أولًا: مقاييس التصنيف

يتم تصنيف العلوم طبقًا للموضوع: علوم شرعية وعلوم غير شرعية أو طبقًا للمنهج: علوم نقلية وعلوم عقلية، علوم عقلية وعلوم قلبية أو طبقًا للتاريخ، علوم السلف وعلوم الخلف، أو طبقًا للعقائد، علوم الدنيا وعلوم الآخرة. وقد يجمع التصنيف بين الموضوع والمنهج في قسمة العلوم إلى علم العقل وعلم الأحوال علم الأسرار، علم الظاهر وعلم الباطن، علم التنزيل وعلم التأويل. وبالرغم من كل هذه التقسيمات الثنائية أو الثلاثية للعلوم إلا أنها تنتهي كلها إلى أن العلم علم واحد، وهو العلم الإلهي. ويقال العلم والمعرفة على التبادل ولكن الغالب هو العلم فقسمة المعرفة إلى نقلية وعقلية هي نفسها قسمة العلم.

وتسير هذه التصنيفات الثنائية طبقًا لنسق واحد. وفي الحقيقة هي قسمة واحدة متكررة في أشكال متعددة. فعلوم الشرع والنقل والعقل والظاهر والتنزيل والسلف والدنيا علم واحد. والعلوم غير الشرعية هي علوم القلب والتجربة والباطن والتأويل وعلوم الخلف وعلوم الآخرة وعلم الأحوال والأسرار. وفي النهاية هذه الثنائيات هي الظاهر. وباطنها وحدانية العلم الذي لا تمييز فيه بين شرع ولا شرع. بين نقل وقلب، عقل وتجربة، ظاهر وباطن، تنزيل وتأويل، سلف وخلف، دنيا وآخرة، أحوال وأسرار.

(١) العلوم شرعية أو غير شرعية١

وتنقسم العلوم إلى شرعية أو غير شرعية.٢ الشرعية من الأنبياء والدين لا تستند إلى العقل مثل الحساب، ولا التجربة مثل الطب، ولا السماع مثل اللغة. والعلوم غير الشرعية تنقسم إلى محمود ومذموم ومباح. المحمود مرتبط بمصالح الدنيا كالطب والحساب. والمذموم كالسحر والطلسمات والشعوذة والتلبيسات. والمباح كالشعر والتاريخ دون إسفاف.
وقد يتداخل الكم مع الكيف في تحديد المحمود والمذموم. وبالتالي يكون العلم ثلاثة أقسام: الأول مذموم قليله وكثيره وهو ما لا نفع فيه. والثاني محمود قليله وكثيره مثل العلم بالله، صفاته وأفعاله، ومثل العلم بالكتاب والسنة. والثالث يحمد الكفاية، ويذم الفضل.٣
ويذم العلم لأسباب ثلاثة: أن يؤدي إلى ضرر لصاحبه أو لغيره مثل علم السحر والطلسمات وهو مذكور في القرآن، وأن يكون مضرًّا بصاحبه في الغالب كعلم النجوم الحسابي أو أحكام النجوم التي يستدل بها على الحوادث والأسباب مثل طب الأبدان. وهو مضر بالخلق، تخمين خالص، لا فائدة منه.٤
وينقسم المحمود إلى فرض كفاية وفرض عين أي فضيلة. فرض الكفاية هو الضروري الذي لا يمكن الاستغناء عنه كالطب للأبدان والحساب للصناعات، والفلاحة والحياكة والسياسة والحجامة والخياطة.٥

والعلوم الشرعية محمودة كلها. ولها أصول وفروع ومقدمات ومتممات. والأصول أربعة: الكتاب والسنة والإجماع وآثار الصحابة دون القياس. والفرع ما فهم من هذه الأصول بموجب معانيها وليس ألفاظها. منها ما يتعلق بمصالح الدنيا وهو الفقه، ومنها ما يتعلق بأمور الآخرة مثل كتاب «الإحياء». والمقدمات هي علوم الآلات والوسائل كاللغة والنحو والكتابة والخط. والمتممات مثل ما يتعلق باللفظ في علوم القرآن وهي القراءات، وإلى ما يتعلق بالمعنى مثل التفسير واعتماده على نقل اللغة، وإلى ما يتعلق بالأحكام مثل الناسخ والمنسوخ والعام والخاص والنص والظاهر، وهو علم أصول الفقه. والمتممات في الأخبار والآثار مثل العلم بالرجال والجرح والتعديل وعلم مصطلح الحديث لضبط الرواية.

والعلم المحمود هو الكلام عند المتكلمين فهو علم التوحيد. وعند الفقهاء هو الفقه لمعرفة العبادات والحلال والحرام في المعاملات. وعند المفسرين والمحدثين هو علم الكتاب والسنة أساس العلوم كلها مثل حديث أركان الإسلام الخمسة.٦ وعند الصوفية هو علم التصوف، علم المقامات والأحوال. هو العلم بالإخلاص وآفات النفوس. هو علم الباطن. هو علم المعاملة التي كلف بها العاقل. وهي ثلاثة: اعتقاد وفعل وترك. الاعتقاد مثل الشهادتين تقليدًا عند العامة، وبرهانًا عند الخاصة.
والفقه أشرف من الطب لأنه علم شرعي مستفاد من النبوة في حين أن الطب علم إنساني خالص. هو علم للجميع في حين أن الطب علم للمرضى وحدهم. وهو مجاور لعلم الآخرة لأن أعمال الجوارح لصيقة بأعمال القلوب.٧ والفقهاء والمتكلمون مثل الخلفاء والقضاة والعلماء. فالعلم علمان: علم الأمراء وعلم المتقين. علم الأمراء هو علم القضاء. وعلم المتقين هو علم اليقين والمعرفة.٨ ولا يفتي إلا ثلاثة: أمير أو مأمور أو متكلف. الأمير هو الإمام العالم. والمأمور هو صاحب منصب الفتيا. والمتكلف هو العالم بالقصص وعبر التاريخ. يمثل الأمير الوعي العلمي السياسي، والمفتي الوعي العلمي الاجتماعي، والقاضي الوعي العلمي التاريخي.٩ وأحيانًا يتفق الفقهاء والصوفية في تصنيف العلم. فالعلم علمان: علم الأديان وعلم الأبدان كما قال الشافعي. علم الأديان علم الحقائق والمعارف. وعلم الأبدان علم السياسات والرياضيات والمجاهدات.١٠

والعلم علمان: علم الأمراء وعلم المتقين. الأول علم القضايا، والثاني علم اليقين والمعرفة. والقضاء ثلاثة: قاضي يقضي بالحق وهو يعلم، فهو في الجنة. وآخر يقضي بالجور وهو يعلم، فهو في النار. وقاضي يقضي بالجور وهو لا يعلم، فهو أيضًا في النار. وماذا عن القاضي الذي يقضي بالحق وهو لا يعلم؟

ويمكن إدخال علوم التصوف ضمن منظومة العلوم الشرعية. والنظرة الكلية للعلوم أو بما يسمي «تقسيم» العلوم أو «إحصاء» العلوم أو «تصنيف» العلوم هي القادرة على تحديد ميدان كل علم وغايته. فعلوم الشريعة أربعة أقسام:

(أ) علم الرواية والآثار والأخبار، ينقله الثقات عن الثقات. مثل علم الحديث.

(ب) علم الدراية، وهو علم الفقه والأحكام المتداول بين العلماء والفقهاء والذي يعتمد على الاستنباط وإعمال العقل والمصلحة.

(ﺟ) علم القياس والنظر والاحتجاج على المخالفين، وهو علم الجدل لإثبات الحجة على أهل البدع والضلالة لنصرة الدين مثل علم الكلام.

(د) علم الحقائق والمنازلات، علم المعاملة والمجاهدات، والإخلاص في الطاعات والتوجه إلى الله من جميع الجهات والانقطاع إليه في جميع الأوقات، وصحة المقصود والإرادات، وتصفية السرائر من الآفات، وإدانة النفوس بالمخالفات، والصدق في الأحوال والمقامات وحسن الأدب في السر والعلانية، والإعراض عن الدنيا، والوصول إلى الكرامات والاكتفاء بخلق السموات. وهو أعلى مراتب العلوم. وكل علم مسئول عن أخطائه يصححه أهله.١١

