بالرغم من أن الوعي التاريخي الموضوعي سابق
تاريخيًّا على الوعي التاريخي الخالص إلا أنه من
حيث البنية تالٍ له نظرًا لبداية انفصال الموضوع
الصوفي عن تاريخ الصوفية ابتداء من القرن الخامس في
«الإحياء»، وقد تشكل هذا الوعي في القرنين الرابع
والخامس الهجريين.
(أ) «اللمع» للطوسي (٣٧٨ﻫ)١
وهو أول كتاب في التصوف كطريق أي بنية وليس
كتاريخ. ويدل على ذلك اسم «اللمع» أي الكشف.
وقد بدأت الكتابة عن التصوف عند الصوفية
المؤرخين وليس في التصوف عند الصوفية المبدعين
بسبب المشاكل التي أثيرت حول التصوف، والتشنيع
الذي وقع على مصطلحاتهم. فبدأ الصوفية المؤرخون
تحديد معناه وبيان إشاراتهم وألفاظهم وحقائقهم
ومواجيدهم كعينات مختارة وليس كرصد شامل ليتدبر
القارئ لعله يكون اختياره.
٢ والتصوف رد فعل على ما أثيرت حوله
من شبهات وما اقترن بالصوفية من أدعياء.
٣ كثر فيه الخائضون دون علم. وألفوا
كتبًا مزخرفة بلا مضمون ودون قطع العلائق
وإماتة النفوس كما فعل الصوفية الأوائل.
٤
ويتكون من مقدمة واثني عشر بابًا دون ترقيم
مما يبين أن تفاصيل الطريق لم تكتشف بعد.
٥ ومن حيث أولويات الترتيب تبدو
أهمية الأحوال والمقامات باعتبارها أهم موضوع
في الطريق. ثم يتحول الطريق إلى تاريخ ابتداء
من أهل الصفوة حتى الاقتداء بالرسول واستنباط
أهل الصفوة مواقفهم من الرسول ثم الصحابة. ثم
يترك التاريخ إلى البنية في وصف آداب التصوف
والأشكال الأدبية لكتاباتهم، والسماع والوجد،
وإثبات الآيات والكرامات، ثم بيان المشكلات
الناشئة عن الألفاظ وتفسير الشطحات.
أما من حيث الأهمية الكمية فتأتي «آداب
المتصوفة» في المقدمة مما يدل على أنهم أصبحوا
فئة مميزة لهم طريقهم الخاص. ثم الشطحات أي ما
يصدر عنهم من أقوال يشنع الناس عليهم بسببها،
ثم المقدمة الأولى عن التصوف ومعانيه وحقيقته،
ثم ألفاظهم. ثم المقامات والأحوال تأتي في
الدرجة الخامسة من حيث الكم بعد أن كانت الأولى
من حيث الترتيب، ثم السماع كأحد العوامل
المصاحبة للرياضات والمجاهدات، ثم المكاتبات
والرسائل وأشكال التدوين، ثم الصحابة باعتبارهم
من أوائل الصوفية، ثم الكرامات قبل الرسول
كقدوة، وأهل الصفوة الذين بدأ منهم الطريق،
وأخيرًا الوجد.
٦
ومن حيث مدى الحضور والإحالة إليه يأتي أصحاب
الشطحات أولًا مثل الجنيد والشبلي، ثم التستري
صاحب الأقوال المروية، ثم أبو سعيد الخراز. ثم
يأتي ذو النون مع الروزباري. ثم يأتي ذكر بعض
الصوفية الذين كانوا معروفين في عصرهم عبر
التاريخ مثل الواسطي، وجعفر الخلدي، وأبو
العباس البغدادي، ويوسف الراوي، والنوري، ورويم
البغدادي، وأبو الحسين النوري، والوجيهي،
وغيرهم مع الصوفية الذين اشتهروا مثل إبراهيم
الخواص، والبسطامي ويحيى بن معاذ الرازي، وعمر
بن عثمان المكي صاحب «قوت القلوب»، وأبو سليمان
الداراني، والسري السقطي، وأبو بكر الدقاق شيخ
القشيري، وإبراهيم بن أدهم. ومن الصحابة يتصدر
عمر ثم علي. ومن الأنبياء يذكر موسى.
