أولًا: تشكل الوعي التاريخي
وقد ساهم فيه الفقهاء أيضًا مثل أحمد بن حنبل (٢٤٠ﻫ) في «كتاب الزهد»، وابن أبي الدنيا (٢٨١ﻫ) في «كتاب الشكر» و«الصمت وحفظ اللسان»، وأبي عاصم (٢٨٢ﻫ) في «كتاب الزهد».
(١) الوعي التاريخي الغيبي (التنبؤ بالمستقبل وتفسير الأحلام)
هو أول مكون للوعي الصوفي بكتابات خيالية منتحلة أو غيبية أو باطنية. أصحابها من أوائل الصوفية. ولهم عدة كتب أهمها:
(أ) كتاب «الجفر الجامع والنور اللامع» لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب٤
والسؤال هو: هل العجز عن الفعل في الدنيا دافع إلى الهروب منها إلى عالم آخر هو عالم السحر والخرافة؟ هل البعد عن الأرض قرب من السماء؟ هل العجز عن التأثير في الأحداث يستدعي التأثير عليها بالحروف والأعداد والبروج والطوالع؟
(ب) مؤلفات ابن سيرين (١١٠ﻫ)
(١) «منتخب الكلام في تفسير الأحلام»، (تفسير الأحلام الكبير)٢٦
وكما تشكل الوعي التاريخي خارج الزمان في الأعداد والحروف والبروج والطوالع فإنه تشكل أيضًا في الأحلام؛ أي القدرة على معرفة المستقبل بقراءة الرؤيا وتفسيرها. وهو ما فعله التابعي محمد بن سيرين في «تفسير الأحلام الكبير» ثم لخصه في «تعبير الرؤيا». فالتلخيص سابق على الشرح تاريخيًّا.
(٢) كتاب تعبير الرؤيا٤٢
وهو اختصار لتفسير الأحلام الكبير. ولا يُعرف ما الدافع إلى الاختصار وكيف تم ومن الذي قام به. فقد انخفض عدد الأبواب من تسعة وخمسين إلى خمسة وعشرين؛ أي أقل من النصف. قلت فيه الأدلة النقلية والأمثلة وتفصيلات الموضوعات.
(٢) الوعي التاريخي التفسيري
ويعني مساهمة اللغة في تشكل الوعي التاريخي عن طريق علم التفسير. فالتفسير التقليدي هو معرفة بالواقع التاريخي، وعلم بأخبار السابقين. وقد بدأ التفسير الصوفي مبكرًا مثل «تفسير جعفر الصادق وتفسير القرآن العظيم» للتستري (٢٩٣ﻫ).
(أ) «تفسير جعفر الصادق» (١٤٨ﻫ)٥٠
(ب) تفسير الحلاج (٣٠٩ﻫ)٦٣
وتظهر موضوعات التصوف من خلال التفسير، الأخلاق أو المقامات والأحوال أو التوحيد أو علامات الطريق. فالتصوف ظاهر وباطن، عبادة وطاعة، جوارح وقلوب. ومن الفضائل التقوى والصدق والإخلاص. ومن الرذائل الظلم والمكر والتلبيس وزينة الدنيا. وتظهر بعض المقامات مثل المحبة وهو معنى الطريق المستقيم في الفاتحة والتوكل والصبر والتوبة والشكر والرضا بالقضاء والقدر. كما تظهر بعض الأحوال مثل الخوف. والطريق ذكر ضد الغفلة والغور في النفوس ونزول البلاء والامتحان والفقر. والله هو الحق، والشهادة عليه منذ عهد أَلَسْتُ، شهادة الخلق كله على التوحيد، شهادة الفطرة وحمل الأمانة.
ففي تفسير الفاتحة الصراط هو المحبة. والهداية علم التوحيد. والنور والظلام العلم والجهل. فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ التوبة محو البشرية بإثبات الإلهية وفناء النفوس عما دون الله رجوعًا إلى أصل العدم حتى يبقى الحق وحده. فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا أي التحول عن القصد. لَا إِلَهَ تقتضي إزالة العلة عن الربوبية وتنزيه الحق عن الدرك وإتيان الملك وانتزاعه ممن يشاء أي الاصطفاء.