(٢) العلوم نقلية أو قلبية

العلوم نوعان: نقلية من ميت عن ميت، وقلبية من الحي الذي لا يموت. الأولى المعارف النقلية كالقرآن والحديث والتفسير والسيرة والفقه. والثانية المعارف الذوقية كالتصوف.١٢ الأولى ينقلها الناس والثانية ينهل منها الصوفية.١٣ وقد خصت الأمة بثلاثة علوم: الإسناد، حفظ الكتاب، وعلم الإيمان، وثباته في القلوب.١٤ العلمان الأولان نقليان. والثالث علم قلبي. وفي تصنيف آخر خصت الأمة الإسلامية بأربعة علوم: الإسناد، وحفظ الكتاب، وشيوع العلم عند كل الناس وليست عند طبقة معينة مثل الأحبار والقسيسين، وثبات الإيمان في القلوب ضد الشك والظن. يحسن العلم بالرواية لمن يطلب. أما طلب العلم للتزين به عند الخلق فإنه يبعد عن الرسول.١٥ والعالم الذي يكون علمه من الله، يأخذ عنه ما يشاء كيف يشاء بلا تحفظ ولا كتب.١٦ ويرخص في النقل بالمعنى واستعمال المرسل والمقطوع لأنها ليست باطلة يقينًا وغير مخالفة للكتاب، وحسن الظن أحد مراتب اليقين، والأخذ بالضعيف دون الرأي والقياس.١٧
ولا تأتي المعرفة من العلم المدون بل بالتجربة مثل الشك. فإذا ابتدأ الإنسان بالشك كتب الحديث فتر. وإذا ابتدأ بكتب الحديث ثم تنسك نفذ.١٨ لا يستمد العلم من بطون الكتب ولا من أقوال المتقدمين بل من الأحوال النفسية. فالعلم حالة شعوره.١٩ ليس العلم بكثرة الرواية. إنما العالم من اتبع العلم واستعمله واقتدى بالسنن وإن كان قليل العلم.٢٠ فالعلم ليس نقلًا بل ممارسة. كانت المعرفة في القلوب ثم صارت في الكتب.٢١ وليس الخبر كالمعاينة.٢٢
ما كتب صحيح إلى صحيح، وما لقي صحيح صحيحا، وما افترقا في الحقيقة.٢٣ فالتدوين تدوين قلبي. المعرفة غايتها الاتحاد. ومن عمل بعلم الرواية ورث علم الدراية ثم علم الرعاية ثم هدي إلى سبيل الحق.٢٤ فالعلم طريق من الرواية إلى الدراية إلى الحق.
المعرفة مقامان: معرفه سمع ومعرفة عيان. الأولى تصديق من الإيمان، والثانية مشاهدة عين اليقين. وأعلى العلوم علم المشاهدة عن عين اليقين. وهو علم المقربين. وأدناها علم التسليم والقبول دون إنكار أو شك. وهو لعموم المؤمنين. علم الإيمان والتصديق لأهل اليمين. وما بينهما مقامات.٢٥ واليقين ثلاث مقامات: يقين معاينة مطابق للخبر، وهو علم الصديقين والشهداء، ويقين تصديق واستسلام للخبر، وهو يقين المؤمنين الأبرار، ويقين ظن يقوي بدلائل العلم والخبر وأقوال العلماء وهو يقين المتكلمين. والفلسفة ليست علما. وهي أربعة أجزاء. الأول الهندسة والحساب مباحان. والثاني المنطق وهو داخل في علم الكلام. والثالث الإلهيات، وهي في النهاية رأي قوم مثل الاعتزال يخطئ ويصيب. والرابع الطبيعيات وأكثر الخطأ فيها وهي أقل فضلًا من الطب.٢٦
والعلم الشفاهي غير المدون هو العلم القلبي غير المكتوب، «عن ربي عن قلبي» وليس «من ميت عن ميت». الأول علم الأحياء، والثاني علم الأموات.٢٧ وتبدأ بعض المواقف بقرآن غير مباشر مثل مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا، وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا، إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا. ثم يتحول التنزيل إلى تأويل، والنص إلى تجربة حية، والعلم المدون عن طريق اللغة إلى العلم المباشر عن طريق القلب.٢٨ العلم المباشر رؤية، والعلم المدون مكتوب. و«كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة».٢٩ العلم كشف، والعبارة حجاب. العلم تجل والعبارة ستر. لذلك كان الصمت أولى من الكلام. ويعرف الحال من المستند. وإذا كان المستند ذكري رد إلى الله.٣٠ والعلم مباشر بين العالم والعلوم ليس علما باللوح والقلم.٣١ العلم حدسي، رؤية مباشرة، لا يستطيعها الفهم. يلوح في الضمير وأدق من الفهم.٣٢ وعندما يتكشف الحق، لا حاجة إلى دليل نقلي وبرهان عقلي. يغني عن دليل القوم والحدوث ودليل الصنعة والصانع. فالحديث لا يثبت القديم. وهو نفس النقد الذي وجهه ابن رشد فيما بعد لأدلة وجود الله عند الأشاعرة. الدليل من الله وإلى الله ولله. هو دليل التفرد، دليل وجود من يحبه.٣٣
العلم المكتوب يولد السقم والضنى والملل. لا يهيم في الفؤاد. في حين أن العلم الحي نتيجة للبكاء الدائم الذي تجري به السفن كما هو الحال عند الحسن البصري الذي كان يترك بركة من دموع بعد السجود في الصلاة. هو نتيجة للتهجد وسهر الليالي.٣٤ والرسائل المتبادلة بين العبد والرب ليست رسائل مدونة بل رسائل روحية. والحب المتبادل بين الحبيبين لا يحتاج إلى خطاب بل هو حب روحي. وإذا أرسل الله القرآن كتابًا فإن رده يكون بالروح.٣٥
علم الصوفية يوجب إنكار كل علم مرسوم. وهو كل علم معلول. وما بان شيء فيمتحي. ليس علمًا مدونًا. وإن كشف فإنه يتحول إلى مدون ولا يكون علمًا. كان العلم في الصدور فأصبح في كتاب مطمور.٣٦ العلم يورث الخوف، والوجل، والسكينة والطمأنينة على قدر أحوال الناس مقاماتهم. وتصح الأحوال إذا كانت عن نتائج العلوم.٣٧ فالعلم شعوري بين السلب كالخوف والوجل والإيجاب مثل السكينة والطمأنينة. وما فائدة علم لا يتخارج، ولا يتحول إلى معلوم يستفيد منه الناس؟ «أعوذ بالله من علم لا ينفع».
وبالرغم من تأكيد التصوف النفسي على العلم والمعرفة إلا أن الأحوال النفسية تجب العلم.٣٨ العلم تجربة ذاتية ونظر خاص ومشاركة الآخرين فيها.٣٩ وحجة القائل تقنع إن كان ما يؤيدها في التحقيق. والسماع لا يفهم.
هناك ما يؤيده من وجد السامع.٤٠ فالتجربة المشتركة هي عنصر التفاهم بين القائل والسامع. لا يعرف النار إلا القداح، والحزن إلا النواح.٤١
ونموذج التدوين هو علم الحديث الذي يعتمد في صدقه على السند. يعطي الحلاج سندًا آخر من الطبيعة. فالطبيعة هي التي تحدث. والصوفي يسمع صوت الطبيعة ويتلقى علومه منها. فلا السند ولا المتن صحيحان تاريخيًّا ولكنهما دالان روحيًّا.٤٢ وقد يروي الحديث عن الشأن والقلب بعد السند وقبل المتن. ويعطي سبعة وعشرين حديثًا جديدًا في السند والمتن. وقد تتفاوت سلسلة الرواة من اثنين إلى سبعة.٤٣ وقد يصل إلى الله وقد لا يصل. يكفي الملأ الأعلى أو الطبيعة أو القلب أي السماء والأرض والنفس وما بينهما. وقد يكون الحديث مركبا من سندين أو ثلاث يبدأ كل منها بلفظ «حدثنا».٤٤ وقد يرد حديثان بإسناد واحد.٤٥ ولا فرق بين ظواهر الطبيعة وعوالم الملأ الأعلى وعالم النفس والقلب والجوارح ومعاني النص الديني، القرآن والحديث. فالواقع والعقل والوحي شيء واحد. ولا يوجد تطابق ضرورة بين الظواهر على مستوياتها الثلاثة. إذ كلها تخضع لتأويلات متعددة. لذلك كثر الشراح بين الحقيقة والمجاز.
وقد يكون السند من الأفراد مباشرة مثل الحسن أو رمزًا مثل ساعة الساعات وهو آدم بجميع قوى النفس مثل الإرادة، إرادة الصفات القائمة بالذات القديمة، مع بعض الصفات الأخلاقية مثل الإحسان، إحسان القدرة أو المعرفة.٤٦ وقد تكون سلسلة الرواة من نظرية المعرفة، من الإيمان المعروف إلى اليقين الموجود عن العلم القديم.٤٧ ومن الفهم المبين عن القرآن المجيد عن محمد عن جبريل عن الله.٤٨ وقد يكون السند من الاسم العزيز عن الروح القديم عن المعنى المحيط عن الله.٤٩ وتدخل الفطرة الساطعة كإحدى وسائل المعرفة مع المعرفة الأصلية والكلمة العليا وصنع المجيد.٥٠ ويدخل الحق الأعلى، والجليل الوحيد، والحدان، الركن والمقام، كوسائل علوية للمعرفة.٥١ وقد يدخل القدم والغيب ضمن وسائل المعرفة مثل روح الحياة ونور السمع والبصر.٥٢ وقد تدخل السماء والأرض مع الفطرة والقدرة والجلال.٥٣
وقد تتدخل الملائكة في نظرية العلم مثل «الملك الحكيم» كناية عن جبريل أو «الكروب الكبير» كناية عن إسرافيل مع الرؤية الصادقة، واللوح المحفوظ، والعلم. ومن ثم تكون الرواية على مرحلتين، راو وهو «الرؤيا الصادقة» عن راو آخر «الكروب الكبير».٥٤ عن الطور عن ياقوت النور وهي الشمس عن صاحب الميزان وهو إسرافيل. وقد وقع التجلي في الطور، مع نور الشمس مع نور الوحي.٥٥ وقد يرمز إلى قوى النفس بالملائكة أو الملوك. فالمملوك البصير هو العقل الناطق أو النفس المطمئنة أو الخيال المبصر. والملك هو ملك الإلهام أو كشف الغيب. والملك الشاخص هو الروح المقدسة المراقبة لمشاهدة الغيب. والمالك المتدبر هو العقل الكلي أو الروح الكلية.٥٦
وقد تكون حلقات السنة معرفية أخلاقية نصية مثل الميثاق، والبرهان، ومجمع القرآن. والميثاق ينزل على قلب العارف.٥٧ وقد يكون السند من أبعاد الوجود الإنساني مثل البلاء والنعمة، والقضاء والقدر المتصل بالركن والعرش.٥٨
وقد تتداخل العوالم العلوية في نظرية المعرفة مثل سدرة المنتهى مع العقل الوجيه والحياة الدائمة والروح المكنون. العقل هو العقل الفعال عند الفلاسفة. وكلها ألفاظ معرفية لها دلالات علوية عرشية.٥٩ وقد تتداخل العوالم العلوية مع وسائل المعرفة مثل الحكمة والكلمة. قوس الله المشرقة بالأنوار عن المشارق، والبروج عن القطب، وصاحب هبابة المراح عن المدبرات.٦٠ وقد يكون السند كله من الملأ الأعلى مثل بيت الله، وقوس الله، بيت الله الوسيع. وبيت الله هو الكعبة أو كناية عن القلب. وقوس الله قوس قزح، وقوس الحق أو قوس القدر والقضاء أو قوس العلم أو قوس الأزل والأبد.٦١ ورجب اسم الشهر واسم الله ولسان شهادة الخير من الغيب، والعزة ملك العزة. وخَادم البيت المعمور عيسى أو جبريل وصاحب الستر الأقصى عزرائيل وميكائيل والسفير الأعلى إسرافيل.٦٢
وقد يبدأ السند من علم المعادن مثل الياقوت الأحمر، والضياء المخمر، والصورة الكائنة، والشأن المشهود ثم يرجع إلى الله.٦٣ وقد تكون كناية عن الطبيعة فالياقوت الأحمر قرص الشمس أو عن القلب. والضياء المخمر ضياء الكرسي أو العرش. والصورة الكائنة آدم أو الروح أو العقل أو القضاء والقدر. والشأن المشهود مراد الحق من الخلق أو لوح العلم أو خبر الحق أو عالم الأمر.٦٤ وقد يكون السند من مظاهر الطبيعة وحدها: عن خضرة النبات وألوان الأنوار عن حياة القوم. وقد تكون خضرة النبات كناية عن رياض القلب وأنوار الغيب والتجلي. وحياة القدم هي حياة النبات.٦٥ وقد تكون مظاهر الطبيعة كلها من «الآثار العلوية» بتعبير الفلاسفة أي الظواهر الجغرافية، الظل والنور. إذ يتحدث الخلق أي الكون عن الظل الممدود عن شاهد المعظم وهي الشمس عن النور الفريد وهو الرسول.٦٦ وترمز كل ظاهرة من الأنوار لعالم روحاني في فريح الجنوب منها الأفق العلوي إلى بحر الغيب في السماء السابق. وميم الخازن عين ملك المحيط الذي يهب الفيض. وعقاد المن هو عاقد فقار السموات والأرض أو عقد ذنب أو برج العقرب أو حلقات ذوائب المالك أو أكتاف إسرافيل.٦٧ وقد يتداخل الملك اللطيف مع مظاهر الطبيعة مثل السحاب المتراكم، والبرق الخاطف، والرعد المقدس، والقوة المحمية بالغيب المنهمر في أفق النور بين الشمس والقمر، والملك. اللطيف هو الذي بيده خزائن المطر. وقد تكون هذه الظواهر الجغرافية ملائكة. وقد يكون ذلك كله كناية عن عالم القلب.٦٨ وقد تتداخل مظاهر الطبيعة بين الأرض والسماء، الأرض مثل السجنج وهي صحراء المشرق أو أرض عرفات أو أرض مكة أو الوادي المقدس أو كناية عن القلب أو الصدر، والقدس وعدن المعبود. وقد تكون الكعبة أو زوار قوائم العرش والسماء مثل الفردوس الأعلى، والقبة الأزلية فوق العرش.٦٩
وقد تتداخل جميع أنواع الرواة مثل الهلال اليماني، وهو قمر يظهر في الآخرة أو الكعبة أو الحكمة اليمانية أو أويس القرني أو النور بين عيني جبريل، عن الطائر الميمون هدهد سليمان، وحيدرة الملك أسد الملك أو العرش أو الثريا، عن نشر التشوب وهو نشور القدم، عن النور الثابت وهو نور الإيمان، عن لسان الغيب اللطيف وهو الإلهام أو حكمة القلب.٧٠
وقد يكون الرواة من الزمان والبروج مع تحديد السنوات. فالميزان هو برج الميزان عام ٢٧٠. والعصر لسان الدهر أو الغيب.٧١ وقد يتداخل الزمان مثل الجمعة في الأشخاص مثل آدم مع رواد الكعبة وشهود الحق.٧٢ وقد يتداخل الزمان كتاريخ، العصر الماضي مع الأمر والمالك.٧٣

وينقسم المتن إلى نوعين: مباشر وهو القول عن الله عز وجل، وغير مباشر أقرب إلى الخبر أو رواية الفعل. وهو نوع من الوضع بالمعنى، «ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن» وليس فقط نقلًا بالمعنى.

ويتضمن المتن الموضوعات الصوفية المعروفة دونما حاجة إلى تغيير السند مثل التعارض بين الشريعة والحقيقة، الظاهر والباطن، الدنيا والآخرة والمحبة. وكلها متون عرفانية لا شأن لها بالحياة العملية، وهي الغاية من الحديث كمصدر ثان للوحي.