٧
ويعتمد على القرآن أكثر من الحديث. وتجمع
الآيات القرآنية حول موضوع واحد مما يؤكد
إمكانية التفسير الموضوعي للقرآن.
٨ ويعتمد في مصادره على الروايات
لأقوال الصوفية السابقين سواء مدونة في رسائل
أو شفاهية.
٩ وحذفت الأسانيد من الأخبار للإبقاء
على المتون بغية الاختصار.
١٠ ويحرص على أمانة النقل دون زيادة
أو تجميل طلبًا للجاه عن العامة أو للمذهب عند السلطان.
١١ وتبدأ معظم الفقرات بالسؤال
المتخيل، «وإن سأل سائل» تمهيدًا لعرض الموضوع
ومثل «وإن قال قائل» و«إن اعترض معترض». وتدخل
بعض الإسرائيليات كشواهد من أقوال الأنبياء مثل زكريا.
١٢
(ب) «قوت القلوب» لأبي طالب المكي (٣٨٦ﻫ)١٣
ولا يظهر فيه الوعي التاريخي كما يظهر في
«اللمع» للطوسي، ولا الحديث عن الصوفية كفرقة
ومقارنتها بالفرق الأخرى، متكلمين وفقهاء. ومع
ذلك، يعتمد على تجميع أقوال السابقين دون
تنظيرها. به أخبار دون رؤى، وروايات دون نسق،
ومادة تاريخية دون وعي تاريخي. يختفي منه الجدل
مع الخصوم، الفقهاء أو الصوفية المزيفين.
والتنظير الوحيد هو القسمة، قسمة الموضوع
كالتوبة أو الأشخاص كالتائبين. والقسمة أولى
درجات التعريف. ولا يذكر سبب التأليف بل تأتي
الموضوعات مباشرة بعد الحمدلات والبسملات.
١٤
ويبنى علم التصوف ابتداء من الفقه في تقابل
الباطن والظاهر كما يبدو في العنوان المطول
«قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق
المريد إلى مقام التوحيد»، وتغلب الموضوعات
الفقهية على أكثر من نصف الكتاب من حيث الكم أو
من حيث عدد الفصول. ومن العنوان يتضح أن التصوف
علم القلوب وليس علم الجوارح. وهو طريق إلى
الله بين المحب والمحبوب. وهو طريق المريد إلى
مقام التوحيد.
يخلو من البنية. إنما يضم ثمانية وأربعين
فصلًا. تتفاوت كمًّا. أكبرها المقامات والأحوال
التي تشمل نحو ثلث الكتاب مما يدل على أن
المقامات والأحوال هو قلب العلم.
١٥ ويتلوها العلم مما يدل على أن
التصوف هو أساسًا نظرية في العلم.
١٦ ويسردها المؤلف في مقدمة الكتاب.
١٧
يعتمد على الحجج النقلية والشواهد التاريخية
أكثر من اعتماده على التنظير العقلي أو تحليل
التجارب المعاشة، ويعتمد على القرآن ثم الحديث
ثم الشعر.
١٨ ومن ثم فهو يعتبر ردة عن المؤلفات
الصوفية الخلقية السابقة عند رابعة والحسن
والترمذي والمحاسبي وأبي سعيد الخراز وأصحاب
الشطحات الحلاج والبسطامي والشبلي وأصحاب
المواقف والمخاطبات والإشارات والفصول
والمواعظ، بل إن فصولًا بأكملها مخصصة للأدلة النقلية.
١٩ وهو مجرد رصد دون أدنى تفسير أو
تأويل أو تحليل نظري لتجربة إنسانية خارج النص.
ويزداد التنظير في موضوعات التصوف الصرفة مثل
المقامات والأحوال والعلم. وتظهر القسمة
العقلية بجوار الأدلة النقلية من الآيات
والأحاديث والمرويات عن الصحابة والتابعين والصوفية.
