ولا يوجد فصل تاريخي حاد بين مراحل مسار الوعي
الصوفي في التاريخ. ففي بعض المؤلفات يظهر الوعي
النظري والوعي العملي على السواء كما هو الحال في
«عوارف المعارف» للسهروردي. كما يظهر الوعي العملي
مع الوعي التاريخي والنظري في شطحات الصوفية
وآدابهم في «اللمع» وفي علاقة الشيخ بالمريد في
«الرسالة القشيرية».
كما لا يوجد فصل زماني بين مراحل تشكل الوعي. بل
تتداخل المراحل فيما بينها في الزمان. قد يبدأ شكل
من أشكال تطور الوعي التاريخي قبل زمانه. وقد يستمر
بعد زمانه. فالمرحلة تعبر عن الذروة. يتشكل الوعي
التاريخي ببطء. ويحتاج إلى وقت ليبدأ
وينتهي.
يبدأ الوعي التاريخي يتخلق عند الصوفية المبدعين
المؤرخين الذين تجمع أعمالهم بين الإبداع الصوفي
والتأريخ للصوفية مثل الطوسي في «اللمع»، والقشيري
في «الرسالة القشيرية»، والهجويري في «كشف
المحجوب»، وقد يبدأ الوعي التاريخي أولًا بتاريخ
صوفية القرنين الثاني والثالث للقشيري، ثم بعد ذلك
البنية من خلال المصطلحات كما هو الحال في «الرسالة
القشيرية» وفي «اللمع» للطوسي، وقد يكون في الوسط
كفرق وليس كأسماء أعلام، كما هو الحال في «كشف
المحجوب» للهجويري. حدث ذلك منذ القرن الرابع
الهجري بعد أن تراكمت أعمال الصوفية في القرنين
الثاني والثالث. فالوعي التاريخي الصوفي تالٍ للوعي
الصوفي الموضوعي.
ولا يتم تحليل إلا الأعمال التي فيها يتخلق الوعي
التاريخي الخالص أو الوعي التاريخي الموضوعي. وتحلل
الأعمال الصوفية الخالصة في الوعي الموضوعي، والوعي
النظري والوعي العملي. أما التصوف كعلم، تعريف
التصوف ووصفه في نسق العلوم فإنه يتخلل المؤلفات
كلها سواء كأقوال متفرقة أو أبواب أو فصول أو
أقسام. أما الأعمال المتأخرة في الطبقات للشعراني
وللمناوي فإنها تدخل في مسار الوعي الصوفي المتأخر،
والعودة إلى التاريخ.
كان يمكن أيضًا تحليل كثير من كتب طبقات الصوفية
خاصة وقد امتد تاريخ الطبقات إلى مصر والمغرب، ولكن
بعض النماذج تكفي لإبراز الوعي التاريخي. فليست
الغاية التاريخ بل الوعي التاريخي وإلا تحول العمل
إلى تاريخ صرف كما هو الحال في الدوريات. أصبح مجرد
حصر ورصد تنوء به المكتبات العامة والخاصة بالمطبوع
والمخطوط دون الضائع.
(ب) طبقات الصوفية للسلمي (٤١٢ﻫ)٩
وإذا كان «اللمع» للطوسي يجمع بين تاريخ
التصوف والتصوف، وكان «قوت القلوب» يجمع بين
التصوف والتاريخ فإن «طبقات الصوفية» للسلمى
(٤١٢ﻫ) تاريخ خالص. فهو أول كتاب في تاريخ
التصوف على طريقة الطبقات، تلاه بعد ذلك «حلية
الأولياء» لأبي نعيم الأصفهاني و«عوارف
المعارف» للسهروردي حتى «الطبقات الكبرى»
للشعراني و«الطبقات الكبرى» للمناوي. فماذا
تعني الطبقة؟ هل هي المرتبة في الفضل أم هل هي
الجيل؟ وتضم الطبقة أعلام الصوفية موزعة على
خمس طبقات، ولا يمكن أن تعني أجيالًا إذا كان
الجيل أربعين عامًا وعاش السلمي في القرن
الرابع فيكون وراءه خمسة أجيال إذا كان الصوفية
قد بدءوا منذ القرن الثاني عند رابعة والحسن.
ومع ذلك، الطبقة هي الجيل في زمن
متقارب.
ولا تعني الطبقة التسلسل الزماني لأن ذكر
أعلام الصوفية خلال الطبقات لم يخضع لترتيب
زماني. وقد يكون الترتيب طبقًا للأهمية. وهي
أهمية نسبية. فما كان مهمًّا في عصره فإنه لم
يعد مهمًا في العصور التالية. إذ يذكر السلمي
مائة وثلاثة ليسوا كلهم على مستوى الأهمية،
ربما لم يبقَ منهم في العصور التالية إلا
الربع. ولا يوجد فاصل بين الطبقات إذ تتداخل
بينهما في الزمان. قد تكون الطبقات مجرد محاولة
للتصنيف. والواضح أن الطبقتين الأولى والثانية
من أعلام القرن الثالث في حين أن الطبقات
الثالثة والرابعة والخامسة من أعلام القرن
الرابع. وتتساوى أعداد الصوفية في كل طبقة،
عشرون في كل منها باستثناء الخامسة، ثلاثة
وعشرون.
