ويعود الوعي النظري الخالص إلى الوعي التاريخي في
كتب الطبقات «سلوة الأحزان» «لابن الجوزي» (٥٩٧ﻫ)
حتى «الكواكب الدرية» «للمناوي» (١٠٦١ﻫ).
(٢) «نفحات الأنس من حضرات القدس» لعبد الرحمن
الجامي (٨٩٨ﻫ)٢٢
وهو إكمال لكتاب «طبقات الصوفية» للسلمي
(٤١٢ﻫ)، ثم حاول الهروي إكماله والزيادة فيه
بلسان قديم ولا يذكر كثيرًا من المتقدمين والمتأخرين.
٢٣ ويضم ستمائة وثمانية عشر علمًا
مرتبين طبقًا للحروف الأبجدية.
ويبدأ بمقدمة نظرية في تعريف الولاية والولي،
والمعرفة والعارف، والمتعرف والجاهل، والفرق
بين الصوفي والتصوف، ولماذا سمي الصوفية كذلك،
والملامتي والفقير، والتوحيد ومراتبه وأربابها
وأصنافها، والفرق بين المعجزة والكرامة
والاستدراج، وإثبات الكرامات وأنواعها وخوارق العادات.
٢٤
ويتبع نفس الطريقة في رسم شخصية الصوفي،
ولادته ووفاته، سبب موته، وجنازته وقبره، مكانه
وزمانه، مشايخه، ومريديه، أقواله والحكايات
المروية عنه.
وأكبر
من يذكر من الصوفية الجنيد، ثم الشيرازي، ثم
الشبلي، ثم أبو سعيد ابن أبي الخير، ثم ذو
النون، ثم ابن عربي، ثم السري السقطي، ثم
الجيلي، ثم جلال الدين الرومي، ثم البسطامي،
والخراز، ثم نجم الدين كبرى، والتستري، ثم
القونوي، ثم الروزباري، ثم ابن الجلاء، ثم
الدقاق، ثم إبراهيم الخواص والجامي، ثم إبراهيم
بن أدهم، ثم سنائي القونوي، ثم بشر الحافي، ثم
الغزالي، ثم المكي، ثم القشيري … إلخ.
٢٥
وتظهر مصطلحات الصوفية كالأبدال والأولياء
والملامتية والملامة، كما تظهر المذاهب مثل
الروافض، والقلندرية، والقرامطة، وأصحاب الكهف،
والمجوس، والنصارى، والعلوية. وتظهر الأقوام
العجم والعرب والترك والإفرنج والأكراد. وتظهر
الأماكن مثل خراسان وبغداد وهراة والبصرة.
٢٦
كما تظهر عديد من المصطلحات والألفاظ الفنية
تبلغ سبعمائة وأربعًا وستين مصطلحًا مما يدل
على أن تاريخ التصوف هو أيضًا تاريخ مصطلحاته
وألفاظه. يتقدمها التصوف والصوفية والصوفي، ثم
المعرفة والعارف، ثم السماع، ثم الفقر
والفقراء،
ثم الكلام، ثم المحبة، تم التوحيد والذكر
والصحبة، ثم الأدب، ثم الدنيا، ثم الولاية، ثم
التوكل، ثم الاثنينية والفتوة، ثم الحقيقة
والرضا، ثم الدعاء والصدق والعشق والوقت، ثم
الإخلاص والبلاء والتوبة، ثم الجذبة والحجاب
والعبودية، ثم المشاهدة.
٢٧
ويعتمد على عديد من الآيات والأشعار
والأحاديث والأمثال.
٢٨ والأشعار عربية أو فارسية الأصل مع شعرائها.
٢٩ كما يعتمد على كثير من المصادر
المدونة. ويأتي في المقدمة «الفتوحات» ثم «كشف
المحجوب» للهجويري، ثم «طبقات الصوفية وتاريخ
الصوفية» للسلمي، ثم «الرسالة القشيرية» و«عوارف المعارف» للسهروردي، ثم
«الفكوك»
للقونوي، و«قواعد العقائد» للغزالي، و«قوت
القلوب» للمكي، و«منازل السائرين» للهروي،
و«نظم السلوك» لابن الفارض، … إلخ، تزيد على
المائة. ويتم الرجوع إلى الإنجيل
والزبور.