٢٠ ومن الوافد يذكر قول بقراط
الفيلسوف الدواء من فوق، والداء من تحت.
٢١ كما يذكر الحكماء والحكيم،
والفلاسفة والفيلسوف وأهل الطب
والأدباء.
ويقل
الاعتماد على السند لصالح المتن. يكفي أن يقال
«وفي الخبر» أو «وفي الحديث»، كما يقال
«روينا»، «روي»، وقد يجمع بين الخبر والرواية
في «وقد روينا في الخبر»، كما يورد الأثر دون
نسبة إلى صاحبه. يكتفي بذكر «بعض العلماء أو
بعض العارفين، وبعضهم. وقد يحال إلى الأثر دون
تحديد أثر من؟ وتكثر الأحاديث القدسية التي لا
سند لها مثل أحاديث جبريل مع الرسول التي لا
سند لها، ولم يسمعها أحد سواه، وأحاديث الله مع
الملائكة، وحديث الملائكة مع بعضهم البعض،
وحديث الكل مع الشيطان. وقد يكون الله نفسه هو
الذي يتحدث دون محاور.
٢٢ وقد خصص أبو طالب المكي آخر باب في
كتاب العلم إلى منهجه في الرواية وتفضيل
الأخبار، وترجيح بعضها على البعض، والترخص
والتوسع في النقل، والرواة الثقاة من الصحابة
مع تعديلهم. ويعترف باستعمال الأحاديث المرسلة
والمقطوعة والمحتملة التي لا يوجد يقين على
بطلانها والضعيفة المتفقة مع القرآن، والتعبد
بحسن الظن، وترجيح الحديث الضعيف على الرأي والقياس.
٢٣ وقد تستعمل الأخبار المقطوعة
والمشهورة والمرسلة. وقد يُبنى الفعل للمجهول
في صيغة «قيل» تجنبًا لذكر المصدر.
٢٤
وتستعمل أمثال العرب وعاداتهم مثل كراهية
العرب وضع الشيء في أكفها لعزة نفوسها.
٢٥ كما تُستعمل فنون كلام العرب ووجوه
بلاغتهم، التطويل للبيان، والاختصار للحفظ،
والمقدم والمؤخر للتحسين.
٢٦ وتكثر الإسرائيليات والمرويات من
أنبياء بني إسرائيل وغالبها روايات أخلاقية
روحية صوفية.
٢٧ وتذكر الإسرائيليات صراحة أو الخبر
الإسرائيلي. وتأتي في المقدمة أخبار داود
وسليمان يعقوب ويوسف وأيوب ولقمان، وقول لقمان
لابنه بناء على النموذج القرآني، ودعاء إدريس،
وقصة يوسف وزليخا اللذين تزوجا ثم تصوفت زليخا.
وتذكر نصوص من التوراة والإنجيل. ويُروى عن
موسى وعيسى. ويذكر اشتقاق لفظ المسيح من مسح أي
طوى الأرض فهو ماسح ثم مسيح أو ممسوح العين أي
مطموسها، وأحاديث كعب الأحبار للصحابة.
ومن الطوائف يتقدم أهل السنة، ثم تتداخل
الفرق الكلامية مثل المعتزلة والمتكلمين مع
الفرق غير الإسلامية كالنصارى مع الفرق الصوفية
كالسيارية، وأهل الصفة، والجنيدية، والحلاجية،
والخرازية، والسهيلية والطيفورية، والمحاسبية
والنورية، والخفيفية، والقصارية، وأسماء بعض
الفرق المشتقة من مذاهبها كالحلولية، وأهل
الإلهام، والملاحدة، والحشوية، والمشبهة، والقدرية.
٢٨ ويظهر فيه كثرة الاستشهاد
بالأشاعرة والشافعية. وهما عقيدة السنة في
التوحيد وفي الفقه. كما يعتمد على المتكلمين
قدر اعتماده على الفقهاء.
