ثالثًا: العودة إلى العلوم النقلية
ويبدو أن التصوف حماية لنفسه ودفاعًا عن شرعيته احتمى بالعلوم النقلية الخمسة: القرآن، والحديث، والتفسير، والسيرة، والفقه. والتي لا يشك في شرعيتها أحد. في حين أن الكلام والفلسفة موضوعات شك. والكلام شرعًا هو «المضنون به على غير أهله» و«إلجام العوام عن علم الكلام». والفلسفة شرعًا هي «ترجيح أساليب القرآن على منطق اليونان».
وعلوم القرآن والتفسير صغيرة الحجم لأنها أدخل في الوعي النظري على علوم التفسير والتأويل. وعلوم الكلام والفقه أوسع قليلًا خاصة الفقه لأن التصوف قد عاد من قبل إلى علم الكلام للاحتماء بالعقيدة. والعودة إلى الفقه لأن الفقه هو الشريعة. ولا تعارض بين الحقيقة والشريعة والطريقة. ثم يعود التصوف إلى الفقه والأخلاق. فالتصوف أخلاق الفقه أو فقه الأخلاق، أسرار العبادات، وآداب المعاملات. الفقه هو الظاهر والأخلاق هو الباطن.
(١) علوم القرآن والتفسير
(أ) «خلاصة علوم الإسلام» للشعراني (٩٧٣ﻫ)١
وهو اعتراف بالعودة إلى العلوم النقلية مع الخلط بينها وبين العلوم العقلية النقلية. فالعلوم المذكورة بصرف النظر عن الترتيب، القرآن والتفسير، والفقه دون الحديث ودون السيرة، مع وضع أصول الدين وأصول الفقه والتصوف معها في حين أنهما من العلوم النقلية العقلية، وإضافة علوم اللغة والتصوف مثل النحو والمعاني والبيان، وهي من علوم الآلات مثل المنطق.
(ب) «المواقف الروحية والفيوضات السبوحية» للأمير عبد القادر الجزائري (١٣٠٠ﻫ)٦
(٢) علم الكلام والفقه
(أ) رسائل أحمد الخلوتي (١٠١٧ﻫ)
(١) «رسالة في الأرواح»٣٤
(٢) «الأرواح»٣٦
(ب) «تنوير القلوب في معاملة علام الغيوب» لمحمد أمين الكردي الأردلي (١٣٣٢ﻫ)٣٨
والمؤلف كردي من أربيل. وهي هوية عرقية انتهت إلى ما يقرب التقسيم الآن، وانفصال شمال العراق عن وسطه السني وجنوبه الشيعي.
(ﺟ) «الفوز والنجاة في الهجرة إلى الله» لمحمد السيد التيجاني٤٩
(٣) علم الفقه
(أ) «منهاج العابدين للغزالي» (٥٠٥ﻫ)٦٨
(ب) «صفوة التصوف» لابن القيسراني (٥٠٨ﻫ)٧٤
(ﺟ) «طب القلوب» لابن تيمية (٧٢٨ﻫ)٨٠
وهو يجمع للموضوع من المحقق وليس تأليفًا واحدًا. تنقصه وحدة التأليف. ومع ذلك يدل على موقف الفقهاء من الصوفية. موقف التآلف والتشابه والتماثل على عكس ما يقال عن الصراع بين الفقهاء خاصة المدرسة السلفية والصوفية. يجمعهما الأخلاق، وفي مقدمتها تصفية القلب. فقد اتفق الفقهاء والصوفية على الأخلاق في البداية. فلا فرق بين «كتاب الزهد» لأحمد بن حنبل و«كتاب الزهد» للمحاسبي بدأ الفقه والتصوف بالأخلاق وانتهيا بالأخلاق.
(د) «طب القلوب» لابن القيم الجوزية» (٧٥١ﻫ)٨٤
ويتضمن موضوعات متناثرة لا تنتظمها فصول أو أبواب. ومع ذلك تظهر موضوعات القلب المريض الميت، والقلب السليم اليقظ، وأثر الفتن والمعاصي والعمى على القلب، وسبب أمراضه وشفائها بتعظيم الرب وذكره. وسلامة القلب في التقرب إلى الله وعبادته والشوق إلى الآخرة. والقرآن يتضمن كل هذه الأدوية. وتفصل أنواع النجاسة والمعاصي والمفاسد وأنواع النفس.