ومن الأماكن التي ينتسب إليها الصوفية تأتي
في المقدمة بغداد ثم مكة ثم نيسابور ثم مصر ثم
خراسان ثم شيراز وهراة ثم الشام ثم العراق ثم
بلخ ثم مسرَّة ثم البصرة … إلخ، مما يدل على
انتشار التصوف في كافة أرجاء العالم الإسلامي
ووسطه بغداد وشرقه خراسان وغربه مصر والشام.
٣٠ ومن الأيام والوقائع والغزوات
يتقدم يوم عرفة ثم محنة الصوفية ثم يوم عاشوراء
وواقعة جنكيز خان، مما يدل على ارتباط التصوف
بالأعياد الدينية والواقع السياسي.
٣١ ولما كان الحيوان موضوعًا فكريًّا
أو سببًا كما هو الحال عند الجاحظ، فقد ظهرت
أنواعه، وفي المقدمة الكلب ثم الطير ثم الفرس
ثم الأسد ثم الحصان، ثم الجمل والبقرة والخيل
والغنم والهرة والظبي والكبش، منها الأليف وغير
الأليف، منها الريفي والحضري. كما تظهر أنواع
الطيور مثل الطير والباز والحمام والعصفور، بل
والذباب والغراب والبلبل، كما تظهر الهوام
والزواحف كالحيات والفئران والنملة والعقرب
والثعبان، كما تظهر حيوانات المياه مثل الأسماك
والحيتان … إلخ. فالتصوف ليس فقط مرتبطًا
بالبيئة الاجتماعية والسياسية بل أيضًا بالبيئة
الطبيعية التي نمت الكرامات فيها.
٣٢
(٤) الكواكب الدرية في تراجم السادة الصوفية
(طبقات الصوفية، الطبقات الكبرى) لزين الدين
محمد عبد الرءوف المناوي (ت١٠٣١ﻫ)٧٠
واستمر الوعي التاريخي حتى القرن الحادي عشر.
ويدل على تحول التصوف إلى صوفية، والعلم إلى
أعلام، والطريق إلى مشايخ ومريدين. وله عدة
عناوين: الأول «الكواكب الدرية في تراجم السادة
الصوفية» مشيرًا إلى أنه تراجم مصنفة تصنيفًا
أبجديًّا. والثاني «طبقات الصوفية» مشيرًا إلى
أن التراجم قد صنفت طبقًا للطبقات، وكل طبقة
قرن من الزمان. ولما كان المؤلف قد توفي في
١٠٣١ﻫ، فهناك إحدى عشرة طبقة. ولما كان الكتاب
قد استكمله الابن ببعض الاستدراكات ظهر العنوان
الثالث «الطبقات الكبرى» للأب تمييزًا له عن
«الطبقات الصغرى» للابن. وهو نفس اسم كتاب
الشعراني.
ويغلب على الأسلوب الخطابة والمبالغة
والمحسنات اللفظية والبديعية كما هو الحال في
أسالس الكتابة المتأخرة، وأهمها «تنبيه»،
«تتمة»، «خاتمة»، «فائدة»، «عجيبة».
٧١ وتستعمل بعض التعبيرات بدلًا من
فعل «مات» أو «توفي» مثل: «وخر النجم من
السماء»، «وهوى»، «وأصبح التراب ملأ أجفانه»،
و«انقبر»، «خلا شخصه وذهب»، «فصار إلى رحمه ربه
إلى خير مقيل»، «صعدت روحه»، «لحق بمن تقدمه من
الأبرار»، «أناخ الحمام ببابه»، «عدمته أم قرى».
٧٢
ونادرًا ما تظهر الظروف السياسية والاجتماعية
التي نشأ فيها أعلام الصوفية والتي دفعتهم إلى
التصوف دفعًا فأصبحوا شهداء للسلاطين أو فقهاء لهم.