ولا يظهر فيه الوافد اليوناني أو الروماني
غربًا أو الفارسي والهندي شرقًا مما يدل على
المصدر الداخلي للتصوف الإسلامي في البيئة التي
أفرزته وكرد فعل على التكالب على الجاه
والثروة، السلطة والمال ثم تبرير ذلك بالكتاب
والسنة وأقوال الصحابة والتابعين. يذكر فقط
«بعض الحكماء»، «فيلسوف من الحكماء».
٢٩ وقد ذكر أرسطوطاليس مرة في حكاية
مع خادمه لطلب أحد العامة من سواد الناس لأنه
يأكل بعد الجوع ويرفع بعد الشبع، ويتقلل بين ذلك.
٣٠ كما يذكر قول جالينوس عندما سئل عن
الإقلال من الطعام «غرضي من الطعام أن آكل
لأحيا، وغرض غيري من الطعام أن يحيا ليأكل»،
وهو ما أخذه موليير في مسرحية «البخيل»: يجب أن
آكل لأعيش لا أعيش لآكل. كما يذكر قول ثياذوق
الطبيب أن اللحم فوق اللحم يقتل البرية.
(ﺟ) «كشف المحجوب» للهجويري (ت٤٦٥ﻫ)٣١
ويتناول الصوفية كفرقة بين الموضوع والفرقة،
بين إثبات العلم والفقر والتصوف من ناحية ولبس
المرقعة، والصفوة، والصفة، والملامة، والأئمة
من الصحابة وآل البيت والتابعين والأنصار من
المتقدمين والمتأخرين من ناحية أخرى. ميزته أنه
انتقل من أسماء الأعلام إلى الفرقة ثم بزوغ
الموضوع من خلال الفرقة. والكتاب أيضًا إجابة
على سؤال سائل.
٣٢ والسؤال يدل على حاجة إلى المعرفة
وأزمة في العصر وإن لم يتم التأليف بناء على
طلب أو سؤال من صديق فإنه يتم بناء على
استخارة، بناء على أغراض في النفس تتحقق.
٣٣ وقد وضع المؤلف اسمه على الكتاب
لسببين يرجعان إلى الخاصة والعامة. فعندما يعرف
الخاصة مؤلف الكتاب ويعلمون أنه من أهل الصناعة
يقبلون عليه، وهو المراد. ويأخذونه مأخذ الجد
وهو المقصود. أما العامة فإنهم ينسبون الكتاب
إلى أنفسهم إن كان مجهول المؤلف وهو ما حدث من
قبل عند محو اسمه من كتاب آخر في التصوف هو
«منهاج الدين».
٣٤
وتكشف الإجابة عن رد فعل على أزمة العصر
باتباع الأهواء والأغراض عن طريق الصفاء، وتحول
العلماء إلى أدعياء باستثناء خاصة من الصفوة
وهم أهل الحق. انقلب العلم إلى أقوال، والحقائق
إلى كلام، والتحقيق إلى تقليد. وقبل العوام ذلك
جهلًا. فهم متصورون أنه الحق. وآثر الخواص
إبقاء التمني في قلوبهم وشوقهم إلى الرؤية،
وحرقة المحبة. وقد ألف الهجويري كتبًا أخرى في
هذا المعنى ضاعت واندثرت حسدًا من الناس. تركها
البعض ولم يفهمها البعض الآخر.
٣٥ وكل من يؤلمه شيء رآه فيما يقرأ.
٣٦ وقد فعل الجهال نفس الشيء بكتب
المشايخ التي لم يفهموها. وقارنوها بدواوين
الشعراء ورسائل الكتاب.
٣٧ كما انقلب فهم الشريعة، وسُمي كل
هوى فقهًا، وطلب الجاه والرياسة عزًّا وعلمًا،
ورياء الخلق خشية، والجدال مناظرة، والسفاهة
عظمة، والنفاق زهدًا، وآفة أهل الزمان معاملة.
٣٨
وشرط التأليف هو تخليص النفس من الأهواء.
فالأخلاق شرط المعرفة. وصفاء الضمير شرط البحث.
فالعلم شعوري. والشعور النبيل قادر على رؤية
المعنى. وحسن النية شرط العلم.