وقد ينبع مفهوم الطبقة من تصور قرآني ونبوي
للتاريخ المنهار فَخَلَفَ
مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ
وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ، «خير
القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم»،
«الخلافة من بعدي ثلاثون سنة تتحول بعدها إلى
ملك عضوض».
ويمكن ذكر أسماء الأعلام دون تصنيفهم في
طبقات كما فعل السلمي في «كتاب الزهد». وإعادة
تصنيفهم طبقًا للطبقات يدل على وعي تاريخي أعمق بمساره.
١٠
وقد لا يكون سبب التأليف واضحًا وضوحًا
مباشرًا إلا من أن الصوفية هم أتباع الأنبياء.
١١ وكما لم يخلُ كل زمن من نبي، كذلك
لا يخلو كل عصر من ولي. فالأولياء أتباع
الأنبياء كما صرح الرسول «العلماء ورثة
الأنبياء». والولاية علم لدني، كالعلم
الإنساني. والصوفية مرحلة بعد الزهاد. ولكل
منهم طبقاته.
وتكتب
سيرة العَلَم بعدة عناصر أهمها: الأقوال
المأثورة التي تدل على التصوف عند العَلَم،
وتاريخ الميلاد ومكانه والوفاة لكل صوفي من أجل
معرفة زمانه في التاريخ، ونسبه، وشيوخه الذين
تعلم منهم، وتلاميذه الذين أنجبهم. وتخلو
السيرة من إبداء الرأي الخاص وكأنها مجرد مذكرة
طلابية، ويبدو أثر علم الحديث في ذكر سند
الرواية التي هي المصدر الرئيسي لسيرة العلم
الذاتية. فكل قول من أقوال الصوفية له سنده
الشفاهي أو المدون، وقد تطغى الرواية على
الأقوال المباشرة بحيث تكون حياة الصوفية
بذاتها شاهدًا وقولًا.
١٢ وتطعم الصورة بآية قرآنية أو حديث
نبوي مطابق لمفتاح الشخصية. وقد يصاغ القول
بطريقة فنية باستعمال فنون البلاغة، البيان
والبديع، والجناس والطباق والسجع والإيقاع حتى
يؤثر في النفس ويصبح قولًا مأثورًا.
١٣ فالنثر الفني مقدمة للشعر. وقد
تنسب أقوال إلى شخصين وهو ما يستحيل عمليًّا.
فمن صاحب القول؟
١٤ فالعبرة بالقول وليس بالقائل.
والأقوال نمطية، أقوال مأثورة تنسب إلى أكثر من صوفي.
١٥ معظمها بالعربية وأقلها ترجمة عن الفارسية.
١٦
وتتفاوت أسماء الأعلام من حيث الكم. أكبرهم
ذو النون المصري، وإبراهيم بن أدهم، وأبو بكر الشبلي.
١٧ ثم يتناقص الكم تدريجيًّا من
الفضيل بن عياض إلى بشر الحافي إلى الجنيد، ثم
إلى السري السقطي والبسطامي والداراني والكرخي
ويحيى بن معاذ وغيرهم. ويكشف رصد مرات التكرار
عن مدى أهمية الصوفي في عصره، درجته وطبقته في
التدوين. فأبو سعيد الخراز مثلًا أقل ذكرًا من
السابقين. ويكشف هذا التفاوت في الأهمية مدى
حضور الصوفي في التاريخ وفي وعي
المؤرخين.
ولا يوجد اسم واحد وافد من اليونان أو
الرومان أو فارس أو الهند، صحيح أن الكثير منهم
نشأ في فارس، ولكنهم تحولوا إلى الإسلام.
ونشَئوا فيه ثقافيًّا حتى وإن كانت خلفيتهم
السابقة ديانات فارس الزرادشتية أو المجوسية أو
المانوية. وصحيح أنه يذكر اسم الحكماء، ولكنهم
ليسوا حكماء اليونان بالضرورة.
١٨ فالتصوف نشأة محلية صرفة، موروث
وليس وافدًا مثل علم أصول الفقه، وعلم أصول
الدين، ومجموع العلوم النقلية الخمسة، القرآن،
والحديث، والتفسير، والسيرة، والفقه. وتذكر
عديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على
لسان الصوفي، وليس على لسان المؤرخ. ولأول مرة
يفوق الشعر القرآن والحديث.