(ﺟ) تفسير القرآن العظيم للتستري (٣١٩ﻫ)٨٠
وبالرغم من أن التفسير الصوفي يدخل في علم التفسير، أحد العلوم النقلية الخمسة، القرآن والحديث والتفسير والسيرة والفقه، إلا أنه ساهم في بلورة الوعي التاريخي عن طريق العثور على المقابل للنص في التجربة الشعورية في العالم. وهو تفسير طولي من الفاتحة إلى الناس. تتجزأ فيه الموضوعات حتى لو تكررت. ولا تفسر كل آية داخل كل سورة وإن توالت السور كلها بل تنتقي بعض الآيات الأكثر دلالة على الجانب الأخلاقي الشعوري. ويبرز الموضوع في عناوين السور. فلا يقال سورة البقرة بل السورة التي تذكر فيها البقرة. فالبقرة ليست اسمًا بل موضوع. وهي تفسيرات قصيرة قصر الآيات دون استفاضة. ولا توجد أبواب أو فصول بل هي مادة مجمعة طبقًا لطريقة السؤال والجواب.
وتظهر الإسرائيليات بوضوح عشرات المرات في حوارات الأنبياء السابقين وأحاديثهم وأقوالهم.
ومع ذلك، للنص خمسة أنواع: المحكم والمتشابه والحلال والحرام والأمثال. العمل بالمحكم، والإيمان بالمتشابه وإحلال الحلال وتحريم الحرام وعقل الأمثال. وهي مبادئ لغوية من علم أصول الفقه مع بعض الأحكام الشرعية. وشرط فهم القرآن العمل به. فالعمل أساس النظر. والفعل شرط الفهم. فعلم التفسير مثل علوم التصوف علوم عملية.
(٣) الوعي التاريخي الأخلاقي
والوعي الفقهي هو أحد مكونات الوعي التاريخي الصوفي. فالفقه بتعبير المغاربة «علم النوازل». ولا فرق بين مقامات الزهد والشكر والصمت في التصوف وبين كتب الزهد والشكر والصمت في الحديث. هو الحديث الصوفي أو تصوف الحديث النبوي. فالصراع المتأخر بين علماء الحديث والصوفية صراع مفتعل، ربما على السلطة الدينية والسياسية. فعلماء الحديث هم أهل السنة والجماعة في العقيدة والشريعة، الفرقة الناجية في الدين، وفرقة الحكم في السياسة. خرج التصوف من علم الحديث ثم عاد إليه.
وكبار صوفية المرحلة الخلقية تركوا أعمالًا مدونة قليلة مثل الحسن البصري (ت١١٠ﻫ)، والمحاسبي (ت٢٤٣ﻫ)، والحكيم الترمذي (ت٢٣٠ﻫ)، وأبو سعيد الخراز (ت٢٧٧ﻫ)، وسهل التستري (ت٣١٩ﻫ). وواضح أن المرحلة الخلقية تمتد حتى قبيل نهاية القرن الثالث حيث تبدأ المرحلة النفسية عند البسطامي (٢٦١ﻫ)، والحلاج (٣٠٩ﻫ).
(أ) في عمل اليوم والليلة (فرائض الإسلام) للحسن البصري (١١٠ﻫ)٩٥
(ب) «كتاب الزهد» لأحمد بن حنبل (٢٤٠ﻫ)١٠١
(ﺟ) رسائل المحاسبي (٢٤٣ﻫ)
يتشكل الوعي التاريخي من ظهور التصوف الخلقي عند المحاسبي والترمذي والخراز والتستري، وهو ما يعادل المرحلة الخلقية في التصوف كتاريخ والتصوف الخلقي في التصوف كطريق. والمحاسبي في التصوف الأخلاقي يعادل الشافعي في علم أصول الفقه فيما يتعلق بالتدوين. ويقوم المنهج على انتقاء النصوص الأخلاقية التي تدعو إلى ترك العالم، وليس النصوص السياسية التي تختارها الفرق الكلامية في صراعها السياسي.