٧٣ مثل ما حدث لإبراهيم بن أبو شريف
مع السلطان الغوري، ورفضه الحكم برجم زانيتين
لصحة رجوعهما ويذكر عديد من أسماء الملوك
والسلاطين حتى يكشف عن السياق السياسي للتصوف.
ويذكر بعض جهاد الصوفية وغزوهم في سبيل الله
مثل محمد بن عنان (ت٩٢٢ﻫ).
٧٤
ويصنف
الصوفية طبقًا للطبقات. والطبقة مفهوم تاريخي،
طبقًا للقرون. الطبقة الأولى في القرن الأول،
والطبقة الثانية في القرن الثاني، حتى الطبقة
الحادية عشرة في القرن الحادي عشر، قرن المؤلف
الذي توفي ١٠٣١ﻫ. ليست طبقة الأهمية أو الفضل
أو الخير.
٧٥ وداخل الطبقة يذكر الصوفية طبقًا
للترتيب الأبجدي وليس طبقًا للأهمية أو للوجود
داخل القرن في أوله أو في وسطه أو في آخره،
باستثناء الرسول والخلفاء الأربعة الذين يأتون
في المقدمة. أما مشاهير التابعين فيدخلون في
الترتيب الأبجدي.
٧٦ ويختلف عدد الصوفية داخل كل طبقة.
أكبرها الثانية وأصغرها الخامسة.
٧٧ ويتكرر بعض الصوفية مثل إبراهيم
النجفي (٩٩ﻫ) وغيره في الطبقتين الأولى والثانية.
٧٨ ويذكر القليل منهم خارج طبقته مثل
شاه بن شجاه الكرماني (ت٢٧٠ﻫ) فهو موضوع في
الطبقة الرابعة. وقد يرجع الاختلاف الكمي بين
الأعلام ليس فقط إلى الأهمية بل أيضًا إلى
توافر المصادر والمادة التاريخية، وقد يكبر
المعاصرون لوفرة المصادر الشفاهية عنهم.
ويكتب اسم العلم ولقبه وكنيته وتاريخ وفاته
وربما ميلاده وأحيانًا عمره. ومكان ولادته ومحل
إقامته. ولا يوجد تواريخ وفاة للنساء لأنهن أقل
ذكرًا وحضورًا في الوعي الحجمي، باستثناء رابعة
العدوية ورابعة بنت إسماعيل.
٧٩ وفي الغالب لا يزيد حجم المادة عن
المرأة عن صفحة واحدة، وليس للكل تاريخ وفاة.
والبعض يذكر بالقرن فقط دون تحديد للسنة، في
أوله أو آخره. وبعض التواريخ تذكر على وجه
التقريب بلفظ «نيف». ولا تذكر تواريخ وفاة غير
المشهورين. وأحيانًا تذكر مراسم دفنه وجنازته
ورثاؤه إذا كان معاصرًا للمؤلف. وعادة ما يكون
الدفن في المساجد والزوايا أو في الصحراء أو في
مقابر المسلمين، وليس في المقابر الخاصة. وإن
لم يعرف تاريخ الوفاة فإنه يحدد بتواريخ حكم السلاطين.
٨٠ كما يذكر شيوخه وتلاميذه. وتذكر
مؤلفاته وشروحه وملخصاته. كما تذكر معالم حياته
خاصة كراماته، وبوجه خاص في الطبقات المتأخرة
عندما تحول الصوفي إلى شيخ. ثم تذكر أقواله أو
نماذج منها وهي الأهم. وترسم شخصية الصوفي
بصفات كلها أقرب إلى صفات الكمال ولا يذكر شيء
من صفات النقص.
والمؤلف من تونس، ينتسب إلى سلسلة من الصوفية
والعلماء. صوفي يكتب عن الصوفية ويتعاطف معهم
سواء كان أقرب إلى الموضوعية أم الخيال.
٨١ معظم مؤلفاته شروح. فهو ينتسب إلى
العصر المتأخر، عصر الشروح والملخصات.
٨٢
وتمتلئ
«طبقات الصوفية» الكبرى والصغرى بالآيات
القرآنية والأحاديث النبوية. والآيات أكثر من الأحاديث.