١٩
والآن السؤال هو: هل التصوف أعلام أم رؤية؟
وإذا كان التصوف أعلامًا فهل الأعلام شخصيات
منفصلة عن بعضها البعض أم تمثل في مجموعها
مسارًا تاريخيًّا يكشف عن تاريخ التصوف كما
تكشف أقوالهم عن فلسفة دينية؟ عيب الأعلام أنها
تخلو من رؤية مسار، مجرد كشاف أعلام كالقواميس
والمعاجم والفهارس القديمة في مصر، التدوين
القديم أو الحديث تغلب عليه السطحية والسذاجة
والموضوعية القاتلة، ويمل قارئوها من الرتابة
والتكرار والتفكك والانقطاع.
(ﺟ) «حلية الأولياء» لأبي نعيم الأصفهاني (٤٣٠ﻫ)٢٠
ومن أضخم مدونات الوعي التاريخي إن لم يكن
أضخمها على الإطلاق «حلية الأولياء وطبقات
الأصفياء» لأبي نعيم الأصفهاني (ت٤٣٠ﻫ)؛ إذ يضم
ستمائة وثمان وتسعين علمًا، معظمهم من صوفية
القرنين الثالث والرابع.
٢١ ويصعب تحديد معنى «الطبقة» ومقياس
تصنيف الطبقات. فهو ليس الترتيب الأبجدي الذي
لم يعرفه القدماء إلا في قواميس اللغة. وهو ليس
الترتيب الزماني نظرًا لتداخل أزمنة الوفاة
لعديد من الأعلام. ولا يُذكر تواريخ ميلادهم
ولا وفاتهم في الغالب على عكس «طبقات السلَمي»
إلا نادرًا.
٢٢ وهو ليس ترتيب الأهمية. فمن أهم
الصوفية مثل ذي النون والجنيد والبسطامي
والحلاج لا يظهرون في البداية. وهو ليس ترتيبًا
في الفضل. فالكل متساوٍ فيه. ولم توضع الأعلام
في طبقات كما يوحي بذلك العنوان.
٢٣ بل توالت الأعلام واحدًا وراء
الآخر بترقيم حسابي صوري، ومن الغريب أن يذكر
حوالي سبعمائة علم دون ترتيب زماني أو موضوعي،
مجرد سرد بعد الجمع بين الأعلام والموضوعات في
التدوين السابق في «اللمع» و«قوت
القلوب».
ومعظمهم مجهولون وإن كانوا معروفين في عصرهم
باستثناء القلة. لم يسمع عنهم أو لم يبقَ منهم
أحد في الوعي التاريخي. لم يتركوا أعمالًا
مؤسسة أو سيرًا تبقى في الذاكرة كالرسول.
يتصدرهم جميعًا سفيان الثوري مما يدل على
أهميته وحضوره في الوعي التاريخي، ثم عمر بن
عبد العزيز مما يدل على أن الصوفي هو الصافي
العادل التقي الورع حاكمًا أو محكومًا، ثم
الشافعي مما يبين أنه لم يكن هناك فرق بين
الصوفي والفقيه، بين التأويل والتنزيل، ثم
إبراهيم بن أدهم مما يبين أهمية حياة الصوفي
وشخصه وما يروى عنه وليس فقط «مؤلفاته
وأقواله»، ثم أحمد بن حنبل الذي يضرب به المثل
فيما بعد للتيار السلفي حتى ابن تيمية كتيار
معادٍ للتصوف والصوفية كما كتب ابن تيمية فيما
بعد «الفرق بين أولياء الرحمن وأولياء
الشيطان»، ثم كعب الأحبار فقد كان بعض الصوفية
من أصول نصرانية، مثل وهب بن منبه، أمدوا علوم
التصوف بقصص الأنبياء كما فعل بولس مع المسيحية
وما سمي فيما بعد «الإسرائيليات»، ثم ذو النون
صاحب الروايات الشفاهية وأول من تحدث في
الحقيقة المحمدية بالإضافة إلى المحبة. ثم يأتي
باقي الصوفية في حضور أقل في الوعي التاريخي
مثل سفيان بن عيينة، والمحاسبي، والجنيد، ومالك
بن دينار، والحسن البصري، وداود الطائي، وأبو
سليمان الداراني، وبشر بن الحارث، ويحيى بن
معاذ، وحاتم الأصم، وعطاء بن رباح. ومن الصحابة
عبد الله بن مسعود، وأبو هريرة، وأبو ذر
الغفاري. ومن الأئمة جعفر الصادق، وزين
العابدين، ومحمد الباقر، ومحمد بن الحنفية، ومن
الخفاء الراشدين أبو بكر، والسري السقطي … إلخ.
٢٤ والكثير منهم صغير الحجم لا يتجاوز
صفحة واحدة. وقد كثرت الأعلام كما صغرت حجمًا
في الجزء العاشر والأخير وليس منهم أحد ذا شهرة
استمرت عبر التاريخ.
٢٥
ومعظمهم من الصحابة والتابعين وتابعي
التابعين والفقهاء والمحدثين دون أن يظهر لفظ
«صوفي»، لا في العنوان ولا في وصف العلم.