(٣) العلوم عقلية أو تجريبية

يطلب العلم بثلاثة مناهج: طريق الاستدلال والاعتبار، وطريق البحث والنظر، وهو جزء من المنهج الأول، وطريق التوقيف والأثر وهو العلم النقلي الذي يعتمد على الرواية. وهي القسمة السابقة للعلوم بين العلوم العقلية والعلوم النقلية. كما يتبع العلم طرقا أخرى مثل: طريقة الجدل التي استعملها المتكلمون، وطريق تحليل العلل الذي استعمله الأصوليون، وطريق الذوق والكشف والإلهام وهو طريق الصوفية، طريق الحدس. لذلك تنقسم العلوم إلى عقلية وقلبية، برهانية وكشفية، نظرية وذوقية. وتعتمد هذه القسمة الثانية على منهجين سابقين: منهج الوقوف والتسليم وهو أشبه بتوقيف الحكم انتظارًا لمنهج أفضل. ومنهج إعلان العجز والتقصير وترك ذلك لتقدم المعارف، انتظارًا للفرج الرباني.٧٤
واستقراء كرام الأصول يؤدي إلى مكارم الأخلاق مثل إحسان المحسن والتجاوز عن المسيء، والعفو عن الزلة، وإقالة العثرة، وقبول المعذرة، والصفح عن الجاني، ومثل هذا من مكارم الأخلاق.٧٥ والحكم غير التجربة. والوصف غير المغازلة.٧٦ وهي نفس قسمة العلم إلى علمين: علم العلماء والعلم التجريبي. الأول يقوم على النظر. والثاني على الذوق. الأول مكتسب والثاني مطبوع. الأول خارجي، والثاني داخلي.٧٧ فالعلم مخاطبة بالقلب ثم مشافهة باللسان.٧٨ وقلوب العارفين ترى ما لا يراه الناظرون. وتناجي الألسنة بأسرار تغيب عن الكرام الكاتبين وهم ملائكة يورث الشراب علوم الغيب وتتجاوز علوم القدماء. وعليها شواهد ضد كل منكر. هو علم الخاصة الذين أخلصوا في السر حتى وصلوا إليه.٧٩
وبدلًا من قسمة العلم أو المعرفة تقسم المشاهدة. فالمشاهدة مقامان: مشاهدة الاستدلال، ومشاهدة الدليل. مشاهدة الاستدلال قبل المعرفة من الخبر أي السمع ومشاهدة الدليل بعد المعرفة أي العيان. أولى العلوم علم المشاهدة عن عين اليقين. وهو علم المقربين. وأدناها علم التسليم والقبول دون إنكار أو شك وهو لعموم المؤمنين. علم الإيمان والتصديق لأهل اليمين وما بينهما مقامات٨٠ لا يأتي علم الإيمان واليقين نتيجة الذهن وثمرة العقل بل عن طريق المشاهدة والتحقيق وإلا وقع في الشرك والنفاق. وعلم التوحيد والصفات لا خلاف عليه. والخلاف فيه بدعة لا تغتفر على عكس أخطاء علوم الظاهر٨١ وهو على عكس العلماء ورثة الأنبياء٨٢
وقد تنقسم المعرفة إلى كسبية وإلهامية. إذ تأتي المعرفة من مصدرين من عين الجود، ومن بذل المجهود. الأولى إلهام، والثانية اكتساب. وهو نفس التمييز بين الحال والمقام٨٣ والعلم علمان: ما جاء من فوق إلهاما من غير تعلم، وما جاء من تحت مثل علم الكلام. الأول إيمان، والثاني زندقة٨٤ الإلهام علم يغدق في القلب بلا تعلم أو كسب مثل بوادي وخواطر النفس عند الصوفية، والحدس عند الفلاسفة. ويتطلب الاهتمام الذي يتحول إلى هم وحصر، وعيا يقظا قادرًا على الاستقبال٨٥ وهو إبداعي في صياغاته وأشكاله الأدبية. الروح إلهام، وأشكال التعبير عنها إبداع.٨٦
ومع ذلك قد تنهار بعض العلوم. فهناك أربعة علوم: الديانة، والطب، والنجوم، والكيمياء. ولكل منها آفة. آفة الديانة الكلام في القدر. وآفة الطب التجربة. وآفة النجوم الحكم. وآفة الكيمياء التعرض والإظهار على النفس٨٧ وآفة الفلك علم أحكام النجوم. وآفة الكيمياء السحر وكشف بواطن الأمور.
وقد بدلت ألفاظ خمسة من العلوم وتغير قصدها مثل الفقه والعلم والتوحيد والتذكير والحكمة. تخصص الفقه بالفروع الغريبة في الفتاوى وتفصيلاتها. وكان يطلق العلم على الله وأفعاله وآياته. ثم تحول إلى جدال مع الخصوم في مسائل خلافية. تحول علم التوحيد إلى صناعة الكلام والجدل مع الخصوم. وتحول الذكر والتذكير إلى «ما نرى الوعاظ في هذا الزمان». وهو القصص والأشعار والشطح والطامات والقصص، وليس التذكير بالموت والآخرة وعيوب النفس وآفات الأعمال. وشطحات الصوفية دعوات عريضة في العشق الإلهي حتى ادعاء الاتحاد وارتفاع الحجاب والوصول إلى الرؤية والمشاهدة والمشافهة كما حدث للحلاج والبسطامي. وهي أيضًا كلمات غير مفهومة يدل ظاهرها على غير باطنها. وأطلق لفظ الحكيم على الطبيب والشاعر والمنجم.٨٨
وظهر علم الخلاف وأقبل الناس عليه لتشعب المسائل بعد عصر النبوة والخلافة الأولى، واحتياج الناس إلى الفقهاء والمتكلمين لاستنباط الأحكام والدفاع عن العقيدة٨٩ وتشبيه هذه المناظرات بمشاورات الصحابة ومفاوضات السلف مجرد تلبيس، دافعه الخصومة وليس مصالح الأمة. اشتغل الأوائل بالعلم لأنه من فروض الكفايات وليس الأعيان. ولا يوجد فرض كفاية أهم من المناظرة. ويفتي الناظر برأيه لا بمذهب فقهي معين وإلا كان تحزبًا. ولا يناظر إلا في مسألة واقعة أو قريبة الوقوع. وتكون المناظرة في الخلوة وليس في المحافل وأمام الأكابر والسلاطين، بغيا للشهرة والحظوة. ويطلب الحق بصرف النظر عن مظهره هو أو غيره من الخصوم. ويجوز الانتقال من نظر إلى نظر، ومن دليل إلى دليل، ومن إشكال إلى إشكال والرجوع إلى الحق. وأخيرًا يناظر من هو أهل المناظرة من العلماء الفحول لإظهار الحق وليس للعراك مع الصغار والانتصار عليهم٩٠ تهدف المناظرة إلى إفحام الخصوم وإظهار الفضل والشرف والبراعة والبطولة بقصد المباهاة والمماراة واستحسان الناس واستمالتهم. تقوم على العجب والكبر من ناحية وعلى الحسد والمراءاة من ناحية أخرى، تزكية النفس والتقليل من الآخر. يتتبع الناظر عورات الخصوم ليشهر به، ويشخص الموضوع. كما يقوم على الاستكبار والعناد والغضب والبغضاء وحب المال والجاه٩١ والحذر من المراء في القرآن. والمراء هو الجدل. والحذر أيضًا من الجدال في الدين، والكلام في التحديد أي في المنطق وقضايا الحد والتعريف٩٢ فالعقل والمحاجة والتصورات ليست طريقا. والجدل ليس علمًا. والكلام الناشئ عنه ليس علمًا لأنه يقوم على الخصومة.٩٣
ولا ينظر إلى صحة العقائد من جهة علم الكلام. يكفي إيمان العوام وسلامة الفطرة، والبعد عن الخصومات، ومعرفة الحق دون تأويل يخطئ ويصيب، ويناقض ظاهر الشرع. العلم عن طريق التواتر والقطع على المعلوم٩٤ يكفي القرآن كدليل وصحة الألفاظ كبرهان. وهو نفس موقف الغزالي في «إلجام العوام عن علم الكلام» «والمضنون به على غير أهله». تكفي الشريعة لسلوك الناس. وهو طريق الأنبياء. وهي غير عقيدة أهل الكشف والوجود. ليس أمام العوام إلا التقليد٩٥ وقد اجتمع أربعة من العلماء، مغربي لديه العلم بالحامل القائم، ومشرقي لديه علم بالحامل المحمول اللازم، وشامي لديه علم الإبداع والتركيب، ويمني لديه علم التلخيص والترتيب. وهي الاتجاهات الأربعة مما يوحي بتعددية المنظور في العلم.٩٦
واعتقاد أهل الاختصاص بالنظر والكشف. ولا يفترق كثيرًا عن علم الكلام الأشعري فيما يتعلق بنظرية المعرفة، وحدود العقل، واستحالة معرفة المطلق بالمقيد فيما يتعلق بالموجود أو فيما يتعلق بالذات الإلهية أو الصفات أو الأفعال٩٧ هناك حكم إرادي وليس اختياري. ومع ذلك لا يوجب جبريل اختيارًا ولا قضاء وقدرًا بل كسبًا وفعلًا حرًّا.
وتقوم المعرفة الكلامية على قياس الغائب على الشاهد. فمعرفة الشاهد أولًا ثم الغائب ثانيًا. ثم بعد معرفة الغائب قد لا يلتفت إلى الشاهد. والتذبذب بين الاثنين يفقدهما معًا٩٨ والتوحيد القلبي أفضل من التوحيد في علم الكلام. الأول يقوم على الذوق، والثاني على الحجاج والمناظرة والمهاترة مع الخصوم. تنشأ المهاترة من التنافس من أجل الغلبة. والمقصود من المذاكرة طلب الفائدة. والمناظرة متوسطة بين المهاترة والمذاكرة٩٩ زلت أقدام المتكلمين، ونظروا في الآية بعقولهم، وهي لا تفهم إلا بالوجدان١٠٠ يتردد العقل ويحتار لاكتشاف سر الحياة. في حين أن لغة الشكر قادرة على إبرازها١٠١ ويستمع بها إلى هاتف الحقائق، والتحرر من عيوب العبودية.

(٤) علوم الظاهر وعلوم الباطن

وتقوم قسمة العلوم إلى علوم الظاهر وعلوم الباطن على قسمة أخرى بين الشريعة والحقيقة، بين أعمال الجوارح وأعمال القلوب، بين علوم الدنيا وعلوم الآخرة. علم الظاهر هو علم الراغبين في الدنيا والملابسين للأمراء١٠٢ وأجمل حالات المؤمنين الظاهر. وهو ما تقتضيه الشريعة١٠٣ العلم ظاهر، والحقيقة باطن. ومن نظر إلى الخلق بعين العلم مقتهم وهرب إلى الله. ومن نظر إليهم بعين الحقيقة عذرهم.١٠٤
وعلم الباطن له فضل على علم الظاهر١٠٥ هو علم القلوب لا الألسنة. لا تصدر عن الأعمال بل مقامات اليقين وصفات المتقين. وهو علم الخشوع والزهد الذي يخشاه الشيطان. والإخلاص أول حال العلم بالله بالعلم الباطن. ولا نهاية لمقامات العارفين ودرجات الصديقين. قد يؤدي علم الباطن إلى الزندقة أي خلط الأمر والنهي بمواجيد الأسرار كما يفعل أهل الأغاليط الذين هلكوا وأهلكوا. فعلم الباطن ذو حدين. لا يقوى عليه كل الناس. من أفشى سره اعتبره الناس زنديقًا.١٠٦
وعلماء الباطن أفضل من علماء الظاهر. ومع ذلك يجتمع الفريقان على أن طلب الآخرة خير من طلب الدنيا١٠٧ كلا العلمين ضروري. وتظهر أولى درجات الطهارات في الباطن والظاهر وليس في الظاهر وحده الذي قد لا ينم عن الباطن، ولا في الباطن وحده لأنه يظل مستورًا. ومن لم يوازن ظاهره باطنه، وعقله قربه من الله فإن حلمه يكون مثل حلم البهائم! ومن لم يقم باطنه ظاهره صار باطنه منكوسًا، أسيرًا قلبه بيد العدو. وقامت جوارحه في المعصية. وصارت نفسه مالكة له تستعبده وتستخدمه، يضرب الشرق والغرب ويخدم نفسه١٠٨ فالباطن أصل الظاهر. الباطن جوهر والظاهر عرض وإلا تم أسر الإنسان بيد العدو، وفقد السيطرة على أعمال الجوارح وفقد الاتزان في العالم، ولم يركز إلا على نفسه وأهوائه. عبادة الله بالشرائع في الظاهر، ورؤيته في الباطن. علماء الظاهر زينة الأرض والملك. وعلماء الباطن زينة السماء والملكوت. علماء الظاهر أهل الخير واللسان، وعلماء الباطن أرباب القلوب والعيان. اللسان معقل الخبر، والقلب موضع النظر. علم الظاهر حكم، وعلم الباطن حاكم، والحكم موقوف على الحاكم.١٠٩
والباطن أساس الظاهر والظاهر يقوم على أساس الباطن. وانتكاس الباطن انتكاس للقلب فيصبح أسيرًا بيد العدو، وانجرفت جوارحه إلى المعصية، وتملكه النفس وتستعبده. وهذا ما حدث لليهود والنصارى والصابئة والمجوس والمشركين. يضربون الشرق بالغرب ويخدمون أنفسهم. من لم يكن له في حركاته وسكونه إمام في الظاهر يقتدي به ورجع إلى باطنه قطع به. فالباطن وحده لا يكفي. فعل الظاهر شكر للباطن كما أن الدنيا شكر للآخرة. الباطن باطن بالفطنة الأصلية. وهو موضع الفكرة، موافق للسنة وإلا كان باطلًا١١٠ وأفضل نعمة هي الإسلام في وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ثم الختم أي البقاء عليه وعدم التحول عنه ثم القرآن بما فيه من فرائض وسنن وأحكام وحلال وحرام. وهذا هو الظاهر، ثم نعم الله على المؤمنين بفتح قلوبهم ومعاينة الغيب بلا حد ولا نهاية. وهذا هو الباطن.١١١
وقد تتحول ثنائية الظاهر والباطن إلى ثنائية السر والعلانية فاستقبال وجه السر هو اليقين، واستقبال وجه الظاهر مع الباطن مشاهدة، وقيامه عليه رضا مع الاقتداء بالنبي. فما زالت الأخلاق الصوفية متمسكة بالسنة. والذكر هو القوة في السر، والسنة في العلانية١١٢ وفضل السر على العلانية لضعف في اليقين. فإذا كمل استوت الحالتان، الخلاء والملاء١١٣ ومن لم يوازن سره لا تصلح علانيته١١٤ فالبداية بالباطن قبل الظاهر. وكل من هم بشيء في سره ظهره في علانيته إلا أن يدركه العون الخارجي فيبقى في السر. فالسر بطبيعته حركة نحو العلن لأن الطبيعة هي اتفاق السر مع العلن. ولا يبقى السر سرًّا إلا بإرادة خارجية. الدنيا عند العدو، والسر عند الحبيب. فالحبيب لا يفشي سرًّا في حين أن العدو يظهر الدنيا١١٥ واستقبال وجه السر باليقين، واستقبال وجه الظاهر بالقبلة١١٦ فاليقين باطن، والقبلة ظاهر.
والظاهر والباطن ثنائية مثل الأحوال ولكنها في المعرفة وليست في الوجود. ويعادل في الوجود والغياب والحضور١١٧ ومن يعرف الباطن لا يلوم أحدًا. فحج الناس البيت ظاهر أم حج الباطن فإلى سكن الروح. الأول يهدي الأضاحي والثاني يعطي المهجة والدم. الأول طواف بالبيت، والثاني طواف بالله١١٨ والظاهر والباطن يتجلى في كل شيء١١٩ الظاهر اللفظ، والباطن التأويل. الظاهر صورة القصة، والباطن عظتها١٢٠ الظاهر السماع، والباطن الفهم. لباس الظاهر لا يغير حكم الباطن١٢١ وعدم الإعجاب بالظاهر لأن الباطن قد خرب١٢٢ يلجأ الصوفي إلى الباطن دون الظاهر. فالعلم والزهد والتقوى، لكل منها ظاهر وباطن١٢٣ ويرزق العبد الحلاوة ليفرح بها فتمنعه من حقائق القرب.١٢٤ وفرق بين الدار وصاحب الدار على باب الدار صوت وصياح واضطراب خوفًا من صاحب الدار وشوقًا إليه وداخل الدار هيبة ووقار وسكون وتعظيم وأدب وتأدب.١٢٥ ويؤيد ذلك الحديث.١٢٦
والتأويل للآيات التي تسمح بذلك. وهي الآيات التي تثير الخيال والصور المجازية مثل هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ. هو الظاهر لا كما ظهرت الظواهر، وهو الباطن لا كما بطنت البواطن.١٢٧ تعني الأول من يكشف عن أحوال الدنيا للابتعاد. الثاني والآخر أحوال الآخرة لعدم الشك فيها، والظاهر على قلوب الأولياء لمعرفته، والباطن على قلوب الأعداء لإنكاره.١٢٨ وقد تدل الآيات على أن الشطحات نابعة من القرآن بتأويل بعض الآيات لإعطائها غطاء شرعيا.١٢٩ مثل وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي  إِنَّنِي أَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا  وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي  كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ  لَتَرْكَبُنَّ طبقًا عَنْ طَبَقٍ  وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى.
التأويل حجاب لا ينظر إليه الله مع أنه كشف الأعماق، ومقت لا يعطف الله عليه مع أنه ضرورة لتجاوز التجسيم والتشبيه.١٣٠ التأويل أداة إنسانية للمعرفة في حالة غياب العلم اللدني والكشف الرباني. القرآن يبني، والأذكار تغرس.١٣١ البناء على السطح والغرس في العمق. ويبدأ التأويل بالتلاوة وفهم المعنى بالصوت والتأثر بموسيقى القرآن من أجل حفظه بالنهار بل لفهمه بتلاوة الليل. وليست فقط المغفرة هي الهدف بل المعرفة من أجل العمل.١٣٢
وفرق بين التفسير والتأويل. التفسير علم نزول الآية، شأنها وقصتها والأسباب التي نزلت فيها. وهو ليس للناس كافة إلا بالاعتماد على السماع والأثر. أما التأويل فصرف الآية إلى معنى محتمل يوافق الكتاب والسنة. ويختلف باختلاف حال المؤول من صفاء الفهم ورتبة المعرفة ودرجة القرب. التأويل سباق لأصحاب الهمم وكأنه يسمع الآية من المتكلم نفسه.١٣٣
ما أظهر الله شيئًا إلا ستره. وما ستر شيئًا إلا أظهره حتى لا يستوي علمان ولا معرفتان ولا قدرتان. فازدواجية الظاهر والباطن رؤية إلهية قبل أن تكون رؤية إنسانية. والوجود أيضًا متشابه. والقرآن أحد التجليات الإلهية والوجودية١٣٤ لذلك أتى القرآن متشابهًا. فإذا أضاء على السرائر بإشراقه أزال من البشرية رعونتها١٣٥ وعلم الله يشمل الظاهر والباطن، والعلن والسر فهو الذي أودع في الأشياء أوصافها١٣٦ والعلوم في الله لا تتناهى١٣٧ وكلام الخالق أزلي لا يفنى بفناء الأقلام والمداد. ويذكر منه للناس ما يفيدهم من معاني العبودية، والثواب والعقاب والوعد والوعيد على قدر عقولهم. أما الباطن والكمال فللأنبياء والأصفياء والأولياء١٣٨ وبلغة مجردة مقياس العدم في الوجود، في معنى وجوده. وليس مقياس الوجود في العدم.١٣٩

