أولًا: مقدمة: تطور الوعي النظري
الوعي النظري هو استمرار للوعي الموضوعي ولكن بتجاوز موضوعات التصوف الأخلاقي، الرذائل والفضائل، والتصوف النفسي، المقامات والأحوال إلى التصوف النظري الخالص الذي يعرض نظريات الله والعالم والإنسان، المحاور الرئيسية في الأنساق الفلسفية.
ويعرض الوعي النظري تاريخ التصوف من خلال بنيته. فالوعي النظري أقرب إلى الوعي الموضوعي منه إلى الوعي التاريخي. وتتوارد الخواطر مع باقي الصوفية من أجل الوصول إلى نفس الموضوعات وكأن التصوف بنية مستقلة عن الصوفية والباحثين في التصوف. ويصعب الاختيار في الوعي النظري بين الوصف البنيوي خارج تطوره أو الإبقاء على تطور الوعي النظري لمعرفة كيفية تكونه أو الجمع بين الاثنين، البنية من خلال التطور في حالة التشكل، والتطور من خلال البنية في حالة التكوين.
ويتطور الوعي النظري في التصوف الفلسفي على عدة مراحل؛ أولًا: من المعرفة إلى الوجود عن طريق العلم اللدُنِّي والكشف حيث تكون المعرفة أحد إشعاعات الوجود.
ثانيًا: نشأة المصطلح الفلسفي نشأة ثانية بعد «الرسالة القشيرية»، وتحول العلم إلى مصطلحات وألفاظ بعد أن فقد دفعته الأخلاقية الأولى وقفزته النفسية الثانية.
ثالثًا التركيز على نظرية التفسير أو التأويل. فالتصوف قراءة للنص الأول للوحي، القرآن، الخروج منه والعودة إليه، وتحويل النص إلى تجربة ذاتية، وطاقة موحية.
رابعًا: الأشكال الأدبية المختلفة للتصوف. فالتصوف إبداع أدبي من حيث الشكل، وروحي من حيث المضمون. وهي: الشعر، النثر الفني، الحكم، القصة الرمزية، السيرة الذاتية، السؤال والجواب … إلخ.
خامسًا: الشروح والملخصات والتعليقات، قراءة لنصوص سابقة وإعادة مضغ الإبداع الأول لابتلاعه من جديد مثل جمل الصحراء، يقتات على ذاته، ويتغذى مما تغذى به من قبل.
سادسًا تناثر البنية وتفرعها وتشعبها وتشتتها في مواضيع جزئية عديدة، لا تربطها قسمة ولا تحتويها رؤية.