فالصوفي هنا تابع للصحابة والتابعين. ومحدث من
المحدثين، مما يدل على أن التصوف نشأ من الداخل
وليس من الخارج، وأنه استمرار لحياة الرسول
ولدور النبوة في التاريخ. والصوفية هم أتباع
الصحابة. وأحاديث الرسول هي قلب العلم. و«حلية
الأولياء» استئناف لعلم الحديث حول الصحابة
والتابعين والفقهاء، ومنهم الأولياء والأصفياء
أي الصوفية الأوائل. بل لا يستعمل لفظ صوفي «أو
صوفية» إلا بمعنى «صافي» أو «أصفياء» أو «ولي»
و«أولياء».
وقد جمع معهم أهل الصفة في قسم خاص، تسعة
وثلاثون منهم، في حزمة واحدة.
٢٦ أهمهم كيفًا وأكبرهم حجمًا، هو عبد
الله بن مسعود.
٢٧ ويذكرون كرواة عن الرسول، دون أن
تكون لهم آراء وأقوال خاصة بهم. ومعظمها روايات
لأفعال وحكايات عنهم. كما جمع «الأصفياء من
النساء» ذكر النساء الصحابيات، تسعة وعشرون
صحابية، وفي مقدمتهم فاطمة، وعائشة، وحفصة،
وزينب بنت جحش، وصفية، وأسماء بنت أبي بكر.
٢٨ ولا يوجد موضوع خاص لأي منهن تتفرد
به أو علامة رئيسية لشخصيتها. ويخصص الحديث عن
طبقة التابعين وحديث «خير القرون قرني»، وأول
الطبقة الأولى أويس القرني،
٢٩ والصوفية خلفاء التابعين وتابعي
التابعين. لهم أحاديثهم ورواياتهم مثل النبي.
يقوم التابعي بدور الصحابي في النصح والإرشاد.
فالسلوك القويم ما زال هو هدف الطبقات
المتتالية من الصحابة إلى التابعين إلى تابعي
التابعين إلى الأولياء والأصفياء، هم نواة الصوفية.
٣٠ ويتصدر الفقهاء كالشافعي وأحمد
باقي الأعلام، فالشافعي وأحمد وحدهما يذكر لهما
النسب والولادة، والمكان وتاريخ الوفاة والآثار
والمآثر مثل الدفاع عن الحديث والقرآن والقرابة
من الرسول القُرشي في النسب، والمفاضلة بينها
وبين باقة الفقهاء، والجدل ضد الفرق الضالة من
المتكلمين والفلاسفة مع أن الشافعي ليس له في
التصوف شيء. وأحمد بن حنبل مؤسس المدرسة
السلفية معاد للتصوف.
وهناك نعوت ظاهرة وأخرى باطنة يوصف بها
الأولياء، وينقاد لها العقلاء والصالحون،
ويغبطهم عليها الشهداء والنبيون. فهم المورثون
لكامل الذكر، المقيدون كلًّا منهم بشامل البر،
وهم المسلمون من الفتن والموقنون في المحن. وهم
المضطرون في الأطعمة واللباس، المبررة أقسامهم
عند النازلة والناس. تنفلق بيقينهم الصخور،
وبيمينهم تتفتق البحور. وهم سياق الأمم
والقرون. وبإخلاصهم يمطرون وينصرون. رفضوا باطن
العاجلة وظاهر بهجتها وزينتها. وهم المصونون عن
حقارة الدنيا والاغترار بها، المبصرون صنع
محبوبهم بالفكر والاعتبار. وهم مشغوفون به
وبوده، والمكلفون بخطابه وعهده. هم مصابيح
الدجى، وينابيع الرعد والحجى. خصوا بخفي
الاختصاص، ونقوا من التصنع. هم الواصلون
بالحبل، والباذلون للفضل، والحاكمون بالعدل. هم
المنبسطون جهرًا، المنقبضون سرًّا. يبسطهم روح
الارتياح والاشتياق. ويقلقهم خوف القطيعة
والفراق. هم المبادرون إلى الحقوق من غير
تسويف، والموفقون للطاعات من غير تطفيف.
٣١
يقوم تدوين التاريخ على نظرة مثالية له. فكل
شيء فيه يسير وفقًا لسلوك مثالي من الرسول إلى
الصحابة إلى التابعين إلى تابعي التابعين إلى
أهل الصوفية إلى الأولياء والأصفياء وهم
الصوفية. مع أن الرسول كان يجتهد في الرأي،
يخطئ ويصيب. وكان الصحابة يختلفون فيما بينهم.
ووقعت الفتنة الكبرى بينهم. وتصارعوا على الحكم
والسلطة. وسالت بينهم الدماء. أخذ الصوفية
المؤرخون إذن جانبًا واحدًا من التاريخ،
التاريخ المثالي، وتركوا التاريخ الواقعي.
أخذوا التاريخ الإلهي، وتركوا التاريخ
الإنساني. ردوا الكل إلى أحد أجزائه. مما قد
يسمح لمؤرخ معاصر آخر يرد نفس الكل إلى أجزاء
أخرى. ويكتب السيرة الأخرى للصحابة والتابعين
وتابعي التابعين.