٨٣ وتذكر الأسانيد مع الأحاديث زيادة
في التوثيق والتبيين. وتكثر أحاديث الرسول في
المقامات، كما تعتمد على المدونات السابق من
أعمال الصوفية والاقتباسات منها. وعلامة انتهاء
الاقتباس «انتهى». ويحال إلى «الإحياء» وغيره
من الكتب العمدة في التصوف.
٨٤ ويعتمد أيضًا على أقوال الصوفية
السابقين. كما يعتمد على أقوال الفقهاء نظرًا
للاتفاق بينهما في الشريعة والأخلاق كما كان
الحال في بداية التصوف. وبالرغم من أن معظم
الصوفية شافعية إلا أن كثيرًا منهم حنفية
ومالكية وحنابلة. فقد استطاع التصوف اختراق كل
المذاهب الفقهية، وتذكر مصادر مجهولة. يكتفي
منها بلفظ «قيل» في المبني للمجهول. كما يعتمد
على الأشعار. وتبرز بعض الإسرائيليات.
ويظهر الوافد حتى في صورة المنتحلات مثل
«كتاب التفاحة» لأرسطو، وهو كتاب إشراقي عن
خلود النفس بعد الموت أسوة بسقراط في «محاورة
فيدون». فليس المعلم الأول أقل روحانية من أحكم
البشر. وكان من ضمن قراءات عبد القادر الأدفوي.
٨٥
وقبل التراجم هناك مقدمة صوفية من الكرامات.
فالصوفية أصحاب كرامات خاصة عند المتأخرين.
٨٦ وهي موجودة في القرآن لدى أهل
الكهف، وسليمان، وزكريا، وعيسى، ومريم،
والرسول.
وهناك مقدمة نظرية أخرى عن الرسول باعتباره
أول الصوفية ورئيسهم.
٨٧ فتذكر سيرته من مولده إلى وفاته،
صفاته الظاهرة، وصفاته الباطنة، أخلاقه الظاهرة
وأخلاقه الباطنة، معجزاته وخصائصه، كلامه
وأدعيته، وأقواله وبعض أحاديثه دون ذكر لمقاييس
اختيار مائة وثمانية من أربعة آلاف حديث. وما
مقياس اختيار واحد
وأربعين
دعاء من مئات أخرى؟ وتستعمل أحاديث الرسول
كمصدر للتصوف وكمادة للصحابة، وزهادهم
وعبادهم.
ويتم الدفاع عن التصوف بالرد على المعتزلة في
إنكار المعجزة، فالتصوف نظرة أشعرية للعالم.
وحجج إنكار المعجزات والكرامات أنها توجب
التباس النبي بغيره، وتفضي إلى السفسطة، وأنها
دعوى بلا بينة لا يصدقها الناس، تنهض العادات.
وتسد باب إثبات النبوة المعتمدة على المعجزة،
وتخل بجلال الأنبياء. ولا تتميز عن
السحر.
ويعرف التصوف داخل التراجم أكثر من مرة كي
ينطبق التعريف على التراجم، ولإثبات أن الجميع
صوفية، فالصوفية في كتب الطبقات بالمعنى الواسع
الذين يضم الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
والقراء والمحدثين والفقهاء والمفسرين
والنحويين والأدباء. الكل صوفي.
ويتغير العنوان في «الطبقات الصغرى» إلى
«إرغام أولياء الشيطان بذكر مناقب أولياء
الرحمن». وهو مستلهم من عنوان ابن تيمية النقيض
«الفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان».
٨٨ وهو من تأليف الابن محمد لاستكمال
ما فات الأب دون التقسيم إلى طبقات بل الاكتفاء
بالترتيب الأبجدي للصوفية.
٨٩ ولم يشأ الابن إدخال هذه
الاستكمالات ضمن كتاب الأب بعد أن انتشر في
العالم وخشية اضطراب النسخ بين ناقصة وهي نسخة
الأب وكاملة وهي نسخة الابن، مع الخوف من تضخيم
حجم الكتاب. آثر الابن تخصيص جزء خاص به هو
الجزء الرابع. وضمه إلى كتاب الأب بعنوان
مستقل، وإن كان للكتاب اسم جامع واحد «طبقات الصوفية».