(٥) علوم التنزيل وعلوم التأويل

علوم التنزيل هي علوم الفقه والشريعة والكتاب والسنة وأسباب النزول والقياس من أجل استنباط الأحكام الشرعية. وعلوم التأويل هي علوم التصوف التي تذهب إلى بواطن الأحكام ومصادرها الأولى. لذلك نشأ صراع بين أهل التنزيل وهم الفقهاء وأهل التأويل وهم الصوفية. ويمكن معرفة الوحي بالتنزيل كما يفعل الفقهاء أو بالتأويل كما يفعل الصوفية، بالظاهر أو الباطن، بالنص أو بالدليل، بالوضوح أو الخفاء١٤٠ وكل مناهج التأويل ضعيفة حتى المجازية منها. إنما الأقوى هو نزول الآية على القلب فتنبثق معانيها فيه كما يحدث للعارفين والمريدين١٤١ العبادة باللغة، والإشارة بالقلب.١٤٢
والعلم ثلاثة: علم القرآن، وعلم السنن والبيان، وعلم حقائق الإيمان أي القرآن والسنة وما يستنبط منهما من حقائق الإيمان. فالتصوف إسلامي وليس أجنبيًّا، من الموروث وليس من الوافد. ويمكن جمعهما في علمين فقط: التنزيل والتأويل. والعلماء ثلاثة: أصحاب الحديث والفقهاء والصوفية. كل منهم يجمع بين العلم والعمل. لم يكن في هذا الوقت المبكر قد نشأ الصراع بين الفقهاء والصوفية، بين التنزيل والتأويل. وقد أتقن علماء الحديث في ضبط رواياتهم على ما هو معروف في علم الحديث١٤٣ في حين اقتصر أهل الحديث على الحفظ بالذاكرة تفوق عليهم طبقة الفقهاء لما لديهم من قدرة على الفهم والاستنباط١٤٤ والصوفية أصحاب علم ومذهب وطريق وذوو منزلة رفيعة من أولي العلم القائمين بالقسط١٤٥ يخرجون من الكتاب والسنة، ويقتدون بالرسول كأسوة حسنة، ويقتدون آثار الصحابة التابعين. وكما أن طبقة الفقهاء لما لديهم من قدرة على الفهم والاستنباط أعلى مرتبة من طبقة المحدثين. فإن طبقة الصوفية أعلى منزلة من الفقهاء لما لديهم من جمع بين العلم والعمل، وما خصوا به من الفضائل وحسن الشمائل. لا يأخذون بالرخص أو يحومون حول الشبهات بل يتمسكون بالأولى والعزائم.١٤٦
وقد خص الصوفية بمعانيهم وآدابهم وأحوالهم وعلومهم التي تفردوا بها عن المحدثين والفقهاء١٤٧ وذلك مثل القناعة، والفقر والجوع، والتواضع، والشفقة، والإيثار، وحسن الظن، والإخلاص والمسارعة في الخير، والتوجه إلى الله، والعكوف على بلائه، والرضا بقضائه، والصبر على المجاهدة، ومخالفة الهوى وحظوظ النفس، ومراعاة الأسرار، واختيار الموت على الحياة. التصوف إذن هو ممارسة مجموعة من الفضائل. وقد خص الصوفية بالمقامات والأحوال، بالتوبة والورع والتوكل والرضا، والصبر، والخشية والخوف والخضوع والمحبة، والرجاء، والشوق والشهادة، والإنابة، والطمأنينة، واليقين، ومعرفة النفس، والعوارض والعوائق والعلائق والحجب.١٤٨
وينكر التصوف على أهل الظاهر أنهم لم يعرفوا من الكتاب إلا ظاهره، ولا من الحديث إلا الأحكام للاحتجاج على المخالفين وطلبا للجاه والرياسة١٤٩ الشريعة رواية ودراية. ظاهرها بالرواية، وباطنها بالدراية١٥٠ ويزعم بعض المتفقهة أن الصوفية جهلة وليس للتصوف مصدر من الكتاب أو السُّنة١٥١ ولا يوجد شاهد من كتاب أو سنة على ذلك. ويعترض الصوفية على هؤلاء وبيان أهمية الفقه في الدين. إنما يحتاج الفقه أن يجتمع بالزهد، ويكون الفقيه الزاهد هو الجامع بين الفقيه والصوفي، بين أعمال الجوارح وأعمال القلوب، بين أحكام الظاهر وأحكام الباطن. الفقه له نهاية، والتصوف لا نهاية له١٥٢ لكل علم أهله دون أن ينكر فريق علم الفريق الآخر. والكل إلى رسول الله فلا تضارب بين العلوم بل توزيع الاختصاصات بينها.١٥٣
وبالإضافة إلى التفاسير الكبرى مثل تفسير القرآن العظيم للتستري، و«لطائف الإشارات» للقشيري، و«تفسير ابن عربي» هناك بعض الملاحظات الجزئية على تفسير الصوفية في أقوالهم مع بعض التطبيقات العملية لتفسير بعض الآيات المتناثرة لاستخراج بعض الموضوعات الصوفية منها خاصة المقامات والأحوال. فبالنسبة لمنهج التفسير يمكن قراءة القرآن بثلاث نيات: بدون الله أو للختم أو لاستخراج العلم١٥٤ بدون الله ميزته أنها قراءة إنسانية اجتماعية طبيعية خالصة وليست قراءة عقائدية دينية غيبية. والختم قد يكون حفظًا دون فهم كما يفعل الصبية أو الكبار قارئو القرآن على المقابر. واستخراج العلم هو الأفضل، ليس العلم الطبيعي بل العلم الإنساني.
ولا يقرأ القرآن بعد قيام الليل. إنما يقام الليل إلى الله أولًا وليس إلى ورد معلوم أو جزء مفهوم. ويقف العبد أمام الله وجها لوجه، ويتحادثان ويتفاهمان. فالصوفي يعود إلى المصدر الأول دون وساطة القرآن. وينصرف أهل الورد وأهل الجزء ويبقى أهل القيام١٥٥ وصفوة القرآن موضع الأسامي. فالقرآن له قلب وهي الأسماء. الأسماء تجليات للذات في صفات ومصدر الأفعال في نظرية الذات والصفات والأفعال. ولا يوجد صوفي إلا وعبر عن تجاربه الإنسانية من خلال شرح الأسماء مثل القشيري والغزالي.١٥٦
ليس التفسير علمًا نظريًّا فحسب بل هو أيضًا علم عملي. فالقرآن هو المطهر عن دنس الأكوان. هو أحسن الأسرار. وله الشرف على سائر الكلام١٥٧ وتعليم الرحمن القرآن يعني تعليم الأرواح شفاهًا ومخاطبة في الأنفس وبطريق الوسائط١٥٨ فالقرآن عالم شعوري وليس عالمًا تصوريًّا. وقد تكون الاستعاذة من الشيطان لا قيمة لها لأنه لا يستطيع زحزحة كلام الحق١٥٩ فالأمر نفسي وليس موضوعيًّا ولكل حرف تفسير في البسملة. باسم الله الهبة، والرحمن العون والنصرة، والرحيم المحبة والمودة. وهي معاني متميزة لا تفوت على العارف. هي علوم الوجود لا علوم الوجود.١٦٠
والتفسير الجزئي نتيجة للاستفسار عن معنى بعض الآيات المتناثرة التي تثير بعض التشابه أو التي تحتاج إلى تأويل لبعض السور الرمزية١٦١ ومع ذلك يمكن تجميعه في عدة موضوعات مثل التفسير الموضوعي للقرآن في التصوف الخلقي والتصوف النفسي والتصوف النظري. فمن التصوف الخلقي مثل تفسير وشروه وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ ويعني خاصة ثمن الشراء ثم تعميمه إلى المعرفة ومشاهدة الله بثمن الكونين١٦٢ فالتفسير هو تعميم الخاص إلى العام. وتتحول آية قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ إلى تجربة صوفية، قلة المتاع في الدنيا وعظمة الحصيلة في الآخرة. وتحويل اتجاه الآية إلى أعلى مثل العمل الصالح مَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا١٦٣ وقد يكون التفسير للتعيين، تعيين بركات السماء والأرض بخير الدنيا والآخرة وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وسلوك الطريق في آية وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ١٦٤ ويستشهد على الصدق بآية لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وقد يتطلب الصدق إعلان عدم المعرفة بالجواب مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا١٦٥ والإيمان هو المعرفة، وإحباط العمل عدم قبول الخدمة في آية وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ١٦٦ والتقوى تؤدي إلى الإيمان والإخلاص بنص آية وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ولباس التقوى لأهل الحصور وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ. والتقوى هو معنى في آية اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ١٦٧ وقد لا يحتاج استعمال الآية إلى تأويل كالخشوع في الصلاة في آية قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ١٦٨ وعلامة العارف فساد الملوك في القرى إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (٣٤).١٦٩
ومن التصوف النفسي تظهر بعض المقامات والأحوال على العموم أو على الخصوص مثل بكاء الفرح في آية وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ. وبكاء الأسف من آية تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا١٧٠ والإشارة إلى الطريق في آية وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ١٧١ وحالة الجمع في قول أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ١٧٢ وتدبر القراءة في آية أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القرآن١٧٣ والتوكل استسلام لله بدليل وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ. وهو فريضة وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ والحركة من أجل الكسب مباحة آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ. والحب بلوى من المحبوب للحبيب بدليل يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ فالمحبوب هو الذي يبدأ١٧٤ والصوفي لا يكتفي بالشراب ويطلب هَلْ مِنْ مَزِيدٍ.١٧٥
ومن التصوف النظري نسبة تحقق العبودية وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا  إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ  فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا والنسبة إلى آدم تدخل في مقام الظلم والجهل وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا١٧٦ والحق ثقيل على القلب إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا١٧٧ والله يظهر الغائب، ويغيب بدليل كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ١٧٨ والعزة لله وللإنسان مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا١٧٩ والجمع بين إرادتين في تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. والله هو الذي يحمل الصوفي المسافر وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ١٨٠إِنَّا لِلهِ إقرار بالملك، وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ إقرار على النفس بما لها١٨١ ولا يفهم الله إلا بالله. فالله هو الموضوع والمنهج.١٨٢
وفي الأخرويات، حسية الجنة استمرار لحسية الدنيا وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ١٨٣ ومن أراد الآخرة دعاه الله إلى قربه وَمَنْ أَرَادَ الآخرة وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا.١٨٤ وأحيانًا يكون حساب الثواب كما مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وأحيانًا أخرى كيفًا١٨٥ وفي بداية الخلق آدم له صفتان: آدم الذي غوى وَعَصَى آدم رَبَّهُ فَغَوَى وآدم المصطفى إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ.١٨٦
ويخضع تأويل الحديث مثل تأويل القرآن لنفس المنطق مع تأويل لبعض الألفاظ مثل تأويل لفظ «الأبله» في حديث أكثر أهل الجنة البله» بأن في دنياه هو الفقيه في دينه١٨٧ وتأييد للاعتراف بالإحسان حديث «جبلت القلوب على حب من أحسن إليها»١٨٨ والصوفي شاهد الله في الأرض «أنتم شهداء الله في الأرض» وشرط الصوفي ألا يعلم الآخرون عنه أنه كذلك، وألا يطلع على سره أحد الخلق١٨٩ وحديث الله كالثلج في الصيف. وجوده غريب وبقاؤه أغرب.١٩٠
ويفوق الصوفية أهل الكتاب في التأويل. فعندما سأله الراهب عن العدد الاثني عشر، والرهبان هم أهل التأويل، أجاب بأن الواحد هو الله، والاثنان الليل والنهار، والثلاث الطلاق ثلاث مرات، والأربع الكتب المقدسة، التوراة والإنجيل والزبور والقرآن، والخمس الصلوات، والست الأيام، والسبع السموات، والثمان حملة العرش، والتسع مدة الحمل، والعشر الكرام البررة، والحادي عشر إخوة يوسف، والثاني عشر السنة.١٩١
حامل القرآن لا يحتاج إلى شيء من الخلق بما في ذلك الخلفاء والسلاطين، بل الخلق في حاجة إليه. وقد يعني العلم والقدرة على التصرف والحكمة. أما إن كان يعني الحصول على قدرات خارقة للعادة سحرية تجعله قادرًا على كل شيء فيكون أقرب إلى التصور الشعبي للتابو١٩٢ والتباعد عن القراء مستحب لأنهم إن أحبوا أحدًا مدحوه بما ليس فيه. وإن أبغضوه شهدوا عليه وقبلت شهادتهم١٩٣ هم مداحو السلطان، وسوطه على الناس. والشاطر السخي أفضل من القارئ اللئيم لأن السخاء فضيلة، واللؤم رذيلة. وللقرآن مفتاح يختلف من صوفي إلى آخر، آية أو لفظ أو حدس أو توجه. وقد يظل الصوفي عشرين عامًا حتى يعثر عليه١٩٤ ويفهم من القرآن أحيانًا التهديد بلطف للمعارض مثل آية أَلَا لِلهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وهو ليس تهديدًا بل إعلان ختم النبوة واكتمال الوحي، وأن المراحل السابقة كلها تصب في المرحلة الأخيرة كما هو الحال في اللاهوت المسيحي عندما تصب رسالات أنبياء إسرائيل السابقين في شخص عيسى نبيًّا و«إلهًا».١٩٥
وبعد قراء القرآن قد يحار العقل في آية. أما حفاظه فكيف يهنأ لهم البال وينامون ملء الجفون ويشتغلون بأمور الدنيا وهم لا يفهمونه. فإذا فهموا وعرفوا حقه وتمتعوا وناجوا به لما ناموا فرحًا بما رزقوا ووفقوا١٩٦ القرآن فهمه وليس تلاوته. وهو أيضًا دافع على السلوك الفاضل. فإذا دنا القارئ من معصية يتحدث القرآن في جوفه ويسأله لماذا حمله؟١٩٧
وقد يستغلق كلام صوفي على صوفي آخر نظرًا لاختلاف درجاتهما في المعرفة ولتباينهما في الحالات النفسية١٩٨ يتكلم صوفي من بحر صفاء الأحوال. ويتكلم آخر من صفاء المنة. الأول مزج، والثاني صرف. الأول بينية بين الأنا والأنت، والثاني هوية بين الأنا والأنا أو الأنت والأنت.١٩٩

