من الفناء إلى البقاء (الجزء الأول: الوعي الموضوعي): محاولة لإعادة بناء علوم التصوف
«والصوفي لا يمكن تعريفه وكأنَّه مصطلحٌ علمي، ولكنه هو الفقير المجرَّد من الأسباب. وهو مع الله بلا مكان، ويعلم كل مكان. فالصوفي بالموقف والسلوك وليس بالاشتقاق أو التعريف.»
يُمثِّل هذا الكتابُ المحاولةَ الرابعة والأخيرة لإعادة بناء العلوم النقلية الأربعة، لتكتمل به الجبهة الأولى من جبهات ذلك المشروع الفكري للدكتور «حسن حنفي»؛ وهي جبهة «الموقف من التراث القديم»؛ فعندما شرع «حنفي» في التدشين للمشروع كاملًا في كتابه «التراث والتجديد»، وردَ مقترح تسمية هذا الكتاب بعنوان «المنهج الصوفي»، ثم تبدَّى له شيئًا فشيئًا عنوان «من الفناء إلى البقاء: محاولة لإعادة بناء علوم التصوف»، لتكتمل به سيمفونيته الرابعة حول نقل العلوم القديمة كلها «من» مرحلة «إلى» أخرى. وقد انقسمت هذه السيمفونية إلى جزأين؛ «الوعي الموضوعي»، و«الوعي الذاتي». يَستلهِم «حنفي» الطاقة الدافعة لهذه السيمفونية من بيت الشاعر الكبير «محمد إقبال» الذي يقول:
ويُهديها إلى مشايخ الطُّرق الصوفية كي يعودوا إلى العالَم من جديد.
يتناول الجزء الأول من هذا الكتاب ما يُسمِّيه «حنفي» بالوعي الموضوعي عن التصوف، والذي يقصد به الوعي التاريخي؛ حيث يُطلعنا على مراحل التصوف الإسلامي عبر التاريخ، خاصةً خلال القرون السبعة الأولى التي أكملَت فيها الحضارة الإسلامية دورتها الأولى، والتي تنتهي بالتأريخ الخلدوني. فقد مرَّ التصوف بأربع محطات؛ تُعَد «المرحلة الأخلاقية» في القرنَين الثاني والثالث الهجريَّين مرحلتَه الأولى، والتي يُمثِّلها أناس من أمثال «رابعة العدوية» و«الحسن البصري»، فيما تُمثِّل «المرحلة النفسية» في القرنَين الرابع والخامس الهجريَّين، والتي يتحول فيها التصوف إلى علم البواطن؛ المرحلةَ الثانية، ثم تأتي مرحلة «الفلسفة الإلهية» كمرحلةٍ ثالثة في القرنَين السادس والسابع على التوالي، تليها «المرحلة الطُّرُقيَّة» كمرحلةٍ رابعة وأخيرة تَحوَّل فيها التصوف إلى ممارسة جماعية في العهد العثماني.