٩٠
وهناك خمسة مقاصد من «الطبقات الصغرى:
«التنبيه على أهمية كلام الأولياء والتحبيب
فيهم، الرد على إنكار الكرامات بالأدلة
النقلية، الإشارة إلى المقصود من كرامات
الأولياء، بيان طبقات الأولياء ومقاماتهم
وأحوالهم، ذكر أصول علم التصوف.
٩١ والاعتماد الأكبر على ابن عربي،
وتلخيص كلامهم في المقصد الرابع وتصنيف الصوفية
إلى أربع وثلاثين طبقة.
٩٢ وهم كُثر، المعرفون وغير
المعروفين، رجالًا ونساءً، بشرًا على الأرض أو
على قلوب الملائكة في السماء، أبدانًا أو
نفوسًا، فرادى أو في الزمان يتكررون في كل
زمان، يعبرون عن دورة التاريخ.
وهناك تسع وخمسون أصلًا فقط، يقوم عليها
التصوف دون تبرير للعدد أو لكثرة الأصول.
٩٣ كل منها مؤيد بالأدلة النقلية
القرآن والحديث. وهي دستة بعلم القواعد الفقهية
الذي يربط بين الأصول والفقه. هي علم القواعد
الصوفية الذي يربط بين الأصول والتصوف. هناك
أصول صوفية خالصة مثل صدق التوجه والرياضة أي
تمرين النفس على حسن الأخلاق على أخذ الشيء
وتركه، وتحلية الإيمان بالإيمان، ثم هناك قواعد أصولية.
٩٤ وهناك بعض القواعد اللغوية.
٩٥ وقد أوذي الأولياء وأنكر عليهم.
٩٦
وبالرغم من تحذير الصوفية من الفلاسفة إلا أن
الفلسفة الإشراقية مثل فلسفة الرازي مقبولة.
٩٧ والصوفية المتأخرون هم الأولياء
وأصحاب الكرامات، ويفسر الصوفية الحديث الشهير
«من حارب لي وليًّا» على أن الصوفية هم
الأولياء.
وكلما تقدم الزمن زادت ألقاب الصوفية
وازدادوا قدسية وتقديسًا مثل «زين الإسلام»،
«حجة الإسلام». وتبدأ الألقاب بالمذهب الفقهي
كالشافعي والمالكي والحنفي والحنبلي والظاهري
أو الطريقة الصوفية كالقادري والرفاعي أو معهد
العلم كالأزهري أو المهنية مثل الخواص،
الغزالي، أو المدينة مثل البغدادي، البصري،
الدمشقي، أو القطر مثل العراقي، المصري، أو صفة
البدن مثل الجاحظ.
ومن حيث الكم يتقدم ابن عربي الذي طغى على
الصوفية اللاحقين عليه تلمذة وشرحًا، ثم يحيى
المنادي والد المؤلف، ثم ذو النون الذي خصص ابن
عربي دراسة عليه، ثم البسطامي صاحب الشطحات»،
ثم الغزالي صاحب «الإحياء»، ثم الطوسي صاحب
«اللمع»، ثم الجنيد صاحب «الشطحات»، ثم التستري
من مؤسسي التصوف الخلقي، ثم ابن دقيق العيد
الذي جمع بين التصوف والأدب على عكس التوحيدي
الذي لا يذكره أحد في «الإشارات الإلهية»، ثم
الشاذلي في القرن العاشر، ثم إبراهيم بن أدهم
في القرن الثالث، ثم إبراهيم المتبولي وزين
العابدين بن المؤلف لا فرق بين المتقدمين
والمتأخرين، ثم الشبلي والواسطي، ثم الرفاعي
مؤسس الرفاعية، ثم الحلاج وابن الفارض
والشعراني، ثم الحسن البصري ومالك ابن دينار
وإبراهيم الخواص، ثم الجيلاني والتلمساني.
والعجيب ألا ينال عبد الحق بن سبعين القدر
الكافي نظرًا للتحول عن التصوف النظري إلى
التصوف العملي.