(٦) علوم السلف وعلوم الخلف

وتصنف العلوم طبقًا لمسار التاريخ من الماضي إلى الحاضر، ومن السلف إلى الخلف. فالعلوم تسعة، أربعة صحيحة من السلف، وخمسة محدثة من الخلف. والسلف خير من الخلف، ولا تجديد في العلوم. الأربعة القديمة: علم الإيمان، وعلم القرآن، وعلم السنن والآثار، وعلم الفتاوى والأحكام. والإيمان ليس علمًا. والقرآن والحديث علمان نقليان. والآثار علم يخضع للروايات مثل الحديث. وعلم الفتاوى والأحكام علم الفقه وهو علم نقلي. والخمسة المحدثة: النحو، والعروض، والمقاييس، والجدل في الفقه، وعلم المعقول بالنظر، وعلم علل الحديث وتطريق الطرقات إليه، وتعليل الضعفاء، وتضعيف النقلة للآثار. وقد نشأ كل علم طبقًا لمقتضيات العصر، النحو لوضع قواعد للكلام، والعروض لوضع بحور للشعر، والمقاييس لوضع قواعد للتفكير، والجدل لوضع مناهج لإفحام الخصوم، والمعقول للرد على الفرق غير الإسلامية، وعلم العلل لاستنباط الأحكام وهو علم أصول الفقه، وتضعيف النقل هو علم النقد التاريخي، وعلم القصص بدايات علم التاريخ.٢٠٠
وفي قسمة أخرى ينقسم الكلام إلى سبعة أقسام، العلم واحد منها. فالعلم جزء من الكلام. وباقي الستة لغو. والعلم السابع هو القرآن والسنة، ما دل عليهما أو استنبط منهما أو ما وجد اسمه ومعناه من قول وفعل. والتأويل المتفق مع الإجماع داخل في الاستنباط من الكتاب. القرآن هو العلم الأول والأخير. وأصبح المتكلم هو نموذج العالم، كلام البدع وعلم المنافقين، المعروف منكر والمنكر معروف٢٠١ ومن البدع البيع والشراء على الطريق، وكثرة المساجد في مكان واحد، وملؤها بالنقوش والتزويق في السقوف والأبواب، والمحامل والقباب، وعلم الحروف، والتضييق والتوسيع على الناس مثل القبض والبسط. وتنتشر العلوم من المنافقين والمبتدعة أو المشركين لأنها نتيجة الذهن وثمرة العقل. أما علم الإيمان واليقين فلا يأتي إلا عن مشاهدة ومكاشفة. وعلم التوحيد والصفات مباين لسائر العلوم. الاختلاف في ظاهر العلوم رحمة، وفي علم التوحيد ضلال وبدعة. الخطأ في الظاهر مغفور، وفي التوحيد كفر. والمغالون هم الشاطحون. جاوزوا العلم ومحوا الرسم، وأسقطوا الحكم. والمبطلون هم المدعون المبتدعون. جادلوا بالباطل لدحض الحق. وافتروا بالدعوى، وابتدعوا بالرأي والهوى. والجاهلون هم المنكرون لغرائب العلم المغترون بظاهر العقل. أهل العلم بالله يردون علوم العقول إلى علم اليقين، وعلم الرأي إلى علم السنة. ويثبتون الآثار، ويؤيدون نقله بالأخبار.
العلم ما كان عليه السلف الصالح المقتفاة آثارهم، والخلف التابع المقتدى بهديهم، الصحابة وأهل السكينة والرضا، والتابعون لهم بإحسان من أهل الزهد. العلماء ورثة الأنبياء هم الورعون في الدين، الزاهدون في الدنيا، الناطقون بعلم اليقين والقدرة لا علم الرأي والهوى، الصامتون عن الشبهات والآراء. وهم الأبدال في أطراف الأرض، المستترون عن أعين الجمهور. لا يطيقون النظر إلى علماء الزمان ولا الاستماع إلى كلامهم٢٠٢ العلم عند أهل السلف علم الحال وهو علم الخبر. فالسؤال عن الخبر سؤال عن الحال٢٠٣ ثم ابتدعت علوم عند السلف مثل علم الكلام والجدل، وعلوم المقاييس والنظر، والاستدلال على الحديث بأدلة الرأي والمعقول، وإيثار علم العقل والرأي والقياس على ظواهر القرآن والأخبار وإظهار الإشارات بالمواجيد من غير علومها ولا تفصيلها٢٠٤ في حين أظهر القدماء علوم المواجيد وأخفوا الإشارة بالوجد لإظهار ما ينفع وإخفاء ما يضر. كانوا يسكتون عما خالف الكتاب والسنة مثل الكلام في التوحيد بما يخالف الشرع مثل الشطحات. وكذلك الكلام في الدين بالوساوس والخطرات دون مواجيدها، ووضع السجع في الدعاء، وإدخال القصص، وأخذ القرآن بالإرادة، وضرب الآيات بعضها ببعض، والتلحين في القراءة، وعدم فهم التلاوة، وتلحين الأذان، والتشديد في أشياء كان السلف يسهل فيها، والتدقيق في القياس والنظر والنحو، والتسهيل في المكاسب، وبيع المصحف أو شراؤه، ودخول النساء الحمام من غير ضرورة.٢٠٥

(٧) علوم الدنيا وعلوم الآخرة

هناك فرق بين العلم بالله، والعلم بأمر الله. الأول العلم بالحقيقة والثاني العلم بالشريعة. وهي نفس التفرقة بين علماء الآخرة وعلماء الدنيا. وكم من عالم فاجر، وعابد جاهل، مما يستدعي اتقاء الفاجر من العلماء والجاهل من المتعبدين.

وقد تبدو القسمة ثلاثية إضافة التقوى والخوف في أخلاق العالم. حينئذ يكون العلماء ثلاثة: عالم بالله وبأمر الله وهو العالم الكامل. وعالم بالله وهو التقي الخائف، وعالم بأمر الله دون الله وهو العالم الفاجر. الأول عالم بالله، والثاني عالم لله، والثالث عالم بحكم الله. الأول هو العارف الموقن. والثاني هو العالم بالإخلاص والأحوال والمعاملات. والثالث العالم بتفصيل الحلال والحرام. الأول العالم بالله لا بأمره ولا بأيامه وهم المؤمنون. والثاني العالم بأمر الله لا بأيامه وهم المفتون في الحلال والحرام. والثالث العالم بالله وبأيامه وهم الصديقون. ويكون طلاب العلم ثلاثة. الأول للعمل به. والثاني ليعرف الاختلاف فيتورع ويأخذ بالاحتياط. والثالث ليعرف التأويل ويجعل الحرام حلالا. وفي قسمة أخرى طلاب العلم ثلاثة، علم الورع مخافة الاشتباه وهو الزاهد التقي، وعلم الاختلاف والأقاويل فيسقط الواجبات، ويتوسع ويترخص. والثالث يسأل عن شيء فيقال لا يجوز فيبحث عن حيلة حتى يجوز بناء على الاختلاف والشبهة. وإذا جمع المتعلم ثلاثا تمت النعمة عليه: الصبر، والتواضع، وحسن الخلق. وقد تكون القسمة رباعية بين العلماء والخائفين والمحبين والمؤثرين لله. الناس موتى إلا العلماء، والعلماء إلا الخائفين، والخائفون منقطعون إلا المحبين، والمحبون أحياء شهداء وهم المؤثرون لله.٢٠٦
وعلوم الدنيا أساس علوم الدين. ولا نظام للدين إلا بنظام الدنيا٢٠٧ وعندما تعرض للعالم مشكلات في الدين يحتاج إلى العارف عند حدوث شبهات في الصدر. فعالم الآخرة هو عالم الدين.
وتنقسم أعمال الدنيا إلى ثلاثة أقسام. الأول أصول وهي أربعة، الزراعة للمطعم، والحياكة للملبس، والبناء للمسكن، والسياسة للاجتماع والتعاون على أسباب المعيشة. والثاني فروع هذه الأصول لخدمتها مثل الحدادة للزراعة، والحلاجة والغزل للحياكة. والثالث المتمم للأصول والفروع مثل الطحن والخبز للزراعة، والقصاصة والخياطة للحياكة٢٠٨ وأشرفها السياسة لإرشاد الخلق. ويعرف شرف الصناعات بثلاثة أمور، بالغريزة وسيلة المعرفة مثل فضل العلوم العقلية على اللغوية. فالحكمة بالعقل واللغة بالسمع والعقل المشرق من السمع. وبالنظر إلى عموم النفع كفضل الزراعة على الصباغة وبملاحظة المحل كفضل الصباغة على الدباغة.