٣٩ والقصد من العنوان «كشف المحجوب»
أن بين الكتاب ما غمض على الناس وما ستر عنهم.
والحجاب نوعان «الحجاب الريني»
كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى
قُلُوبِهِمْ. وهو ينكشف مثل الطبع
والختم والخذلان. و«الحجاب الغيني» وهو ما قد
ينكشف لأنه صفة متغيرة.
٤٠
يتكون من أربعة عشر بابًا، أكبرها الرابع عشر
في الفرق بين فرقهم ومذاهبهم ومقاماتهم أو
حكاياتهم. وهو أكثر من ثلاثة أخماس الكتاب. ثم
يتلوه «في ذكر رجال الصوفية من المتأخرين من
أهل البلدان» أي أسماء الأعلام ثم تعريف التصوف
ولبس المرقعة، ثم إثبات العلم وتعريف التصوف،
ثم ذكر أئمتهم من آل البيت ومن الصحابة
والملامتية، وأخيرًا أهل الصفة والأنصار.
٤١
ونظرًا لطول الباب الرابع عشر الذي يصل حجمه
إلى أكثر من نصف الكتاب فقد قسم إلى قسمين.
٤٢ الأول عن فرق الصوفية وهي أشبه
بالفرق الكلامية وليس بالطرق الصوفية.
٤٣ وهم اثنتا عشرة فرقة، الحادية عشرة
والثانية عشرة في فرقة واحدة، وهي «المحاسبية
(المحاسبي)، والقصارية (حمدون القصار)،
الطيفورية (البسطامي)، الجنيدية (الجنيد)،
النورية (أبو الحسن النوري)، السهلية
(التستري)، الحكيمية (الترمذي)، الخرازية (أبو
سهيل الخراز)، الخفيفية (محمد بن خفيف)،
السيارية (أبو العباس السياري)، الحلولية (أبو
حلمان الدمشقي، الحلاج). وأكبرهم حجمًا في
التناول الحكيمية. وبالتالي تحولت بعض أسماء
الأعلام إلى فرق مشتقة منها كما هو الحال في
علم الكلام. والثاني وهو أطول حجمًا من الأول
عن كشف الحجب، وهو موضوع عنوان الكتاب.
٤٤ وهي إحدى عشر حجابًا.
٤٥ أكبرها في الصحبة مع آدابها
وأحكامها، ثم السماع، ثم منطقهم وحدود ألفاظهم
وحقائقهم ومعانيهم.»
٤٦
ويعتمد الكتاب على تاريخ الصوفية. فمن أسماء
الأعلام يأتي في المقدمة الرسول ثم الجنيد ثم
البسطامي ثم السبكي. ويتداخل الأنبياء مثل
إبراهيم وآدم وموسى والخلفاء مثل عمر وعلي وأبي
بكر، وذو النون والحلاج والخواص. ويتداخل جبريل
مع المحاسبي ويحيى بن معاذ وإبراهيم بن أدهم
والترمذي والخراز.
٤٧ وينتشرون على مختلف البقاع
الإسلامية في الحجاز وخراسان والعراق ومصر والهند.
٤٨ ولأول مرة يتم تجميع الأعلام تحت
مجموعات غير أهل الصفة والصحابيات في سبع
مجموعات: الصحابة، أهل البيت، أهل الصفة،
التابعون والأنصار، أتباع التابعين حتى اليوم،
الصوفية المتأخرون في البلدان.
٤٩ وهم موزعون على الشام والعراق،
وفارس، وأذربيجان، وكرمان، وخراسان، وما وراء
النهر، وغزنين. ومجموع الأعلام حوالي مائة
وخمسون، وهي مجموعات متتالية في الزمان أو
متباعدة في المكان، معظمهم في المشرق.
وتتعادل الأدلة النقلية مع نقل الأقوال والأفعال.
٥٠ ولا توجد أسانيد للحديث على عكس
كتب الطبقات الشبيهة بكتب الحديث مثل السلمي
والأصفهاني. ويعتمد «كشف المحجوب» على مصادر مدونة.
٥١ أهمها باقي مؤلفات الهجويري ثم
الحكيم الترمذي ثم عبد الرحمن السلمي.