(١) المسائل في الزهد١٠٦
(٢) «فهم الصلاة»١١٤
(٣) «المسائل في أعمال القلوب والجوارح»١١٨
تتحول الحسبة من الخارج إلى الداخل، ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى إدخال السرور على النفس، ومن العمل في العلن إلى العمل في الخفاء. ولما كان الصوفي إمامًا يلزم قلبه الحذر. وإذا كان الوعي الصوفي عند البصري يقوم على التخويف في «التوهم» فإنه يقوم عند المحاسبي على إزالة الخوف. والنوافل لتكفير الذنوب وشكر المنعم وتجريد القلوب، والجزع من فقدان الطاعات ومن الغفلة، والقرب من الله. ومن أعمال القلوب اعتقاد الإيمان ومجانبة الكفر، واعتقاد السنة ومجانبة البدعة، واعتقاد الطاعة ومجانبة المعصية، واعتقاد التواضع ونفي الكبر، واعتقاد الجنة ونفي العجب. ولا تتناهى أفعال القلوب وأضدادها مثل المحبة والكراهية والخوف والأمن، والحذر والثقة، والغرة والسلامة … إلخ. والصمت أفضل من الكلام كما هو الحال عند ابن أبي الدنيا. والجدال في أسباب الدنيا من تبعات الكلام. والتفويض تسليم لله. ومعرفة النفس طريق إليه والحذر من الغفلة والنسيان. ولا يحل النظر إلا إلى الحلال. وهو النظر المقصود. والوفاء بالنذور تمسك بالعهد.
(٤) «المكاسب»١٤٠
(٥) «الرعاية لحقوق الله»١٤٢
(٦) «الوصايا (النصائح الدينية والنفحات القدسية)»١٥٨
(د) الحكيم الترمذي
(١) «كتاب الرياضة»١٧٣
كان الصوفية من المعارضين الأوائل حتى في المرحلة الخلقية. فقد اتهم الترمذي بالكفر بسبب «ختم الولاية» أو «ختم الأنبياء» و«علل الشريعة». فللأولياء خاتم كما أن للأنبياء خاتمًا. والولاية أفضل من النبوة بدليل قول النبي «يغبطهم النبيون والشهداء». وهناك عناصر تشابه بين المرحلة الخلقية والديانات الشرقية مثل البوذية في السيطرة على الأهواء والانفعالات من أجل التحرر منها والسيطرة على شهوات النفس في التصوف.
(٢) «أدب النفس»١٨٣
(ﻫ) رسائل ابن أبي الدنيا (٢٨١ﻫ)
(١) «كتاب الشكر»
(٢) «الصمت وحفظ اللسان»١٩٢
(٣) «محاسبة النفس والازدراء عليها»١٩٨
(و) «كتاب الزهد» لابن أبي عاصم (٢٨٢ﻫ)٢٠٣
(ز) «الأنوار في علم الأسرار ومقامات الأبرار» لأبي القاسم الصقلي المالكي (٣٨٠ﻫ)٢٠٨
وتردد الأقوال التي تقارب الألف حول موضوعات التصوف الأخلاقية الفضائل والرذائل، والتصوف النفسي مثل المقامات والأحوال، والتصوف النظري في نظرية المعرفة، والتصوف العملي في أحوال الطريق. فمتن التصوف الأخلاقي الفضائل كالفقر والورع والتعفف، الحلم والاتباع، الإنصاف، الصمت، العدل، الحياء، البكاء، الصدق، التقوى، الكرم والسخاء، الطهارة. ومن الرذائل الإفراط والأذى والإسراف والغضب، الهوى والحمق، سوء الظن، البدعة، الحسد، العجب، الكبر، البخل والشح، الرياء، الشهرة، الخرق، ومن التصوف النفسي، المقامات كالرضا والتوبة والمحبة والصبر، والزهد، والتوكل، والأحوال الخوف والرجاء، الأنس، الفناء والبقاء. ومن التصوف النظري، العلم، العقل، الوسوسة، اليقين، الغفلة، التوحيد، الكشف، الحكمة، ومن التصوف العملي، إنكار الدنيا، الرياضة والمجاهدة، العمل والأدب، البلاء، الامتحان، الذكر، المريد، الوحشة، المحاسبة، العامة والخاصة، الولاية، الحذر من النساء، الإرادة.
(٤) الوعي التاريخي المعرفي
وهو قمة الوعي التاريخي في أشكاله الأولى قبل أن يصبح وعيًا نظريًّا خالصًا في مرحلة التصوف الفلسفي. وقد بدأ ذلك في رسالة العقل و«كتاب العلم» و«رسالة في التصوف» عند المحاسبي (٢٤٣ﻫ)، واستمر في «بستان المعرفة» عند الحلاج (٣٠٩ﻫ)، و«رسالة الاعتبار» عند ابن مسرة (٣١٩ﻫ).