وعلوم الآخرة أربع مراتب: الأولى السياسة العليا للأنبياء وحكمهم على الظاهر والباطن للخاصة والعامة. والثانية للخلفاء والملوك والسلاطين وحكمهم على الظاهر للخاصة والعامة. والثالثة للعلماء وحكمهم على الباطن وحده للخاصة دون العامة. والرابعة للوعاظ وحكمهم على بواطن العوام. وتدرك العلوم الدنية، فقه الآخرة بكمال العقل وصفاء الزكاء. والعقل أشرف ما في الإنسان، وعموم نفعه، وشرق المحل وهو قلب البشر ونفوسهم. وعلوم الآخرة تنقسم أيضًا إلى علم المعاملة وعلم المكاشفة، الأول علم العمل، والثاني علم النظر. ثم ينقسم علم المعاملة إلى علم ظاهر يتعلق بأعمال الجوارح، وعلم باطن يتعلق بأعمال القلوب. وأعمال الجوارح إما عادة وإما عبادة. وعلم القلوب ينقسم إلى مذموم ومحمود.

وللعالم خمس علامات من علماء الآخرة: الخشية، والخضوع، والتواضع، وحسن الخلق، والزهد. ويقتضي التفقه في الدين النذارة والحذر لأنه يقيس الغائب على الشاهد. وعلم الآخرة من الذكر. وهو علم المشاهدة. والمشاهدة صفة عين اليقين. وإذا هرب العالم من الناس يؤتى إليه. وإذا طلب العالم الناس يفر منه.٢٠٩

(٨) علم العقل، وعلم الأحوال، وعلم الأسرار

وتنقسم العلوم إلى ثلاثة: علم العقل، وعلم الأحوال، وعلم الأسرار. يحصل علم العقل ضرورة بعد النظر في الدليل والعثور على وجه الدليل وشبهه في عالم الفكر. ومن النظر صحيح وفاسد. ويحصل علم الأحوال بالذوق. لا يحده عاقل ولا يعرف بدليل بل بالتجربة وحدها والذوق. وهو متوسط بين علم العقل وعلم الأسرار وإن كان أقرب إلى علم الأسرار وإلى علم العقل الضروري عند من شاهده، وأبعد عن علم العقل النظري.

