رابعًا: مناهج التفسير
أحد مصادر التصوف تأويل النصوص. ولكل نص حد ومطلع، ظاهر وباطن، حرف ومعنى، إشارة ومشار إليه، ويُستعمل لفظان «تفسير» أسوة بعلم التفسير بالعبارات الشارحة، و«تأويل» وهو التفسير الباطني بإخراج اللفظ من معناه الحقيقي إلى معناه المجازي. ويسمى أيضًا التفسير الإشاري. ونصوص التأويل إما تأويل جزئي لآية أو لحديث أو تأويل كلي لسورة من السور مثل سورة الفاتحة لصدر الدين القونوي أو تأويل شامل للقرآن كله مثل تفسير التستري أو ابن عربي. والأقل هو التأويل النظري أي قواعد التأويل دون تطبيقه على آية أو سورة أو جزء أو ربع أو القرآن كله. وعادة ما يكون التأويل للقرآن وليس للحديث. ورفع التعارض بين الحديث أو الآيتين كما فعل الكاشاني أيضًا من علوم التأويل. والصوفية الذين ساهموا في علوم التأويل هم السلمي (٤١٢ﻫ)، القشيري (٤٦٥ﻫ)، الغزالي (٥٠٥ﻫ)، ابن عربي (٦٣٨ﻫ)، القونوي (٦٧٣ﻫ)، الشافعي (٦٧٨ﻫ)، ابن عطاء الله السكندري (٧٠٩ﻫ)، الكاشاني (٧٣٠ﻫ)، محمد وفا (٧٦٥ﻫ)، الجيلي (٨٣٥ﻫ)، الكتاني (١٣٢٧ﻫ).
(١) «زيادات حقائق التفسير» للسلمي (٤١٢ﻫ)١
(٢) أعمال القشيري (٤٥٦ﻫ)
(أ) «نحو القلوب»٦
(ب) «التحبير في التذكير»١٧
(ﺟ) «شرح أسماء الله الحسنى»٢٩
(د) «لطائف الإشارات» (٤٦٥ﻫ)٤٣
وهو استئناف «زيادات حقائق التفسير للسلمي» في التفسير الإشاري كما يدل عليه العنوان. وهو تفسير طولي، من الفاتحة حتى الناس. لا يوجد منه إلا التفسير من الفاتحة حتى سورة النحل، أي ست عشرة سورة من مجموع القرآن. وهو يعادل الخمس تقريبًا من حيث الكم مما يكفي لإصدار حكم عليه. وتقطع السور إلى آيات، والآيات إلى ألفاظ، من الكل إلى الجزء. فتتناثر الإشارات دون جامع نظري لها. ولا تسمى السور بأسمائها الحالية في البقرة وآل عمران … إلخ، بل بالسور التي يذكر فيها البقرة، آل عمران. فالسور ليس لها أسماء بل موضوعات.
تكشف عن الصلة بين التصوف والأشعرية فهي نظرة مركزية واحدة للعالم مع اختلاف المنهج، النقلي العقلي في الأشعرية والذوقي في التصوف. بل هو تصوف عائلي فالمؤلف زوج ابنة أستاذه أبو علي الدقاق، وأستاذه السلمي والجويني. قد يكون قد تحول إلى التصوف لمحنة سياسية ألمت به وهروبه وتهديده بالقتل. وقد رأى بعد تصوفه وهو على المنبر غريمه الوزير وهو يُقطع إربًا إربًا كما رأى عمر وهو على المنبر في المدينة معركة الشام وتنبيه سارية بالتفاف الأعداء حوله.
فماذا تعني الإشارة؟ تعني إحالة لفظ القرآن إلى شيء، ليس في الخارج، في التاريخ مثل القصص أو في الواقع مثل التشريع بل إلى تجربة إنسانية حية، إلى عالم الشعور. فالتصوف انتقال من الخارج إلى الداخل، والتحويل من العالم إلى الإنسان كما هو الحال منذ «إخوان الصفا»، الإنسان عالم صغير، والعالم إنسان كبير. لا تعني الإشارة المطابقة مع الخارج كما هو الحال في نظرية الصدق التجريبي بل كشف الإشارة لعالم داخلي في الشعور. وقد تختلف الإشارات باختلاف الأحوال النفسية في لحظات زمانية مختلفة. فلا توجد إشارة ثابتة في شعور متدفق جارف. فيتكرر تفسير البسملة مثلًا بتفسير حالات المفسر عبر الست عشرة سورة.