(أ) رسائل المحاسبي (٢٤٣ﻫ)
(١) «رسالة العقل»٢٣٠
(٢) «كتاب العلم»٢٣٢
(ب) أعمال الحلاج (٣٠٩ﻫ)
(١) «الروايات أو الأحاديث»٢٣٦
(ﺟ) «رسالة الاعتبار» لابن مسرَّة (٣١٩ﻫ)٢٤١
(د) «بستان العارفين» لأبي الليث السمرقندي (٣٧٣ﻫ)٢٤٥
(٥) الوعي التاريخي الأدبي
(أ) الشطحات٢٥٣
ولا يحتاج الشطح إلى إثبات من حكاية موسى والخضر؛ إذ تثبت الحكاية فقط الفرق بين الظاهر والباطن في الأفعال وليس الشطح في الأقوال. كما لا يحتاج إلى أدلة من الكتاب والسنة على وجوده إلا على سبيل الحجاج ضد الخصوم، ورد الحجة بالحجة مما يوقع في ضرب الكتاب بعضه بالبعض. ولا يحتاج كذلك إلى الاعتماد على أقوال الصحابة والتابعين والآثار المنقولة عنهم لأن الخصوم يختارون وينتقون آثارًا أخرى مضادة. وفي التاريخ رصيد كامل لكل الاتجاهات مثل الكتاب والسنة. والكل إلى رسول منتسب.
(١) شطحات أبي يزيد (٢٦١ﻫ)
ويمكن رد ذلك إلى حديث الرسول عندما كان يقول قبل الصلاة «وقفت بين يدي الجبار». وأقوال الشعراء تشهد على ذلك. و«التوحيد بين ذات الله وذات الإنسان» هو معنى الحديث القدسي الشهير «ما زال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه. فإن أحببته كنت عينه التي يبصر بها وسمعه الذي يسمع به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها.» وتدل هذه الشطحة على مدى القرب بين الإنسان والله، وإعجاب الله بالإنسان، ورغبة الخلق في رؤية الإنسان وليس الله، وموافقة الرب على ذلك، ورفع الإنسان إلى أعلى حتى يراه الخلق. ويرفض الإنسان أن يكون موضوعًا للرؤية إلا إذا زينه الله بوحدانيته، وألبسه أنانيته، ورفعه إلى أحديته. فإذا رآه الخلق كأنهم رأوا الله. ومن ثم يرى الخلق الله ولا يرون الإنسان. الله يريد الإنسان، والإنسان يريد الله موضوعًا للرؤية. كلٌّ يؤثر الآخر على نفسه.
(٢) شطحات الحلاج (٣٠٩ﻫ)
(٣) شطحات الشبلي (٣٣٤ﻫ)
(٤) شطحات باقي الصوفية
(ب) أعمال الحلاج (٣٠٩ﻫ)
نصوص الولاية٣٢١
(ﺟ) «خواص الحروف وحقائقها وأصولها» لابن مسرَّة (٣١٩ﻫ)٣٢٧
الله واحد. ويمكن تفصيله في ثلاث قضايا من جهة الخلق: علم الربوبية بدلالتها وشواهدها ويقينها، وعلم النبوة ببرهانها وآياتها وقبولها، وعلم المحنة بشرائعها ووعدها ووعيدها. أي الله، والنبوة، والمعاد وهي عقائد المتكلمين الفعلية والسمعية، الإلهية والنبوية.
وتنقسم هذه العلوم الثلاثة إلى مائة فصل؛ أي مائة درجة طبقًا لعدد أسماء الله الحسنى. وهي في نفس الوقت درجات الارتقاء إلى الجنة وإحصاؤها. هو علم النبي طبقًا لمعاني لفظ إحصاء في القرآن وكنوع من التفسير الموضوعي. وهو رأي نصي لا برهان عقلي عليه.
واللام تشبه الألف في شكلها. وتكون معها أداة التعريف. هي لوح الله وعلمه، والميم مشيئته، ملكان وملكوته. هي المكان لكل شيء وصيرورته. فيها ظهرت صور الأشياء واكتملت. والراء تفصيل الحركات، القوة الحسية وراء الحركة، وتفصيل ما في الغيب. هي جوهر الزمان. وهي رحمة لأنها من الصفات المحيطة.