(ﻫ) «النصيحة الكافية لمن خصه الله بالعافية» لزروق (٨٩٩ﻫ)٨٧
(و) «رسائل الشعراني» (٧٣١ﻫ)
(١) «منح المنة في التلبيس بالسنة»٩٠
(٢) «الفتح المبين في جملة من أسرار الدين» أو أسرار أركان الإسلام٩٦
(٣) «الميزان الخضرية»١٠٣
(ز) رسائل الشوكاني (١٢٥٠ﻫ)
(١) «رفع الريبة فيما يجوز ولا يجوز من الغيبة»١١٥
(٢) «الإيضاح لمعنى التوبة والإصلاح»١٢٠
واستمر موضوع التوبة في الوعي العملي في التصوف المتأخر عند المصلحين المحدثين. وهي نقطة تطبيقية في توبة القاذف بلا شهود مثل الاتهام بارتكاب الزنا وآراء الفقهاء في تطبيق حد القاذف وليس حد الزنا. وهو أقرب إلى الفقه منه إلى الأخلاق.
(ﺣ) «الحقيقة الباهرة في أسرار الشريعة الطاهرة» لأبي الهدى الصيادي (١٣٢٧ﻫ)١٢٦
(ط) «البيان والتبيان في أن الصوفية مذهبها السنة والقرآن» لسيدي المختار العلوي التجاني الشنقيطي١٣١
(ي) «الشموس المشرقة في شرح الطريق الجامع للشريعة والحقيقة» للخالدي العمراني١٣٨
(ك) رسائل السماع
«كتاب السماع» لابن القيسراني (٥٠٨ﻫ)١٤٨
(٢) «بوارق الإلماع إلى مسألة السماع» لأحمد بن محمد الغزالي (٥٢٠ﻫ)١٥٣
(٣) «إيضاح الدلالات في سماع الآلات» للنابلسي (١١٤٣ﻫ)١٥٧
وهو نموذج للنصوص الفقهية الصوفية بحيث يصعب التفرقة بين الفقه والتصوف كما كان الحال في البداية عندما كتب المحدثون في الشكر والزهد كما كتب الصوفية. والصراع بين الفقهاء الصوفية، بين «التنزيل» و«التأويل» هو صراع منهجي في التعامل مع النص بين الظاهر والباطن وليس صراعًا موضوعيًّا حول القيم الإسلامية كما هي في المقامات والأحوال. وإذا كان التصوف قد ارتبط بالشافعية نظر لاتفاقها في التطور وفي الرؤية وفي التصور للعالم إلا أن بعض الصوفية حنفية مثل النابلسي وبعضهم مالكية، والبعض حنابلة بالرغم من عداء السلفية للتصوف كما وضح عند ابن تيمية في «الفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان»، وهجومه على وحدة الوجود عند ابن عربي والتلمساني والقونوي وعلى الشطحات عند الحلاج والبسطامي والشبلي. وتجتمع المذاهب الفقهية الأربعة على رأي واحد وهو رأي الصوفية في أن السماع حلال. ولا يعني السماع فقط الموسيقى والآلات بل أيضًا الشعر والأناشيد والابتهالات والمناجاة أي كل فنون الإيقاع. وإبطال السماع إبطال للقرآن لأنه فن صوتي في التجويد والتنغيم والقراءة.
(٤) «أحكام الذكر والسماع عند الصوفية» لسعيد بلبل (١٣٨٨)١٦٦
(٤) علم الأخلاق
(أ) «سر الأسرار وكشف الأنوار» لأحمد بن محمد الغزالي (٥٢٠ﻫ)١٨٥
(ب) «الورع» للإبياري (٦١٦ﻫ)١٨٨
(ﺟ) رسائل ابن عربي (٦٣٨ﻫ)
(١) «الوصايا»١٩١
(٢) لطائف الأسرار» أو «تنزيل الأملاك من عالم الأرواح إلى عالم الأفلاك»١٩٩
(د) «تاج العروس المؤدي لتهذيب النفوس» لابن عطاء الله السكندري (٧٠٩ﻫ)٢٠٦
(ﻫ) «بيان فضل خيار الناس والكشف عن مكر الوسواس» لابن ميمون الغماري (٩١٧ﻫ)٢٠٨
(و) «أصول الهداية» لابن باديس (١٣٥٩ﻫ)٢١٢
(ز) «ففروا إلى الله لا ملجأ من الله إلا إليه» لأبي ذر القلموني٢١٥
وهو عنوان صوفي بالأصالة، اللجوء إلى الله وهو التصوف ولكنه بشروط بالفقه. فالتصوف في هذا العصر المتأخر ينشأ من الفقه من جديد كما نشأ أول مرة. والعجز قاسم مشترك في اللحظتين، العجز عن مقاومة ظلم الأمويين في الداخل، والعجز عن مقاومة الحاكم القاهر في الداخل والاستعمار في الخارج.