٥٢ وتذكر مؤلفات البلخي والمحاسبي ثم
الجنيد ورويم والكرماني والطوسي، ثم السياري
والأصفهاني، وتصانيف أخرى للسياري والقشيري
وأبي عمرو بن عثمان المكي وغيرهم.
٥٣
(د) الرسالة القشيرية في علم التصوف
«للقشيري» (٤٦٥ﻫ)٥٤
نسبتها إلى مؤلفها عبد الكريم القشيري مثل
«الرسالة» للشافعي. وتعتبر آخر ما وصل إليه
الوعي التاريخي الموضوعي. فقد جمعت بين الوعي
التاريخي الخالص في الجزء الأول منها أسوة بكتب
«الطبقات» عند السلمي والأصفهاني. ويضم ثلاثًا
وثمانين صوفيًّا في أقل من ثمن الكتاب مما يدل
على تقلص الوعي التاريخي الوعي الموضوعي. وكلهم
صغار الحجم أشبه بشريط سينمائي. لقطات صغيرة
تكون الوعي التاريخي المتقطع من خلال الشخصيات
دون رؤية قانون تاريخي أو مسار وعي أو أي
انحناء فيه أو دلالة له. ومعظمهم من صوفية
القرنين الثالث والرابع، والترتيب زماني يبدأ
من منتصف القرن الثالث (ذو النون المصري ت٢٤٥ﻫ)
حتى منتصف القرن الرابع (الروزباري ت٣٦٩ﻫ).
٥٥ وبالرغم من أن الكتاب يعبر عن
الوعي التاريخي الموضوعي إلا أن الدافع على
التأليف هو تصحيح صورة الصوفية في الذهن الشعبي
وبأنهم لم يخرجوا على عقيدة التوحيد، ولا
انحرفوا عن أصول العقائد.
٥٦
والدافع على التأليف أيضًا داخلي وهو اندثار
التصوف، وسوء أحوال الطريقة، لا شيوخ ولا
مريدين، ولا طريق ورع وفضل بل زاد الطمع وخرق
الشريعة والفتور بالنسبة إلى الدين. قلت
العبادات. وزادت رفقة الصبية والنساء وأصحاب
الجاه والسلطان. وانتشر التحلل من الشريعة باسم
الوصول والولاية والتحقق بالحقائق والمحبة فلا
عتاب ولا حساب. وكانت النتيجة إسقاط التدبير
والاعتذار بأن الله هو فاعل كل شيء.
٥٧ وبعد عرض الأعلام الثلاث وثمانين
يتحقق الغرض وهو إثبات أنهم جميعًا في أقوالهم
وأفعالهم متسقون مع أحكام الشريعة.
٥٨ ويُخصَّص جزء ولو قصير للمشايخ
المعاصرين للمؤلف الذي عاشرهم واختبرهم وعايشهم
ولم يعتمد في معرفتهم على الروايات.
٥٩ ويمنع الإيجاز عن الإطالة في عرض
أفعال كل واحد منهم وأقوالهم وقد بلغوا
العشرات.
والأبواب التالية تتوالى تباعًا ابتداء من التوبة.
٦٠ اثنان وخمسون بابًا تصغر حجمًا
باستثناء الأبواب الأربعة الأخيرة: السماع،
وكرامات الأولياء، ورؤيا النوم، ووصية المريدين.
٦١ ومع ذلك يبدأ بإبراهيم بن أدهم مما
يدل على مدى أهميته وحياته كأمير ترك الإمارة
من أجل أن يتصوف ويصبح راهبًا بالصحراء مثل
بوذا. يتلوه ذو النون المصري، والفضيل بن عياض،
ومعروف الكرخي، والسري السقطي، وبشر الحافي،
والمحاسبي، والطائي، والبلخي، والبسطامي،
والتستري، والداراني، ويحيى بن معاذ، والنخشبي،
والقصار، والجنيد، والنوري، ورويم، والمكي،
والشبلي وآخرون غيرهم. وكلهم من مشاهير الصوفية
في القرنين الثالث والرابع، وليس فقط الفضلاء
والأصفياء كما فعل السلمي والأصفهاني من
قبل.