(د) أقوال التستري (٣١٩ﻫ)٣٥٦
ويمكن تصنيف الموضوعات إلى سلب وإيجاب، السلب الرذائل، والإيجاب الفضائل، والإيجاب أكثر من السلب. السلب هي انفعالات النفس وأهواؤها مثل: الوسوسة، المداراة والمهادنة، الشبه والمكروه، الطمع، الرياء، النهي، العجب … إلخ. والإيجاب مثل: المحاسبة، الطمأنينة، الحلال، الصمت، الشكر، التوبة، الطهارة، الشفقة، قصر الأمل، الرضا، الإيمان بالقدر، الخشوع، الخشية، اليقين، التجلي، الحول والقوة، الشكر، الطاعة، الصبر، التقوى … إلخ. والتصوف الخلقي هنا يعني التحول من السلب إلى الإيجاب، ومن الرذائل إلى الفضائل.
(ﻫ) أعمال النفري (٣٥٤ﻫ)
(١) المواقف
«المواقف» و«المخاطبات» شكلان أدبيان، ارتبط أحدهما بالآخر. فماذا تعني «المواقف»؟ هل هي مواقف نفسية أي تجارب روحية وانفعالات ذاتية خالصة؟ هل هي مواقف أخلاقية اجتماعية وسياسية غير مباشرة، فلا توجد تجربة ذاتية إلا في مواقف موضوعية، خاصة أن التصوف كله موقف من الحياة ورد فعل على الانكباب على الدنيا والتكالب عليها؟ هل هو موقف وجودي يجمع بين الموقفين السابقين، تعبيرًا عن الوجود الإنساني، وتحولًا من المعرفة في الموقف النفسي إلى الوجود في الموقف الوجودي؟ هل هو موقف بمعنى «التوقف عن الحكم» وعدم إصدار حكم على الموضوعات المتعالية مثل «الله» أو الطبيعة مثل العالم؟
الإقبال على الدنيا غضب، وعلى الآخرة حجاب، وعلى العلوم حبس، وعلى المعارف عبس، والسكون على العبث حبس، والسكون على الحبس حجاب، والسكون على الحجاب غضب. معارف كل شيء توجد به. وأسماؤه من معارفه. وإذا سقطت معارف الشيء سقط الوجد به. لكل شيء اسم، ولكل اسم أسماء. تتفرق الأسماء من الاسم، والاسم عن المعنى.
وكل موقف له «عنوان». وهي ليست عناوين المقامات والأحوال المعروفة عند الصوفية السابقين. وليس لها نسق محدد. ولا يمكن تجميعها طبقًا لنسق مفترض طبقًا لمنطق التشابه والاختلاف بين الألفاظ. ولا يمكن تصنيفها بين الإيجاب والسلب.
(٢) المخطابات٣٩٧
(٣) «النطق والصمت»٤٠٨
(و) «الإشارات الإلهية» للتوحيدي (٤٠٣ﻫ)٤٢١
(١) الأسلوب والأسلوبية
(٢) التضاد والأضداد
(٣) التجارب الذاتية (الشكوى، الغربة، التشاؤم، فساد العصر)
(٦) الوعي التاريخي بالآخر
(أ) رسائل المحاسبي (٢٤٣ﻫ)
(١) «رسالة في التصوف»٥٥٠
(٢) «رسالة المسترشدين»٥٦٧
(٧) الوعي التاريخي الرأسي
ويعني الوعي التاريخي المنعرج، الصاعد إلى أعلى ابتداء من التوبة المقام الأول، هروبًا من العالم الذي تكالب عليه الناس، وترك الدنيا بمن فيها على من فيها. هو بداية التصوف كطريق إلى الله، والهروب إلى أعلى كما هو الحال في التصوف مثل الهروب إلى النص كما هو الحال في الفقه عند أحمد بن حنبل، كرد فعل على الانغماس في العالم عند الحكام وأصحاب السلطة وعند المتكلمين وجدل العقائد.
(أ) رسائل المحاسبي (٢٤٣ﻫ)
(١) «التوبة بدأ من أناب إلى الله»٥٧٩
(٢) «القصد والرجوع إلى الله»٥٨٢
(ب) «كتاب الصدق» لأبي سعيد الخراز (٢٧٧ / ٢٧٩ﻫ)٥٨٧
وتتحول الأخلاق الصوفية تدريجيًّا إلى المقامات والأحوال، من أعمال الجوارح إلى أعمال القلوب، ومن الشريعة إلى الطريقة، ومن الخارج إلى الداخل مثل «الطريق إلى الله» أو كتاب «الصدق» لأبي سعيد الخراز (ت٢٩٩ﻫ).