٣٢ التصوف إذن هو قراءة للتاريخ من
منظور الصفوة المخلصة. والصوفي هو الإنسان
الكامل قبل أن يعيه ابن عربي والجيلي نظريًّا.
لذلك غابت النظرة النقدية للتاريخ. وتحول
التاريخ كله إلى تحقيق مثالي يغلب عليه المدح
والثناء لكل ما فيه من شخصيات وأحداث. التصوف
هو السلوك الفاضل للصحابة والتابعين، للخلفاء
الراشدين والحكام العادلين مثل عمر بن عبد
العزيز. ليس في حاجة إلى الاستشهاد بأحاديث
الرسول. تكفي الآيات التي هو تجسيد لها.
ونظرًا لضخامة «حلية الأولياء» وكثرة أعلامه
وآياته وأسانيده ورواياته، فإنه يحتاج إلى
فهارس ضخمة.
٣٣ واستبعاد الآيات والحضور الطاغي
للأحاديث يدل على خروج الصوفية المؤرخين من علم
الحديث. والعجيب شرحه وكأنه متن عويص الفهم في
حاجة إلى بيان. فهو ليس نصًّا عويصًا. لا صعوبة
فيه. قد يزيد معلومات على معلومات، وأحاديث على
أحاديث، وأقوال على أقوال دون أن يغير العلم من
الحديث إلى التصوف أو يضع فارقًا بينهما. ولا
يمكن زيادة التحليلات العقلية لغيابها أصلًا.
وإذا كان الشرح اختصارًا فإنه يبقي الصوفية
ويستبعد الفضلاء من المحدثين والفقهاء
والمفسرين.
ويذكر أسماء الأعلام بأشخاصهم دون موضوعات
على عكس الوعي النظري عندما تختفي الأعلام وراء
الموضوعات بداية بكتاب «التعرف لمذهب أهل
التصوف» للكلاباذي (ت٣٨٠ﻫ)، و«منازل السائرين»
للأنصاري الهروي (ت٤٨١ﻫ)، حتى «إحياء علوم
الدين» للغزالي (ت٥٠٥ﻫ)، واستئنافًا في «الفتح
الرباني» و«الغنية» لعبد الكريم الجيلي
(ت٥٦١ﻫ)، و«حالة أهل الحقيقة مع الله»
و«البرهان المؤيد» لأحمد الرفاعي (٥٧٨ﻫ)، و«شمس
القلوب» للجائي (ت٥٩٩ﻫ)، و«عوارف المعارف» لأبي
حفص السهروردي (ت٦٣٢ﻫ)، و«الفتوحات المكية»
لابن عربي (ت٦٣٨ﻫ)، و«منازل السائرين ومقامات
الطائرين» لأبي بكر بن شاهاور الرازي (ت٦٥٤ﻫ)،
و«القصد إلى الله تعالى» لأبي الحسن الشاذلي
(ت٦٥٦ﻫ)، و«حدائق الحدائق» لمحمد شمس الدين
الرازي (ت٦٦٠ﻫ). وكلها في التصوف الأخلاقي
النفسي قبل أن يتحول التأليف إلى التصوف
الفلسفي عند السهروردي (شهاب الدين)، وابن
الفارض وابن عربي وعبد الحق بن سبعين وابن عطاء
الله السكندري والكاشاني، ثم الطريق عند
الشاذلي والشعراني. بل إنه لا يوجد موضوع مميز
أو سمة غالبة على كل عَلَم. يتساوى الجميع في
جمع المادة التاريخية حوله وأحيانًا بتفصيلات
عن نسبه ومولده ووفاته ونشأته.
وتتضمن بعض الأعلام ذكر بعض أقوالهم كمؤشر
على ظهور الموضوعات مثل عمر بن الخطاب وما أُثر
عنه في الزهد والورع، وعلي بن أبي طالب ونماذج
من «وثيق عباراته ودقيق إشاراته» ووصيته لكحيل
بن زياد، وزهده وتعبده ووصفه في مجلس معاوية
رواية عن آخرين، وعبد الله بن مسعود ووصاياه،
وأبو ذر الغفاري ومواعظه.
٣٤ كما ظهرت أيضًا رسائل مدونة للحسن
البصري كعَلَم مثل كتابه إلى عمر بن عبد العزيز
وابن سيرين، وغرائب أخباره في تعبير الرؤيا،
وزيد بن عبد الله فيما أسند إليه وكأن الإسناد موضوع.
٣٥ وفي مجاهد بن جبر تذكر أخبار مروية
عنه في التفسير. وفي عكرمة مولى بن عباس تذكر
أخبار عنه في التفسير أيضًا.
٣٦ وآثاره في التفسير هو الموضوع
الغالب عند سعيد بن جبير.
٣٧ وقد يكون الموضوع رسالة كتبها
الشخص مثل رسالة عمر بن عبد العزيز إلى المأمون.