٩٨
ويكثر المصريون لدى الصوفية المتأخرين. فهم
الذين وضعوا قواعد للتصوف العملي. وحولوا
التصوف النظري إلى تصوف عملي. بدأ التصوف في
الشرق في البصرة وبغداد، وانتهى في الغرب من
مصر والمغرب العربي.
ويتداخل الصحابة مع الصوفية. فالصحابة أتباع
الرسول، والرسول أول الصوفية. ويتقدم علي ثم
عمر، ثم الحسن والحسين، ثم عثمان، ثم أبو بكر.
٩٩ كما يتداخل الخلفاء مع الصوفية مثل
عمر بن عبد العزيز.
١٠٠
ويدخل الفقهاء مع الصوفية لا فرق بينهما على
عكس ما هو شائع في الصراع بين أهل «التأويل»
وهم الصوفية وأهل «التنزيل» وهم الفقهاء.
١٠١ فيتقدم الشافعي ثم ابن حنبل،
والثوري، وزكريا الأنصاري. والصوفية من كل مذهب
فقهي، يتقدمهم الأشاعرة للاتفاق بين التصوف
والأشعرية، وهي الأساس العقائدي للشافعية، ثم
المالكية فالتصوف واقع عملي مثل المالكية كواقع
فقهي، ثم الحنفية فشتان ما بين العقل والذوق،
وأخيرًا الحنبلية فشتان ما بين النص والتجربة.
١٠٢ ومع ذلك، عبد القادر الجيلاني
حنبلي. والظاهرية الأقل فشتان ما بين الظاهر
والباطن، وبالرغم من أن شيخ الصوفية ابن عربي
ظاهري. كما بدأ الصوفي ينسب نفسه إلى طريقة مثل
«القادرية» ويكنى بها. وأحيانًا يجمع الصوفي
بين المالكية والشافعية.
١٠٣ ويحرص الصوفي على أن يكون له لقب
في البداية مثل فخر الدين» وكنية في النهاية
تدل على المذهب الفقهي. ونادرا ما يوجد صوفي
معتزلي أو خارجي، معارض عقلي أو
بالسلاح.
ويتطابق تكرار أسماء الأعلام مع مساحتها. إذ
يتقدم ابن عربي ثم الشعراني ثم أبو العباس
الخضر نقيب الأولياء، ثم سفيان الثوري، ثم والد
المؤلف يحيى المناوي ثم ذو النون ثم عبد القادر
الجيلاني، ثم الشبلي، ثم أبو العباس المرسي.
١٠٤
ومن الصحابة يتقدم على اعتباره رئيس الصوفية
ثم أبو بكر وعثمان.
١٠٥ ومن أصحاب المذاهب يتقدم الشافعي
ثم مالك ثم أبو حنيفة ثم أنس بن مالك ثم الأوزاعي
١٠٦ من العلماء ابن عباس حبر الأمة ثم
معاذ بن جبل.
١٠٧ ومن الخلفاء عمر بن عبد العزيز ثم
معاوية ثم السلطان الغوري ثم هارون الرشيد،
محمد الفاتح والخليفة المنصور.
١٠٨ ومن الأنبياء آدم.
١٠٩ ومن الملائكة جبريل.
١١٠
ومن الأمم والقبائل والشعوب والجماعات
والمذاهب يتقدم الشافعية، المذهب الأثير عند
الصوفية ثم الأبدال وهم من مراتب الصوفية. ومن
الشعوب والأقوام يأتي أولًا أهل الروم ثم العرب
وقريش، وبنو إسرائيل، ثم الفرنج، واليهود، ثم
بنو أمية والحنفية ثم الخلوتية، ثم التتر
والرافضة ثم الملامتية والنصارى، ومن الأماكن
تتقدم مصر ثم العراق والمغرب ثم البصرة، ثم
اليمن. ومن الموضوعات الخيالية يظهر الجن.
١١١
ومن الأماكن والبلدان تتقدم مصر. فأغلب
الصوفية المتأخرين ورؤساء الطرق منها. ثم تأتي
مكة لأن أغلب الصوفية يحجون إليها ويكتبون بها
كما فعل ابن عربي في «الفتوحات المكية».