والصدق هو الخيط الذي يربط باقي الفضائل التي تتحول فيما بعد إلى مقامات وأحوال مثل: الإخلاص، الصبر، الورع، الحلال، الزهد، الخوف، الحياء، المحبة، الرضا، التوكل، الأنس أو في موضوعات عامة مثل معرفة النفس، ومعرفة إبليس.
(٨) الوعي التاريخي المغترب (الأخروي)
ويعني ذلك تجاوز الوعي التاريخي بالعالم إلى ما وراء العالم، من الدنيا إلى الآخرة. وهي بداية الوعي الصوفي ونهايته. بل إنه يزيد في النهاية عن البداية. ويصبح موضوعًا مستقلًّا يلتقي فيه الحديث والفقه والكلام والتصوف «في أحوال الموتى والآخرة». ويسمى أيضًا الوعي المغترب أي الذي خرج عن العالم إلى عالم آخر.
(أ) رسائل المحاسبي (٢٤٣ﻫ):
والعجيب أن من يركز على الوعي الخلقي في معظم أعماله إلى درجة اعتباره المؤسس الأول للأخلاق الصوفية هو الذي يبدأ أيضًا بالوعي المغترب في الأخرويات؛ لأن الأخلاق لم تقم على الحسن والقبح في ذاتها عند المعتزلة بل على النظرية الأشعرية في ارتهان الأخلاق بالإرادة الإلهية. لذلك همش المعتزلة لصالح الأشعرية المركزية.
(١) «التوهم»٦١٣
(٢) «البعث والنشور»٦١٧
(ب) «الطواسين» للحلاج (٣٠٩ﻫ)٦١٩
(ﺟ) الحكيم الترمذي (٣١٩ﻫ)
والعجيب أيضًا أن صاحب «الرياضة» و«أدب النفس» في أخلاق النفس يكون هو مؤسس الوعي المغترب في «ختم الأولياء» و«غور الأمور» في الولاية بعد النبوة وفي قصة آدم وإبليس قبل النبوة.
(١) «ختم الأولياء»٦٢١
وقد يتجسد الوعي بما وراء التاريخ في موضوع النبوة والولاية. النبوة بداية، والولاية نهاية. وكما أن هناك خاتم الأنبياء هناك أيضًا خاتم الأولياء. النبوة اغتراب في الماضي، والولاية اغتراب في المستقبل. وكلاهما نفي للحاضر.
وتتنوع موضوعات الولاية بين التفرقة بين أولياء حق الله وأولياء الله والتمييز بين علم الأنبياء وعلم الأولياء، وخاتم الأنبياء وخاتم الأولياء، وعقد النبوة وعقد الولاية، ومعجزات الأنبياء وكرامات الأولياء. كما تتناول علامات الأولياء في الظاهر وبشرى الولي والولاية والسعادة، والولاية والخطيئة، والولاة، والأسرار الإلهية، وخاصة الأولياء، والولاية والصديقية. ثم تأتي في النهاية التفرقة بين الولاية والجذب، بين الولي والمجذوب، والتمييز بين أهل الدين وأهل اليقين، بين الكتاب والروح.
(٢) «غور الأمور»٦٢٩
الذات | الموضوع |
---|---|
العارفون | الله |
الصديقون | ترك النواهي |
المؤمنون | الفضائل |
الأنبياء | الفرائض |
«ثم ضرب عنقه ولف في بارية وصب عليه النفط وأحرق وحمل رماده على رأس منارة لتنسفه الريح»، السابق، ص٢٤.
الآية الأنيقة | الآثار الرشيقة |
العبارة | الأركان الوثيقة |
الإشارة | الحقيقة |
الطريق | الغاية |
المنية المحلوم | الواحد الأحد |
الإرادة المتلظية | الخير المطلق |
اللفظ المزخرف | المطلوب الأشرف |
الوهم السانح | المرام الأبعد |
العقل المنير | الغاية |
النفس النازعة | الأمور البازغة |
الإشارة النقلية | الإشارة العقلية |
وهو نفس معنى الأغنية الشهيرة لحسين السيد، وتلحين محمد عبد الوهاب «أنور شمعتي لغيري ونورها كاوية أحضاني».