٣٨ وتتخلق بعض الموضوعات داخل الأعلام
مثل الزهد.
٣٩
والمنهج المتبع في كتابة أهم الأعلام هو رسم
شخصية العلم بعبارة مملوءة بالمحسنات البديعية
مثل السجع مع الاسم ثم وضع تعريف للتصوف يتفق
مع هذا الاسم لشخصية العلم لإثبات أنه من
الصوفية ينطبق عليه تعريف الصوفي. ولا يحال
تعريف التصوف إلى صاحبه. ويكتفي بلفظ «قيل».
والاسم والرسم أقرب إلى الأخلاق
الصوفية.
قد يوجد رسم بلا اسم ولكن لا يوجد اسم بلا رسم.
٤٠ ويلاحظ أن الرسم والاسم لا
يتجاوزان السبعة. ويقلان من البداية إلى
النهاية من تسعة وعشرين في الجزء الأول إلى لا
شيء في الجزء العاشر. وعادة ما يكون الرسم ثم
الاسم في البداية. ونادرًا ما يكون في الوسط
إذا كان العلم طويلًا مثل ابن مسعود. ويستحيل
أن يكون في النهاية.
٤١ وكلما كبر العَلَم حجمًا ظهر الرسم
والاسم. وكلما قلَّ اختفيا.
والسؤال هنا: هل هذا التطابق بين الرسم
والاسم، بين الوصف والتعريف صحيح أم مُفتعَل،
طبيعي أم مُصطنَع، حقيقي أم مركَّب؟ والسجع
قادر على هذا التركيب، اصطناعًا باصطناع.
الغاية منه اتفاق السجع على تطابق الرسم مع
الاسم. وإن لم يكن مصطنعًا فهل تم هذا التطابق
بين الرسم والاسم «استنباطًا أم استقراء»؟ هل
تم وصف العلم ورسمه أولًا ثم البحث له عن تعريف
للتصوف مطابق له وهو طريق الاستقراء، الصعود من
الجزء إلى الكل أو من الواقع إلى المثال أو من
الشخص إلى المبدأ؟ وهو أقرب إلى الترتيب في
التدوين في وضع الرسم قبل الاسم. أم قد وضع
تعريف التصوف أولًا، ثم تم البحث عن رسم علم
مطابق له وهو طريق الاستنباط، والانتقال من
المبدأ إلى الشخص، ومن المثال إلى الواقع، ومن
التعريف إلى المعرَّف؟
ونظرًا لأن تعريف التصوف لازمة أولى تطابق
رسم العلَم كانت ضعيفة أو محددة لم تستطع
استيفاء العلَم كله فتم الوقوع في الحكايات
والمقارنات بالتعريفات المشابهة. وربما وجود ما
يقرب من السبعة تجمع بين الرسم والاسم قد يدل
ذلك على أن للاصطناع حدودًا، وأنه لا يمكن
إيجاد سبعمائة تعريف للتصوف ليغطي سبعمائة
شخصية. ولو وجد لاستحال التوفيق الدائم بين هذا
الرسم وهذا التعريف أو الاسم. ولا يوجد في
الجزء العاشر والأخير الذي يتضمن مائتين واثنين
وثلاثين علمًا أي مقارنة بين الرسم والاسم، فهل
انتهت تعريفات التصوف؟ هل لعبة التوفيق بينهما
عن طريق السجع قد انتهت؟ هل تعب أبو نعيم أو
سئم من هذه اللعبة المصطنعة؟
ويمكن إجراء دراسة نقدية للإجابة على عدة
تساؤلات:
- (أ)
هل الرسم مطابق للعَلَم أم من صنع
الخيال؟
- (ب)
هل اختيار تعريف التصوف فعلي أم
المقصود منه إعطاء غطاء نظري للعَلَم
لأنه محدِّث أو راوٍ أو صحابي أو تابعي
وليس صوفيًّا بالضرورة؟
- (جـ)
هل يمكن تجميع تعريفات التصوف التي
استعملت كي تطابق رسم الشخصيات لتصبح
تعريفات للتصوف أم أنها مجرد عبارات
إنشائية فضفاضة؟
- (د)
هل يمكن إعطاء غطاء نظري لحوالي
سبعمائة علم من سبعمائة تعريف للتصوف؟
ونظرًا لاستحالة ذلك غابت معظم رسوم
الأعلام من تعريفات مطابقة
للتصوف.
ويبدو أن تدوين التصوف كان متأثرًا بتدوين
علم الحديث. فالصوفي محدِّث ضمن سلسلة الرواة
ما دام ينتسب إلى الصحابة والتابعين وتابعي
التابعين. فكما جمعت آثار الرسول تجمع أيضًا
آثار الصوفية بنفس طريقة علم الحديث، الرواية.