أما علم الأسرار فإنه فوق العقل، من نفث الروح القدس في الرَّوع. يختص به النبي والولي. وينقسم بدوره إلى علمين: الأول يحصل بالعقل دون النظر لمجرد مرتبته. والثاني ينقسم إلى قسمين. الأول علم الأحوال ولكنه أشرف. والثاني علم الأخبار ويحتمل صدقًا وكذبًا. وصدقه من صدق المخبر وعصمته مثل الأخبار الواردة عن الأنبياء عن القيامة والجنة والحوض ووجود الله ولا شيء معه. وهو أشرف العلوم لأنه حاو لجميع العلوم٢١٠ لا يرفضه الذكي. يكفيه احتماله وجوازه. صدقه في نفسه بالرغم من صدق قائله. ينفع قبوله، ويضر نفيه. لا يبطل أركان الشريعة أو أصلًا من أصولها. ينال بالشهادة والإلهام. لا يطعن فيه متكلم أو فيلسوف أو فقيه لأنه يعتمد أيضًا على إدراك العقل الحدسي دون النظري. قد يصعب على الفهم من أجل العبارة. لذلك تستعمل الأمثلة والمخاطبات الشعرية للتعبير عنه.٢١١
والطريق إلى علم الأسرار للخاصة وليس للعامة على أربع شعب: بواعث ودواع وأخلاق وحقائق. وعليهم ثلاثة حقوق: حق الله وهو عبادته، وحق النفس وهو سلوك طريق سعادتها، وحق الخلق وهو كف الأذى عنهم. والدواعي خمسة: الهاجس وهو الخاطر، والإرادة، والعزم، والهمة والنية. والبواعث عليها ثلاثة، رغبة ورهبة وتعظيم. والرغبة اثنان، مجاورة ومعاينة. والرهبة من العذاب ومن الحجاب. والأخلاق ثلاثة أنواع: متعد، وغير متعد، ومشترك. والمتعدي لجلب منفعة أو لدفع مضرة. والحقائق أربعة، الذات والصفات والأفعال والمفعولات وهي الأكوان. وهي على ثلاث مراتب، علوية وهي المعقولات وسفلية وهي المحسوسات وبرزخية وهي المخبلات. الذاتية من غير تشبيه ولا تكييف ولا عبارة ولا إشارة، والصفاتية هي الأسماء والصفات المختلفة والمتقابلة والمتماثلة، والكونية معرفة الأرواح والبسائط والأجسام والاتصال والانفصال، والفعلية كن فيكون والقدرة. وكلها الأحوال والمقامات. فالمقام صفة للبقاء فيها مثل التوبة. والحال صفة للبقاء في وقت دون وقت كالمحو والغيبة والرضا أو تكون مشروطة مثل الصبر مع البلاء والشكر مع النعمة.٢١٢
وقد يتناول بعض مسائل هذا العلم المتكلم أو الفيلسوف أو صاحب النظر ولكنه لا يصبح بذلك صوفيًّا. فإن الفيلسوف يتناول الموضوع بالعقل الخالص بصرف النظر عن الدين على عكس الصوفي. ولا يعني ذلك أن ما يقوله الفيلسوف باطلًا بل هو مثل المتكلم والفقيه ما دام علمه قد بسطته العبارة وحسن التعبير عنه. أما علم الأسرار فإنه عويص على الأفهام، سمج العبارة، لا تدركه العقول الضعيفة المتعصبة التي لم تتهيأ للنظر والبحث. أما علوم الأحوال فمتوسطة بين علم الأسرار وعلم العقول. يتناوله أصحاب التجارب. هو إلى علم الأسرار أقرب وإلى علم العقول أبعد. لا تتوصل إليه العقول إلا عن طريق الأخبار. وهو أقرب إلى العلم العقلي الضروري أي إلى أوائل العقول وبداهاته. وهو ضروري عند أصحاب الأذواق.٢١٣
١  الإحياء، ج١، ٢٤.
٢  الإحياء ج١، ٢٤.
٣  «بيان القدر المحمود من العلوم المحمودة»، السابق، ج١، ٤٥–٤٨.
٤  «فيما يعده العامة من العلوم المحمودة وليس منها وفيه بيان الوجه الذي يكون به بعض العلوم مذموما، وبيان تبديل أسامي العلوم وهو الفقه والعلم والتوحيد والتذكير والحكمة، وبيان القدر المحمود من العلوم الشرعية والقدر المذموم منها …» السابق. ج١، ٢٣–٢٥.
٥  السابق، ج١، ٢٥–٢٣.
٦  «في العلم المحمود والمذموم وأقسامهما وأحكامهما وفيه بيان ما هو فرض عين وما هو فرض كفاية، وبيان أن موقع الكلام الفقه من علم الدين إلى أي حد هو وتفضيل علم الآخرة»، السابق، ج١، ٢٠–٣٥.
٧  السابق، ج١، ٢٦.
٨  قوت القلوب ج١، ٢٧٨.
٩  حديث «لا يفتي الناس إلا ثلاثة: أمير ومأمور أو متكلف»، السابق، ص٤٨٠.
١٠  طبقات الصوفية، ص٤٨٠.
١١  باب في تفسير العلوم، وبيان ما يشكل على فهم العلماء من علوم الخاصة وتصحيح ذلك بالحجة»، اللمع ٤٥٥–٤٥٨، ٤٧٦-٤٧٧.
١٢  «مساكين أخذوا ميتًا عن ميت وأخذت علما من الحي الذي لا يموت»، شطحات، ص١٠٠.
١٣  «الناس يقولون به، وأنا أقول منه»، السابق، ص١٠٠–١٠٤.
١٤  قوت القلوب ج١، ٢٧٩-٢٨٠.
١٥  «إنما حسن طلب العلم وإخبار الرسول لمن يطلب المخبر به أو المخبر عنه. فأما طلبه ليزين نفسه عند الخلق فإنه يزداد بعدًا من الله ورسوله»، السابق، ص١٥٠.
١٦  السابق، ص١٥٥.
١٧  «تفضيل الأخبار وبيان طريق الإرشاد وذكر الرخصة والسعة في النقل والرواية»، السابق، ٣٥٩–٣٦٤.
١٨  طبقات الصوفية، ص٥٥.
١٩  التستري، ص١٣٥، ١٦٦.
٢٠  طبقات الصوفية، ص٢٨٥.
٢١  السابق، ص٥٠٣.
٢٢  قوت القلوب ج١، ٢٣٨.
٢٣  السابق، ص٣٠٧.
٢٤  السابق، ص٤٢١.
٢٥  «فضل علم المعرفة واليقين على سائر العلوم، وكشف طرق علماء السلف الصالح من علماء الدنيا والآخرة»، السابق، ج١، ٢٦٧–٢٧٧.
٢٦  السابق، ص٢٩-٣٠.
٢٧  «وقال لي: هذه عبارتي وأنت تكتب، فكيف وأنت لا تكتبت؟»، المواقف، ص٧٠.
٢٨  السابق، ص١١١–١١٣.
٢٩  السابق، ص١١٥.
٣٠  السابق، ص١١٦.
٣١ 
فخذ حديثي، حسبي، أنت تعلمه
لا اللوح يعلمه حقًّا ولا القلم
الديوان، ص١٢٠.
٣٢ 
أشار لحظي بعين علم
بخالص من خفي فهم
ولاثم لاح في ضميري
أدق من فهم وهم وهمي
السابق، ص١٣٠.
٣٣ 
لم يبق بيني وبين الحق تبياني
ولا دليل بآيات وبرهان
لا يعرف الحق إلا من يعزه
لا يعرف القدمي من المحدث الفاني
لا يستدل على الباري بصنعته
رأيتم حدثًا من ينبي عن أزمان؟
كان الدليل له منه إليه به
من شاهد الحق في تنزيل فرقان
كان الدليل له منه وبه وله
حقًّا وجدنا به علمًا بتبيان
هذا وجودي وتصريحي ومعتقدي
هذا توحد توحيدي وإيماني
هذي عبارة أهل الانفراد به
ذوي المعارف في سر إعلان
هذا وجود وجود الواحدين له
التجانس أصحابي وخلاني
السابق، ص٣٢٤-٣٢٣.
٣٤ 
إن كتابي يا أنا
من فرط سقم وضني
وعن فؤادي هائم
وعن سقام وعني
وعن بكاء دائم
جري فأجري للفنا
وعن جفون أرقت
فما تذوق الوسنا
السابق، ص٣٣.
٣٥ 
كتبتُ ولم أكتب إليك وإنما
كتبت إلى روحي بغير
وذلك أن الروح لا فرق بينها
وبين محبيها بفصل خطاب
وكل كتاب صادر منك وارد
إليك بلا رد الجواب جوابي
الديوان، ص٢٩.
٣٦  طبقات الصوفية، ص٤٩٠.
٣٧  السابق، ص٤٩٦.
٣٨ 
لا يبلغ الأعداء من جاهل
ما يبلغ الجاهل من نفسه
الإشارات، ص٢٢٣.
٣٩  «هذا ما أفضى إليه نظري. ووقف عليه بصري. واحتوي نحوه وردي وصدري. وطاح في عرضه خطري وغرري بعد الاستخارة المقدمة والاستشارة المتممة وبعد توجه القلب لصفاء الضمير … فإن سرك أن تبرز بهذه الخلعة، وتتملص من ضرورة الخدعة، وتفوز بضرائب المتعة عد المتعة فأفعل. فإن الحظ في ذلك كله لك، والربح في يدك، والغبطة مكتنفة نظرتيك مشتملة عليك»، السابق، ص٣٣٦-٣٣٧.
٤٠  «القول حجة على القائل متى لم يؤيدها بما يحققه. والسماع وبال على السامع متى لم يؤكده بما يشهد الوجد به»، السابق، ص٣٦٣.
٤١ 
والنار يعرفه من كان قداحًا
والشكل يعرفه من كان نواحًا
السابق، ص٤٠٩.
٤٢  الحلاج: الأعمال الكاملة، الروايات أو الأحاديث، ص٢٧٥–٢٦٩.
٤٣  «قال: الشأن والقلب مما خالا»، السابق، ص٢٧٢.
٤٤  «حدثنا بالرؤيا الصادقة عن الملك الحكيم»، السابق، ص٢٦٩.
٤٥  السابق، ص٢٧٠.
٤٦  «حدثنا ساعة الساعات، عن الحسن، عن الإحسان، عن الإرادة، عن الله»، السابق، ص٢٧٢.
٤٧  «حدثنا عن الإيمان بالمعروف عن اليقين الموجود عن العلم القديم»، السابق، ص٢٦٩.
٤٨  «حدثنا الفهم المبين، عن القرآن المجيد، عن محمد، عن جبريل، عن الله»، السابق ص٢٧٠.
٤٩  «حدثنا الاسم العزيز عن الروح القديم عن المعنى المحيط عن الله تعالى»، السابق ص٢٧١.
٥٠  «حدثتنا الفطرة الساطعة. قالت حدثتني المعرفة الأصلية عن الكلمة العليا وصنع المجيد»، السابق، ص٢٧٤.
٥١  «حدثنا العيان اليقين. قال: حدثنا الحق الأعلى عن الجليل الوحيد عن الحدين: الركن والمقام، السابق، ص٢٧٤.
٥٢  «حدثني روح الحياة ونور السمع والبصر قال: حدثنا القدم. قال: حدثني الغيب عن الاسم المبين عن الله»، السابق، ص٢٧٤.
٥٣  «حدثنا السماء والأرض. قالا: حدثتنا الفطرة عن القدرة عن الجلال القريب عن الله»، السابق، ص٢٧٤.
٥٤  «حدثنا بالرؤيا الصادقة عن الملك الحكيم. قال: حدثنا الكروب الكبير عن اللوح المحفوظ عن العلم»، السابق، ص٢٦٩.
٥٥  «حدثنا الطور، عن ياقوت النور، عن صاحت الميزان» السابق، ص٢٧١.
٥٦  «حدثنا المملوك البصير عن الملك عن الملك الشاخص عن المالك المتدبر عن الحي السميع البصير»، السابق، ص٢٧٢-٢٧١.
٥٧  «حدثنا الميثاق، عن البرهان، عن جمع القرآن»، السابق، ص٢٧٠.
٥٨  «حدثنا البلاء والنعمة عن القضاء والقدر عن الركن عن صاحب الركن واليمين»، السابق ص٢٧١.
٥٩  «حدثنا العقل الوجيه عن سدرة المنتهي عن الحياة الدائمة عن الروح المكنون»، السابق، ص٢٦٩.
٦٠  «حدثنا قوس الله المشرقة بالأنوار عن المشارق عن البروج عن القطب عن صاحب هبابة المراح عن المدبرات عن الحكمة عن الكلمة المتصلة الكبرى»، السابق، ص٢٧٣.
٦١  «حدثنا بيت الله تعالى، عن قوس الله، عن بيت الله الوسيع»، السابق، ص٢٧٠.
٦٢  «حدثنا رجب. قال: حدثتنا العزة عن صاحب الحجاب على خَادم البيت المعمور قال: حدثنا صاحب ستر الأقصى عن السفير الأعلى»، السابق، ص٢٧٢.
٦٣  «حدثنا رجب قال: حدثتنا العزة عن صاحب الحجاب عن خَادم البيت المعمور قال حدثنا صاحب ستر الأقصى عن السفير الأعلى»، السابق، ص٢٧٢.
٦٤  «حدثنا الياقوت الأحمر عن الضياء المخمر، عن الصورة الكائنة، عن الشأن المشهود، عن الحق جل جلاله»، السابق، ص٢٧٠.
٦٥  «حدثتنا خضرة النبات وألوان الأنوار عن حياة القدم»، السابق، ص٢٧١.
٦٦  «حدثنا الخلق عن الظل الممدود عن شاهد المعظم عن النور الفريد»، السابق، ص٢٧١.
٦٧  «حدثنا ريح الجنوب عن ميم الخازن عن عقاد المن عن جبل البروق عن بحر من البحر الشعاعي»، السابق، ص٢٧٢.
٦٨  «حدثنا السحاب المتراكم، عن البرق الخاطف، عن الرعد المقدس، عن الملك اللطيف، عن القوة المحمية الغيب المنهمر في أفق النور بين الشمس والقمر»، السابق، ص٢٧٠.
٦٩  «حدثنا السجنج، عن الفجر، عن القدس، عن الفردوس الأعلى، عن عدن المعبود، عن قبة الأزلية»، السابق، ص٢٦٩.
٧٠  «حدثنا الهلال اليماني، عن الطائر الميمون وحيدرة الملك، ونشر التشوب وصورة الجود، عن النور الثابت، عن الوجود، عن لسان الغيت اللطيف»، السابق، ص٢٧٣.
٧١  «حدثنا عن الميزان سنة مائتين وسبعين. قال حدثنا العصر الخاطب سنة سبعا من المبعث عن الولي القريب»، السابق، ص٢٧٣.
٧٢  «حدثتنا الصورة الحسنة عن الجمعة القائمة عن شاهد الكعبة»، السابق، ص٢٧٣.
٧٣  «حدثنا العصر الماضي عن الأمر المبين عن المالك الكبير»، السابق، ص٢٧٤.
٧٤  قوت القلوب ج١، ٢٦٤، ٢٩٩.
٧٥  الفتوحات «في معرفة الاستقراء وصحته من سقمه)، ج١، ٢٨٤-٢٨٥.
له حكم ولا يعطيك
علما فصورته كمنزلة الظلال
فلا تحكم بالاستقراء قطعًا
فما عين الغزالة كالغزال
وإن ظهرت بالاستقرا علوم
فما حكم التضمر كالهزال
السابق، ص٢٨٤.
٧٦  طبقات الصوفية، ص٣٩٩.
٧٧ 
للعلم أهل وللإيمان ترتيب
وللعلوم وأهليها تجاريب
والعلم علمان، مطبوع ومكتسب
والبحر بحران مركوب ومرهوب
الحلاج، الديوان، ص٢٩١-٢٩٢.
٧٨ 
خاطبني الحق من جناني
فكان علمي على لساني
السابق، ص٣٢٩.
٧٩ 
قلوب العارفين لها عيون
تري ما لايراه الناظرونا
وألسنة بأسرار تناجي
تغيب عن الكرام الكاتبينا
وأجنحة تطير بغير ريش
إلى ملكوت رب العالمينا
وترتع هي رياض القدس طورًا
وبشرب من بحار العارفينا
فأورثنا الشراب علوم
تشف عن علوم الأقدمينا
شواهدها عليها ناطقات
تبطل كل دعوى المدعينا
عباد أخلصوا في السر حتى
دنوا منه وصاروا واصلينا
السابق، ص٣٣١–٣٣.
٨٠  قوت القلوب ج١، ٢٨٢.
٨١  «الغالون هم الشاطحون لأنهم قد جاوزوا العلم ومحوا الرسم فأسقطوا الحكم. والمبطلون هم المدعون المبتدعون لأنهم حاولوا بالباطل ليدحضوا به الحق وافتروا بالدعوى وابتدعوا بالرأي والهوى. والجاهلون هم المنكرون لغرائب العلم المفترون لما عرفوا من ظاهر العقل»، السابق، ج١، ص٣٥٦.
٨٢  «فالعلماء الذين هم ورثة الأنبياء هم الورعون في دين الله، الزاهدون في فضول الدنيا، الناطقون بعلم اليقين والقدرة لا علم الرأي والهوى، الصامتون عن الشبهات والآراء. لا يختلف هذا إلى يوم القيامة عند العلماء الشهداء على الله برأي قائل، ولا بقول مبطل جاهل» السابق، ص٣٥٨.
