريخها، بل ذكرت ما اشتهرت به من الصناعات، ومن نبغ فيها من العلماء والفلاسفة والشعراء، ومساحة كل منها، وعدد سكانها، ونحو ذلك من الفوائد والمعلومات.
وقد حوت هذه الخلاصة تاريخ أشهر الجزائر التي كانت تابعة لولاية بحر سفيد، ومنها الجزائر التي استولت عليها إيطاليا، وهي الجزائر المعروفة «بالدوديكانيز» وعددها ١٣ (غير رودس) وجزيرة صغيرة اسمها «كاستلوريزو»، وتُعرَف عند الترك باسم «جزيرة ميس»، وتبلغ مساحة هذه الجزائر بما فيها رودس ٢٥٤٧ كيلومترًا مربعًا، ومجموع عدد سكانها حسب الإحصاء الأخير ١١٨٠٠٠ نفس.