ويظهر الرسول كما يظهر الصوفي في القرون
الأولى. وكلما بعد الزمان قل ظهور الرسول
وأحاديثه، وزاد ظهور الصوفي وأقواله. والصوفي
نفسه موضوع الرواية في أقواله وأفعاله يرويها
عنه الآخرون. وتغلب الأفعال على الأقوال أو
الحكايات على الأفعال لأنها أكثر قدرة على
التعبير عن الخيال الشعبي والإبداع الأدبي،
ويُروى الحديث الواحد بأكثر من سند كما هو
الحال في علم الحديث، كما يُروى بأكثر من صياغة
للمتن سواء في أحاديث الرسول أو في أقوال
الصوفية. وتغلب الأسانيد على المتون. فصحة
المتن ما زالت مشروطة بصحة السند.
٤٢ وكثيرًا ما يُحكم على حجة السند
بأنه غريب.
٤٣ وبالرغم من أنه غريب أو ضعيف يتم
استعماله لأنه يوافق هوى المحدِّث ويؤيد
مطالبه. فالهدف يتحدد أولًا تم توجد البراهين
على شرعيته من الأحاديث. الكثير من الأحاديث
موجهة بآراء الفرق أي التيارات السياسية مثل
أحاديث ذم الخصوم من المعتزلة والخوارج
والشيعة.
ويستعمل التابعي القرآن والحديث للاستشهاد
بهما وليس لرسم شخصية العَلَم كما هو الحال عند
الصحابة. فكلما تقدم الزمان وقدم العهد الأول
قلَّ الرسم وظهر الاسم أي قلَّ الوصف وزاد اسم
المتصوف، وظهر كعلم مستقل عن علم
الحديث.
كتب «الطبقات» إذن لها علاقة بكتب الحديث، هي
جماع كتب القرآن والحديث والتفسير والسيرة
والفقه. خرج التصوف إذن من العلوم النقلية قبل
أن يصبح علمًا عقليًّا نقليًّا طبقًا لتصنيف
العلوم عند القدماء. ويبدو «حلية الأولياء»
وكأنه إتمام للإصحاحات الخمسة مع تقطيعها
وتوزيعها على حوالي سبعمائة فاضل من الصحابة
والتابعين ومعهم الصوفية الأوائل. نشأ التصوف
على نموذج علم الحديث. وتدوين الأحاديث الصوفية
مثل تدوين الأحاديث النبوية. والصوفي أحد
الرواة. يروي عن الرسول كما يروي الآخرون عنه.
صوفية القرن الأول والثاني مثل الصحابة
والتابعين من حيث قرب العهد بزمان النبوة.
الصوفية الأوائل محدِّثون. والتصوف في بدايته
جزء من علم الحديث، والسؤال هو: هل هذه
الروايات عن الصوفية صحيحة وموجودة في
الإصحاحات الخمسة؟
وبعض الأعلام كلها أحاديث ولا شأن لها
بالتصوف حتى المعروفون به مثل سفيان الثوري.
٤٤ ومن ثم، يمكن القول بلا تردد بأن
«حلية الأولياء وطبقات الأصفياء» كتاب في
الحديث أساسًا مثل باقي كتب الأحاديث،
الإصحاحات الخمسة والمدونات والأسانيد. ويقوم
الصوفي بدور النبي في الرواية عنه والنقل منه
بأسانيد. وإذا تغيرت الأسانيد يتكرر المتن دون
رعاية لفن التأليف والاختصار وتفادي التكرار.
فالصوفي يقتفي أثر النبي في الحديث ورواية
الناس عنهما.
٤٥
وفي الأحاديث تظهر روايات الأفعال أكثر من
روايات الأقوال مما يسمح بتدخل الخيال في الوصف
لإبراز الكرامات. وكثير من الأحاديث القدسية
روايات بين الله وأنبيائه بما في ذلك خاتم
الأنبياء حتى تفسح المجال للخيال الشعبي
والتشبيهات والمبالغات لمزيد من التأثير. لذلك
دخلتها «الإسرائيليات». وبدأ الاغتراب بالخروج
من الواقع، والتحول من التصوف الأخلاقي إلى
التصوف النظري كما تحولت المسيحية الأخلاقية في
الأناجيل المتقابلة إلى المسيحية العقائدية عند
يوحنا وبولص.
والتوسع في تفصيلات الأحاديث تذهب كليات
القرآن وتضيع الأصول في الفروع. وتتشظى الرؤية
الكلية في جزئيات مفككة؛ لذلك تغيب الموضوعات
لكثرة الروايات، وتتوه في تعدد الأسانيد لدرجة
أن اسم العلم هو مجرد تجميع لمجموعة من
الأحاديث حوله راويًا ومحدثًا. وتتوالى
الأحاديث تباعًا لدرجة أنه من الصعب التعرف على
موضوعها ومناسبتها. كما أنه من الصعب إيجاد
علاقة بين اسم العلم والأحاديث التي تذكر
بمناسبته. ومن هنا تبدو أهمية الوعي الموضوعي
والانقلاب في الوعي التاريخي من الشخصي إلى
القضية، ومن العَلَم إلى الموضوع كما فعل
الغزالي في «الإحياء». ونموذج ذلك ما ورد في
عبد الرحمن السلمي صاحب «الطبقات». فلا ذكر
لمؤلفه ولا لتصوفه بل يكتفي بمجرد ذكر حكايات عنه.