(٣) مؤلفات الغزالي (٥٠٥ﻫ)
(أ) «قانون التأويل»٥٣
(ب) «المقصد الأسنى، شرح أسماء الله الحسنى»٦٢
(٤) رسائل ابن عربي (٦٣٨ﻫ)
ويمكن تصنيف رسائل ابن عربي في الوعي النظري في موضوع التأويل: تأويل التنزيل، تأويل الحروف.
(أ) تأويل التنزيل
ويتناول تأويل التنزيل عدة موضوعات مثل: المحكم والمتشابه، وأسرار القلب، والمكاشفة والتنبيهات.
(١) المسائل لإيضاح المسائل٨٢
(٢) «رد المتشابه إلى المحكم من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية٨٦
(٣) لطائف أسرار القلب واللسان٩٣
(٤) «التنزلات الموصلية»٩٩
(٥) «المناصفة في حقيقة المكاشفة»١٠٤
(٦) «رسالة التنبيهات»١٠٦
(ب) تأويل الحروف
(١) «الألف وهو كتاب الأحدية»١١٠
(٢) «كتاب الباء»١١٢
(٣) «كتاب الجلالة وهو كلمة الله»
(٤) «كتاب الميم والواو والنون»١٢٣
(٥) «رسالة القسم الإلهي»١٢٩
(٦) «كتاب الياء»١٣٤
(٧) «الحروف الثلاثة التي انقطعت أواخرها عن أوائلها»١٣٦
(٨) «كتاب العظمة»١٤٠
(٩) «المبادئ والغايات في معاني الحروف والآيات»١٤٧
(١٠) «نقش الفصوص»١٥٢
(١١) «المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات»١٥٤
(١٢) «نسخة الحق»١٥٨
(١٣) «تفسير ابن عربي»
والتفسير بالرأي غير التأويل الباطني. فالرأي يخطئ أو يصيب والباطن مكاشفة ومشاهدة ومعاينة.
(١٤) «كتاب القربة»١٧٩
(٥) «إعجاز البيان في تفسير أم القرآن (سورة الفاتحة)» للقونوي (٦٧٣ﻫ)١٨٤
ويتضمن منهجًا جديدًا في التفسير يمكن تسميته بالمنهج الموضوعي. وهو تفسير للنص ليس لفظًا لفظًا أو عبارة بعبارة على نحو متقطع كما هو الحال في علوم التفسير أو في «تفسير ما بعد الطبيعة» لابن رشد، التفسير الكبير، بل هو تفسير لموضوع السور ككل واكتشاف لبنيته وأقسامها انتقالًا من النص إلى موضوع النص، ومن اللغة إلى الوجود. صحيح أنه تفسير معرفي قبل أن يكون تفسيرًا كونيًّا إلا أنه ليس تفسيرًا اجتماعيًّا سياسيًّا خاصة وأن السور تتحدث عن التوحيد وله انعكاساته على المجتمع والصراط المستقيم أي الخيارات الاجتماعية والسياسية، وعن المغضوب عليهم والضالين وهم فئات اجتماعية تضر بمصلحة المجموع.
- (أ) الإعراض عن البسط والإطالة والاكتفاء بالإيماء. والإشارة، وهو ما سماه فيما بعد في عرض منهج البحث والإيجاز.١٨٩ ولما كان المخاطبون هم المحققون من أهل الله وخاصته والمحبون لهم، المؤمنون بأحوالهم يتم الاكتفاء بالتلويح دون التصريح. ومع ذلك، هو تفسير طويل لسورة الفاتحة فكيف يكون تفسير السور الطوال؟
- (ب)
الجمع بين الكتم والإفشاء كما فعل النص القرآني.
- (جـ)
الاعتماد على التجربة الذاتية المباشرة دون نقل أقاويل المفسرين المتفكرين وغير المتفكرين.
- (د) تجاوز التفسير اللغوي الذي يوجبه حكم اللسان ويستدعيه الارتباط الثالث بين الألفاظ والمعاني وهي مجرد قوالب وظروف، والاكتفاء بالهبات الإلهية الذاتية.١٩٠
- (هـ) استعمال القول البرهاني لا الخطابي الذي استعمله أوائل الحكماء المشَّائين طبقًا لشريعتهم.١٩١