وترسم الشخصيات بطريقة مبسطة للغاية مجرد
أخبار قصيرة عن الشخص خاصة أفعاله دون أقواله،
وحكايات عن كراماته وشعبيته. لم يكن المقصود
جمع الأقوال بل رسم الشخصيات لبيان مدى اتفاقها
مع الشرع وآداب السلوك. وبعد رسم الشخصية،
حياته وأفعاله تُذكر مختارات من الأقوال.
وأحيانًا يذكر تاريخ الوفاة ومكان الولادة
والوفاة والإقامة، كما تذكر علاقته بالحكام،
بالخلفاء والأمراء وبباقي الصوفية المعاصرين له
وشيوخه وتلاميذه ومريده وأقربائه من الصوفية.
فأحيانًا يبدو التصوف مرهونًا
بالعائلات.
والباب الثاني الانتقال من الوعي التاريخي
الخالص إلى الوعي الموضوعي اللغوي، ألفاظ
الصوفية ومصطلحاتهم. فالعلم لغة، واللغة مصطلحات.
٦٢ ومعظمها تدل على الأحوال، وهي
حوالي سبعة وعشرين لفظًا. منها الأحادي، ومنها
الثنائي، ومنها الثلاثي، واللفظ الأحادي معظمها
مفرد إلا لفظ «الخواطر».
٦٣ واللفظ الثنائي يعبر عن الأحوال.
وهي ليست بالضرورة على التضاد مثل الذوق
والشرب، والبواده والهجوم، والتكوين والتمكين.
٦٤ واللفظ الثلاثي بين المراحل الثلاث.
٦٥ واللفظ الرباعي لفظ ثنائي مزدوج
مثل المحاضرة والمكاشفة والمشاهدة والمعاينة،
وليست بالضرورة على التضاد.
٦٦
وفي غياب طبعات علمية حديثة مزودة بفهارس
الأعلام، والآيات والأحاديث والآثار والأماكن،
يصعب تحليل مضمون الرسالة، ومع ذلك تكثر الآيات
لتدعيم أقوال الصوفي وكراماته وكأن حياته تأويل
للقرآن كما كانت حياة الرسول. وتكثر أحاديث
الرسول في المنام لصعوبة وجود سند صحيح بين
الرواة وكما قال ابن عربي فيما بعد «عن قلبي عن
ربي بأنه قال» أو «تأخذون علومكم من ميت عن
ميت، ونأخذ علومنا من الحي الذي لا يموت».
وتكثر الأحاديث القدسية المملوءة بالخيالات
والصور الفنية مثل أحاديث الإسراء والمعراج.
وتكثر الأحاديث المباشرة بين الله والرسول
بالإضافة إلى الأحاديث القدسية التي يختمها
جبريل. ومن ثم تتفاوت مستويات الحديث بين
الحديث الذي يتناقله الرواة الأحياء، وأحاديث
الرسول في المنام عند الصوفية، والرؤية الصادقة
إحدى درجات النبوة، والأحاديث القدسية التي
يحملها جبريل بنصها إلى الرسول كمستوى متوسط
بين القرآن والحديث، والحديث المباشر بين الله
والرسول في حوار مباشر أو بين الله والأنبياء
أو بين الله والملائكة. وكلها لا دليل عليها،
ولا يمكن التحقق من صدقها. كلها سمعيات.
والسمعيات ظنية لأنها ليست متواترة ولا دليل
عقلي عليها. وتقل الإسرائيليات لكثرة غيرها
ولعدم الحاجة إليها. الروايات هي الغالبة. وذكر
أسانيد الأقوال أسوة بعلم الحديث. فلم تكن
المدونات أي أعمال الصوفية قد كثرت أو ذاعت أو
سهل الحصول عليها من المشرق والمغرب. ومع ذلك
تزيد الآيات القرآنية على الأحاديث النبوية،
وتزيد الأحاديث النبوية على الأشعار العربية.
٦٧