١١٢
ومن المصادر المدونة المذكورة يتصدر «إحياء
علوم الدين» مما يدل على أنه عمل مفصلي ومنبع
فكري، ثم «الفتوحات المكية» الذي يحول التصوف
من النفس إلى الوجود، ومن الداخل إلى الخارج
وما بينهما، ثم «التنبيه» للشيرازي في علم
الكلام مما يدل على التصاق التصوف بعلم أصول
الدين، دفاعًا عن نفسه، وردًّا على تهم الإلحاد
ونظريات الاتحاد والحلول ووحدة الوجود. ثم تأتي
«الرسالة القشيرية» التي هي بمثابة «الرسالة»
للشافعي في علم الأصول لأنها أول من حددت
مفاهيم للتصوف من خلال تحليل الألفاظ وتعريف
المصطلحات. تم تأتي «الأخلاق المتبولية»
للشعراني فهو الشخصية الأكثر حضورًا في التصوف
المتأخر بعد ابن عربي، ثم يأتي «البسيط»
للغزالي مرة ثانية مما يدل على حضور الغزالي في
تاريخ التصوف المتقدم والمتأخر. ثم تأتي
«التوراة» و«الإنجيل» مما يدل على دخول
الإسرائيليات وارتباط التصوف بتاريخ الأديان.
ثم يأتي «الإرشاد» للسعد التفتازاني الذي يجمع
بين الكلام والتصوف، ثم تأتي الطبقات الصغرى»
عمل المؤلف نفسه.
١١٣
وإذا كان لألفاظ الحيوان دلالة نظرًا للقصص
الرمزي على لسان الحيوانات، يتقدم الكلب لما
فيه من صفات الوفاء، وهو من مكونات قصة أهل
الكهف ومن الصور القرآنية السلبية، ثم «الأسد»
«رمز القوة»، ثم «السبع» «رمز الشراسة»، ثم
الطير كما ظهر في قصص ابن سينا والغزالي
والعطار، ثم الحمار رمز البلادة، والحية رمز
المكر، ثم الغنم والفرس، والذئب، وكل ما هو في
بيئة البدوي في الصحراء.
١١٤
وبتحليل المصطلحات الصوفية يتقدم لفظ الدنيا،
ثم التصوف والصوفية كحركة رفض لها واحتجاج على
التكالب عليها، ثم الكرامة فالتصوف دفاعًا عن
كرامة الإنسان، ثم الأحوال وهو قلب التصوف
النفسي، ثم الزهد وهو من مقامات الطريق، ثم
الحق والحقيقة والحقائق، فالتصوف طريق إلى
الحقيقة، ثم الفقر من مقامات الطريق، ثم
العبادة والذكر من مسالك الطريق، ثم الفقه
نظرًا لارتباط الحقيقة بالشريعة، ثم الطريق
والطريقة في ثلاثة ألفاظ الشريعة والطريقة
والحقيقة، ثم العلم، ثم القلب، فالتصوف نظرية
في العلم ابتداءً من القلب، ثم النور والكشف،
ثم الموت فالتصوف تعلم الموت وثقافة الموت من
أجل الانتقال من الدنيا إلى الآخرة، ثم الحديث
فالتصوف استئناف للحديث، والمحدثون من الصوفية
الأوائل، ثم الولاية وهي فن التصوف والتحقق،
فالولي قلب الصوفي، ثم الحكمة والحكيم والخلوة،
فالتصوف حكمة نظرية وعملية، ثم الزاوية مكان
الطريقة، والمحبة سبيل الوصول، ثم الخواطر
والمحبة والخوف والأنس والمشاهدة جمعًا بين
الأحوال والحقائق ثم القبر والعبودية كمؤشرات
على الفناء، ثم الإمام وهو شيخ الطريقة،
والإيمان والبلاء، ثم الوجد والتوحيد والعمل،
والمجاهد أو السياحة والجوع والصبر والإخلاص
والتوكل والتوبة والصدق … إلخ.
١١٥