٨٣  «ما قالوا في المعرفة وصفة العارف، وحقيقة ذلك ببيانها»، اللمع ٥٦–٦٠، «ثنائية المعرفة في رأي أبي سعيد الخراز»، السابق، ص٥٦. في صفة العارف وما قالوا فيه»، السابق، ص٦٢-٦١ «قول القائل بم عرفت الله، والفرق بين المؤمن والعارف»، السابق ص٦٣-٦٤.
٨٤  «تفضيل علم الإيمان واليقين على سائر العلوم والتحذير من الزلل فيه»، السابق، ج١، ٣٥٣– ٣٥٩.
٨٥  «في معرفة تحصيل علم الإلهام بنوع ما من أنوع الاستدلال ومعرفة النفس»، الفتوحات ج١ ٢٨٥–٢٨٧.
لا تحكمن بإلهام تجده فقد
تجده وي غير ما يرضاه واهبه
فاحذره إن له في كل طائفة
حكما إذا جهلت فينا مكاسبه
لا تطلبن من الإلهام صورته
فإن وسواس إبليس يصاحبه
السابق، ص٢٨٥.
٨٦  «في معرفة أسرار أهل الإلهام المستدلين ومعرفة علم إلهي خاصة على القلب تفرق خواطر وتشتتها»، السابق، ٢٨٨–٢٩٢.
إذا أعطاك الإلهام علمًا
تحققه فأنت سه سعد
فحقق والتمس علما وحيدًا
كعلمك إنك الخلق الجديد
السابق، ٢٨٨.
٨٧  التستري، ص١٨٧.
٨٨  «بيان ما يذل من ألفاظ العلوم»، الإحياء ج١، ٣٨–٤٥.
٨٩  «في سبب إقبال الخلق على علم الخلاف وتفصيل آفات المناظرة والجدل وشروط إباحتها»، السابق، ج١، ٤٨–٤٥.
٩٠  «ألا يناظر إلا في مسألة واقعة وقريبة الوقوع غالبًا فإن الصحابة ما تشاوروا إلا فيما تجدد من الوقائع أو ما يغلب وقوعه كالفرائض. ولا نرى المناظرين يهتمون بانتقاد المسائل التي تعم البلوي بالفتوى فيها بل يطلبون الطبوليات التي تسمع فيتسع مجال الجدل فيها كيفما كان الأمر. وربما يتركون ما يكثر وقوعه، ويقولون هذه مسألة خبرية أو هي من الزوايا وليست من الطبوليات»، السابق، ص٥٠.
٩١  «بيان آفات المناظرة وما يتولد منها من مهلكات الأخلاق»، الإحياء ج١، ٥١–٥٤.
٩٢  المحاسبي رسالة المسترشدين، ص٧٧–٧٩.
٩٣  «عند أحمد بن حنبل أهل الكلام زنادقة، وعند أبي يوسف من طلب العلم بالكلام تزندق»، قوت القلوب ج١، ٢٨٢.
٩٤  الفتوحات ج١، ٣٤-٣٥.
٩٥  «فهذه عقيدة العوام من أهل الإسلام أهل التقليد وأهل النظر ملخصة مختصرة»، السابق ص٣٨. وقد كتب فيها ابن عربي «رسالة المعلوم من عقائد أهل الرسوم».
٩٦  السابق، ٣٨–٤١.
٩٧  الفتوحات ج١، ٤١–٤٧.
٩٨  «من عرف في الشاهد لم يخل بالغائب. ومن اعتنق الغائب لم يلتفت إلى الشاهد. ومن تذبذب بينهما فهو الساقط الهابط»، التوحيدي: الإشارات الإلهية، ص٣٧٥.
٩٩  «عد بنا إلى متن التوحيد وإلى عمق المعرفة وإلى عقبان الوجد وإلى آخر مدى التوكل وإلى العلل العارضة في هذه الأحوال وإلى الواضحات الواردة بالأشكال وإلى المشكلات الصادرة بالداء العضال. فإن الخوض في هذه الأشياء أنفع من المهاترة فيما كنا فيه لأن الكلام مع الخصم من المهاترة والمناظرة والمذاكرة. فأما المهاترة فباب ينشا من التنافس وإيثار الغلبة. وأما المذاكرة فالمقصود بها طلب الفائدة كالرأي المعروض على العقول المختلفة إلى أن يقع الاختيار عليه بعد الاتفاق. وأما المناظرة فمتوسطة بين المهاترة والمذاكرة قد تفضي إلى المنافسة وقد توجد بها الفائدة»، السابق، ص١٠٨.
١٠٠  «هنا زلقت أقدام المتكلمين، وانتكست أعلام المتحذلقين … ونظروا في الآية مستهزئين. وركنوا إلى عقولهم مفتخرين متعززين فنكصوا على أعقابهم خائبين خاسرين»، السابق، ص١١٢.
١٠١  «ارجع إلى لغات المطالبة بالشكر على إبراز جملة محشوة بالحياة. ثم انظر إلى حيرة العقل في سر هذه الحياة … فالتفت إلى هاتف الحقائق … فبهذا ونظائره تشرف على عيوب العبودية»، السابق، ص٣٣٤.
١٠٢  قوت القلوب ج١، ٣٢١.
١٠٣  التستري، ص٢٨١–٢٨٣.
١٠٤  «من نظر إلى الناس بالعلم مقتهم. ومن نظر إلى الناس بالحقيقة رحمهم» شطحات الصوفية، ص١٠٥، ١٠٨-١٠٩.
١٠٥  فضل علم الباطن على الظاهر، قوت القلوب ج١، ٢٨٣-٢٨٤.
١٠٦  التستري، ص٣٨١.
١٠٧  السابق، ص٢٩٣–٢٩٥.
١٠٨  السابق، ص٢٦٤.
١٠٩  قوت القلوب ج١، ٣٢١.
١١٠  التستري، ص٢٧٨، ٢٨٢.
١١١  السابق، ص٢٩٨.
١١٢  السابق، ص٢٨١–٢٨٣.
١١٣  السابق، ص٢٨٧.
١١٤  السابق، ص٢٩٢.
١١٥  السابق، ص١٩٨.
١١٦  السابق، ص٣٦٤.
١١٧ 
فكيف، والكيف معروف بظاهره
فالغيب باطنه للذات بالذات
الديوان، ص٢٩٥.
١١٨ 
يا لائمي في هواه كم تلوم فلو
عرفت منه الذي عنيت لم تلم
للناس حج ولي حج إلى سكني
تهدى الاضاحي وأهدي مهجتي ودمي
تطوف بالبيت قوم لا بجارحة
بالله طافوا فأغناهم عن الحرم
السابق، ص٣٢٢.
١١٩ 
وظاهرًا باطنًا تجلي
لكل شيء بكل شيء
السابق، ص٣٣٥.
١٢٠  عوارف المعارف، ج١، ٢٥٤-٢٥٥، ٢٦٢.
١٢١  أبو العباس الدينوري، طبقات الصوفية، ص٤٧٧.
١٢٢  السابق، ص٥١٥.
١٢٣  «يا شبيبة العلم اطلب في العلم العلم. فغير ما أنت فيه من العلم علم. ويا شبيبة الزهد، اطلب في الزهد الزهد. فغير ما أنت فيه من الزهد زهد. ويا شبيبة التقوى: اطلب في التقوى التقوى. فغير ما أنت فيه من التقوى تقوى»، شطحات، ص٧١.
١٢٤  «يرزق العبد الحلاوة. فلفرحه بها يمنعه من حقائق القرب»، السابق، ص١٠٢.
١٢٥  «على الباب صوت وصياح واضطراب من شوق صاحب الدار وخوفه. وفي الدار سكون وتعظيم وهيبة وأدب لمعرفة صاح الدار»، السابق، ص١٣٠.
١٢٦  حديث «من عمل بما يعلم ورثه الله علم ما لا يعلم»، والعلم علمان: علم ظاهر وهو حجة لله على خلقه، وعلم باطن وهو العلم النافع»، السابق، ص١١٢.
١٢٧  المواقف، ص١٧٩.
١٢٨  شطحات، ص١١٠.
١٢٩  عبد الغني النابلسي: في حكم شطح الولي، عبد الرحمن بدوي: شطحات الصوفية ص ١٩٩–١٩١.
١٣٠  «إذا جاءك التأويل فقد جاءك حجابي الذي لا أنظر إليه ونعتي الذي لا أعطف عليه»، المواقف، ص١٤٩.
١٣١  السابق، ص١٨٣.
١٣٢  «تلاوة النهار باب إلى الحفظ. والحفظ باب إلى تلاوة الليل. وتلاوة الليل باب إلى الفهم. والفهم باب إلى المغفرة»، السابق، ص١٩٤.
١٣٣  عوارف العارف، ج١، ٢٥٥–٢٥٨.
١٣٤  أبو العباس القاسم اليساري، طبقات الصوفية، ص٤٤٧.
١٣٥  أبو بكر محمد بن داود الدقي، السابق، ص٤٩٩.
١٣٦  إنه يعلم الجهر من القول، ويعلم ما تكتمون، التفسير، ص١٣٠-١٣١.
١٣٧  السابق، ص١٤٤.
١٣٨  قل لو كان البحر مدادًا، التفسير، ص١٢٧-١٢٨.
١٣٩  كما هو الحال عند بعض فلاسفة الوجود مثل هيدجر وسارتر.
١٤٠  «يدعوك الله إلى حظك، تارة بظاهر تنزيله، وتارة بباطن تأويله، وتارة على لسان رسوله وتارة بخافي دليله، وتارة بواضح سبيله …» الإشارات ٣٢-٣٣.
١٤١  «وهذا تميز بلفظ مستعار ومجاز مستعمل وقول ضعيف. وإلا فالآية ظاهرة بسلطانها، عالية ببرهانها، راجعة إلى روح اليقين من العارفين وسلامة التسليم من المريدين»، السابق، ص١٢٧.
١٤٢  السابق، ص١٤١-١٤٢.
١٤٣  «في نعت طبقات أصحاب الحديث، ورسمهم في النقل، ومعرفة الحديث، وتخصيصهم بعلمه»، اللمع، ص٢٥-٢٤.
١٤٤  «ذكر طبقات الفقهاء وتخصيصهم بما ترسموا به من أنواع العلوم، السابق، ص٢٦-٢٧.
١٤٥  البيان عن علم التصوف، ومذهب الصوفية، ومنزلتهم من أول العلم القائمين بالقسط» السابق، ص٢١–٢٣.
١٤٦  «ذكر الصوفية وطبقاتهم، وما ترسموا به من العلم والعمل، وما خصوا به من الفضائل وحسن الشمائل»، اللمع، ص٢٨.
١٤٧  «ذكر تخصيص الصوفية بالمعاني التي قد ترسموا لها من الآداب والأحوال والعلوم التي تفردوا بها من جملة العلماء»، السابق، ص٢٩–٣٠.
١٤٨  «تخصيص الصوفية من طبقات أهل العلم في معان أخر من العلم»، السابق، ص٣١–٣٣.
١٤٩  «والناس في زماننا هذا إلى مثل ذلك أميل لأنه أقرب إلى طلب الرياسة واتخاذ الجاه عند العامة والوصول إلى الدنيا»، اللمع، ص٣٣.
١٥٠  «إثبات علم الباطن، والبيان عن صحة ذلك بالحجة»، السابق، ص٤٣-٤٤.
١٥١  «الرد على من زعم أن الصوفية قوم جهلة، وليس لعلم التصوف دلالة من الكتاب والأثر». اللمع، ص٣٤-٣٥.
١٥٢  «ذكر اعتراض الصوفية على المتفقهة، وبيان الفقه في الدين ووجه ذلك بالحجة»، السابق، ٣٨-٣٩.
١٥٣  «ذكر التخصيص في علوم الدين، وتخصيص كل علم بأهله، والرد على من أنكر علما برأيه، ولم يدفع ذلك إلى أهله وإلى من يكون ذلك من شانه»، السابق، ص٣٨-٣٩.
١٥٤  التستري، ص١٥٤.
١٥٥  «يا عبد تريد قيام الليل، وتريد توقر أجزاء القرآن. هناك لا تقوم. إنما يقوم الليل من قام إليَّ لا إلى ورد معلوم ولا إلى جزء مفهوم. هنالك أتلقاه بوجهي فيقف بقيوميته. لا يريد لي ولا يريد مني. فإن شئت أن أحادثه حادثته. وإن شئت أن أفهمه أفهمته. انصرف أهل الورد حين بلغوه. وانصرف أهل الجزء من القرآن حين درسوه. ولم ينصرف أهلي فكيف ينصرفون؟»، المخاطبات، ص٢٦٧.
١٥٦  التستري، ص٢٨٨.
١٥٧  والقرآن المجيد، شيء عجيب، الحلاج: التفسير، ص١٤٦.
١٥٨  الرحمن علم القرآن، السابق، ص١٤٨.
١٥٩  طبقات الصوفية، ص٤٩٢.
١٦٠ 
إذا ما وجود الناس فات علومهم
فعلمي لوجدي صاحب وفرين
السابق، ص٢٦٩.
١٦١  التستري، ص١٧٥.
١٦٢  السابق، ص٣٨٠-٣٨١.
١٦٣  السابق، ص٣٧٩، ٤٠٠.
١٦٤  السابق، ص٤١٢.
١٦٥  أبو بكر بن أبي سعدان، طبقات الصوفية، ص٤٢١.
١٦٦  جعفر بن محمد، السابق، ص٤٣٩.
١٦٧  السابق، ص٤٨١.
١٦٨  السابق، ص٥١٤.
١٦٩  شطحات الصوفية، ص١٦٥.
١٧٠  بندار بن الحسين الشيرازي، طبقات الصوفية، ص٤٦٨-٤٦٩.
١٧١  أبو بكر الطمستاني، السابق، ص٤٧٣.
١٧٢  أبو العباس الدينوري، السابق، ص٤٧٧.
١٧٣  أبو عثمان المغربي، السابق، ص٤٨١.
١٧٤  السابق، ص٤٦٦.
١٧٥  شطحات الصوفية، ص١٧٣.
١٧٦  طبقات الصوفية، ص٤٨٦-٤٨٧.
١٧٧  السابق، ص٤٦٨-٤٦٩.
١٧٨  السابق، ص٤٤٥-٤٤٦.
١٧٩  السابق، ص٤٩٠-٤٩١.
١٨٠  السابق، ص٥١٧.
١٨١  قَالُوا إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ السابق، ص٧٣.
١٨٢  «اللهم افهمني عنك فإني لا أفهم عنك إلا بك»، السابق، ص٢٠٩–٢٢٥.
١٨٣  أبو الحسن البسري، طبقات الصوفية، ص٤٩٠-٤٩١.
١٨٤  أبو عبد الله الروزباري، السابق، ص٤٩٩.
١٨٥  أبو عبد الله الدينوري، السابق، ص٥١٧.
١٨٦  السابق، ص٤٨٩.
١٨٧  طبقات الصوفية، ص٤٨١-٤٨٢.
١٨٨  السابق، ص٥٠٦.
١٨٩  «ما هذه السعاية التي سعيت بي إلى خلق الله؟ أتريد أن يفشو سري مع الله خلق الله» شطحات، ص١٣٧.
١٩٠  السابق، ص١٨١.
١٩١  السابق، الشطحات، ص٢٢٠.
١٩٢  الفضيل بن عياض، طبقات الصوفية، ص١٠، ١١.
١٩٣  بشر الحافي، السابق، ص٤٤.
١٩٤  هي آية وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا، وما عند الله خير وأبقي، عند شقيق البلخي، السابق، ص٦٤.
١٩٥  أبو سليمان الداراني، السابق، ص٨٠.
١٩٦  أحمد بن أبي الحواري، طبقات الصوفية، ص١٠٢.
١٩٧  عبد الله بن خبيق الأنطاكي، طبقات الصوفية، ص١٤٣.
١٩٨  «نكص على عقبك في كلامك قليلا حتى أعرف ما تقوله»، شطحات، ص٧٣.
١٩٩  «نعم القوم، تكلموا من بحر صفاء الأحوال. وأنا أتكلم من بحر صفاء المنة. فتكلموا ممزوجا وأتكلم صرفا. كم بين من يقول: أنا وأنت وبين من يقول: أنت انت»، السابق ص١٠٣.
٢٠٠  «تفصيل العلوم، معروفها وقديمها، ومحدثها ومنكرها»، قوت القلوب ج١، ٣٣٩–٣٥٢.
٢٠١  حديث «إن الله تعالى يبغض الثرثارين والمتشدقين».
٢٠٢  «تفضيل علم الإيمان واليقين على سائر العلوم والتحذير من الزلل فيه»، قوت القلوب ج١، ٣٥٣–٣٥٩.
٢٠٣  «كشف طريق علماء السلف الصالح من علماء الدنيا والآخرة»، السابق، ج١، ٢٦٧–٢٧٤.
٢٠٤  «وصف العلم وطريقة السلف وذم ما أحدث المتأخرون من القصص والكلام»، السابق ص٢٧٩–٣٣١.
٢٠٥  «ما أحدث الناس من القول والفعل فيما بينهم مما لم يكن عليه السلف»، السابق ص٣٣١–٣٣٨.
٢٠٦  الفرق بين علماء الدنيا وعلماء الآخرة، وذم علماء السوء الآكلين بعلومهم الدنيا»، السابق، ج١، ٢٨٥–٢٩٦.
٢٠٧  «إن مقاصد الخلق مجموعة في الدين والدنيا. ولا نظام للدين إلا بنظام الدنيا. فإن الدنيا مزرعة للآخرة. وهي الألة الموصلة إلى الله عز وجل لمن اتخذها آلة ومنزلا لا لمن يتخذها مستقرًّا ووطنًا. وليس ينتظم أمر الدنيا إلا بأعمال الآدميين وأعمالهم وحرفهم وصناعتهم» الإحياء ج١، ١٩-٢٠.
٢٠٨  وذلك مثل بدن الإنسان الأصول كالقلب والكبد والدماغ وفروع خاصة لها كالمعدة والعروق والشرايين والأعصاب والأوردة، ومكملة ومزينة لها كالأظافر والأصابع والحاجبين.
٢٠٩  السابق، ج١، ١٠-١١، ٢١.
٢١٠  الفتوحات ج١، ٣١–٣٣.
٢١١  وهو علم الخضر مع موسى. وفيه قال الرضا من حفدة علي:
يا رب جوهر علم لو أبوح
به لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا
ولاستحل رجال ملمون دمي
يرون أقبح ما يأتونه حسنا
السابق، ج١، ٣٢.
٢١٢  السابق، ج١، ٣٣-٣٤.
٢١٣  السابق، ج١، ٣٢-٣٣.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