٤٦
ومعظم الأحاديث تركيبات خيالية يدخل فيها
كمحاورين الله وجبريل والأنبياء السابقين
والملائكة وإبليس والخضر. وكما تستبعد أحاديث
الرسول في المنام وحواراته مع الله أو الأنبياء
والطبيعة، كذلك تستبعد أقواله قبل البعثة وإن
كانت تدل على الطبيعة وهي قرين الوحي. وبعد
الموت يسرح الخيال. ومنها ما يبدو في المنام
للصحابي الذي يحادثه الرسول في نومه فيروى عنه
بعد اليقظة. وإذا كان القرآن به كل شيء فلماذا
حضور جبريل المستمر في الأحاديث للتعليم
كالقرآن والتذكير عند النسيان والتصحيح حين
الخطأ؟ وفي الحكايات تروى كرامات الأولياء كما
تروى معجزات الأنبياء مما يثير الخيال ويحقق
الأحلام، وروايات الخضر وتأويلاته
الباطنية.
وتستعمل الأحاديث كتفسير للآيات. فيقوم
الحديث بدور علم التفسير. وتكون الرابطة بين
القرآن والتفسير، الحديث تفسير للقرآن.
وبالتالي خرج التفسير من علم الحديث، وكما تدخل
الخيال الشعبي في الحديث كذلك تدخل في التفسير
بتجسيد الآيات حروفًا في الأحاجي كما هو الحال
في التصوف الطرقي المتأخر أو أصواتًا لدى
الحفاظ والقراء فلا تمسهم النار وكأن قانون
الاستحقاق لا وجود له. وهنا يبدو التصوف وكأنه
بداية التفسير الروحي الأخلاقي الباطني للقرآن
بدلًا من التفسير الفقهي الشرعي الحرفي
الظاهري.
وتسود الحجج النقلية من الآيات القرآنية
والأحاديث النبوية لدرجة أن «حلية الأولياء» لا
يفترق عن كتب الأحاديث في شيء. إلا إضافة بعض
أقوال الصوفية وأفعالهم معها واستئنافًا لها.
ونظرًا لتحول بعض النصارى إلى الإسلام مثل كعب
الأحبار ووهب بن منبه. فقد استعملوا ثقافاتهم
السابقة عن أنبياء بني إسرائيل في فهم الدين
الجديد كما فعل بولس مع المسيحية. فظهر ما يسمى
بالإسرائيليات. واستشهد بكثير من أقوال
الأنبياء السابقين دون مصادر موثوقة أو معروفة
ولكنها مرويات شفاهًا أو تدوينًا من اليهود
والنصارى في المدينة سواء من تحول منهم إلى
الإسلام أو من بقي على دينه. وكثير منها حوارات
بين الله والأنبياء أو بين الأنبياء والرسول
يدونونها بخبراتهم مع أممهم. فالتصوف هو الجامع
للأديان والمحقق لوحدتها. وتبرز قصة مريم وقصص
داود وسليمان والخليل.
وكلما بعد الزمان عن عصر النبوة قل الحديث.
واستند التصوف إلى تفسير القرآن بدلًا من رواية
الحديث. ويتم اختيار الأحاديث الخلقية. فالتصوف
في بدايته تصوف خلقي. وتختفي أحاديث التصوف
النفسي أو التصوف الفلسفي الخاصة بالغيبيات
خاصة قصة الإسراء والمعراج، وتتكرر نفس
الأحاديث في مناسبات مختلفة.
٤٧ فالأحاديث هي البراهين. وإذا عظمت
أهمية الصوفي زادت أقواله وأفعاله، وقلت الآيات
والأحاديث كما هو الحال في شخصية مالك بن دينار.
٤٨
وتغيب التحليلات العقلية أو التجارب الروحية
كي تتعادل مع الحجج النقلية؛ لذلك يبدو التصوف
في الوعي التاريخي أقرب إلى العلوم النقلية،
القرآن والحديث والتفسير والسيرة والفقه، منه
إلى العلوم النقلية العقلية كالكلام والفلسفة
وأصول الفقه.
وليس من المعقول أن تكون مادة «حلية
الأولياء» كلها مجمعة من مصادر شفاهية نظرًا
لضخامتها. ويذكر أبو نعيم بين الحين والآخر
مصادر كتابية لأعمال بعض الصوفية اندثرت في
حينها أو ما زالت مخطوطة أو لم تكتشفها أيادي
المنقبين عن الآثار بعد.
٤٩ إذ يشير أبو نعيم إلى اعتماده على
كتب الطبقات السابقة مثل «السلَمي وابن
الأعرابي».
وقد يكون الدافع على التأليف داخليًّا محضًا،
إصلاح التصوف، وتنقيته مما علق به من خرافات
وخزعبلات من بين أهله.
٥٠