الفصل الثاني عشر

التخصيص١

وآخر تهذيب أو تطور نتناوله هو التدرُّج في التخصيص، فبعد أن ظلت الطيارة تتهذَّب بوجهٍ عام إلى العَهد الذي وصلنا بالقارئ إليه في الباب السابق، حين كان الغرض من تحسين الطيارة جعلها أقدر على الطيران والمناورة والثبات وحمل الطيار ومن معه، بعد ذلك دخلت في دور التفريق بين أنواعها بتخصيص كل نوع لغرض محدود، ومراعاة ذلك الغرض في التصميم والإنشاء، فظهرت الأجناس الآتية:٢
  • أولًا: المحاربة: وتكون خفيفة ذات مقعد واحد، أو أثقل من هذه بجعلها ذات مقعدين، وتحميلها معدات حربيةً أكثر. وتُراعى فيها جودة الطلاقة بقطع النظر عن الثبات، كما يُراعى اتساع مدَى البصر أمام كل من الطيار والملاحظ، واتخاذ احتياطات لمنع شُبوب النار أو انتشارِها إن حدثت بالفعل، فمن هذه الاحتياطات مثلًا: وضعُ حاجز سميكٍ من الحرير الصخري asbestos بين المحرك وبين الطيار وبقية أجزاء الطيارة، والحرير الصخري مادة لا تنال منها النار. ويمتاز هذا النوع أيضًا بما يحمل من مدافع، وتكون واحدًا أو اثنين أو ثلاثة، أحدهما فوق منعزل الملاحظ وهو وراء منعزل الطيار، وترى حامل هذا المدفع في شكلي ١٢-١ و١٢-٢، وآخر في الأمام ينبعث رصاصه من بين ريشات المروحة، ويكون زناد trigger، هذا المدفع على عمود القيادة قريبًا من مِقبض الطيَّار له. وفي هذا النوع من الطيارات تكون الأسلاك وصهاريج البترول كلُّها مُزدوجة، حتى إذا أصابتْ أحدَها رصاصةٌ نابَ الآخر عنها.
    fig54
    شكل ١٢-١: محاربة برستل جوبيتر Bristol Jupiter Fighter، وعليها محرك برستل جوبيتر المتشعب، وقوته ٤٠٠ قص.
    fig55
    شكل ١٢-٢: المستكشفة الفرنسية بريجيه ١٩ (لاحظ قِصَر الجناح السفلي، فالطيارة ذات سطح ونصف، وهو ما يسميه الفرنسيون sesquiplan).
  • ثانيًا: طيارات الاستكشاف reconnaissance: وتكون عادةً أثقلَ من المحاربة لِما تحمِل من مُعدَّات للفوتوغرافيا ومدافع وأجهزة لاسلكيَّة قوية، ومهمتُها كشف خطط العدوِّ وتبيُّن مواقعه وتصوير خطوط دفاعه، وقد يكون الفرق بينها وبين المحاربة قليلًا كما ترى في المستكشفة الفرنسية بريجيه ١٩ التي في شكل ١٢-٢، أو قد يكون الفرق كبيرًا. وقد استطاع بعضُها أثناءَ الحَرب الماضية التوغُّلَ فوق أراضي العدو وراء خطِّ القتال مَسافات بعيدة. وتحمل هذه الطيارات وقودًا كثيرًا (أي مقادير وافرة من البترول) حتى تتمكن من متابعة الطيران مدة طويلة، ويغلب أن تحرسها أثناء قيامها بهذه المهمة طيارات من النوع المحارب الخفيف لتدفع عنها هجَمات طيارات الأعداء. وهذه الطيارات الخفيفة تكون كثيرةً وتتناوب العمل، فإذا أشرف وقود بعضها وذخيرته على النفاد تكون جماعة أخرى أتتْ لتحلَّ محلها، فتنطلق هذه عائدة إلى مخازن الوقود والذخيرة فتأخذ منها ما تريد وتعود إلى الدِّفاع عن المستكشفة، وهكذا. وطريقة التناوُب هذه تُستخدم أيضًا إذا أُريد حراسة مكان معيَّن كطريق أو مضيق أو كبري باستِمرار.
    وقد ظهر حديثًا نوعٌ فرنسي جديد من طيارات الاستكشافِ الخفيفة من صنع المسيو تامبير Tampier، ابتُكرت فيه فكرتان جديدتان، أولاهما طيُّ الجناحين، وثانيتهما وضع محرِّك ثانوي مع المحرك الأصلي للطيارة، تتصل به عجَلتا العربة السفلية عند اللزوم، فإذا أراد مركز القيادة العامة للجيش أن يُغيِّر مواقع الطيارات تحت جنح الظلام طُويَت الأجنحة لتقليل الامتداد العرضي span للطيارات، واستُعيض عن عيدان الاصطدام الخلفية بعجلات فردية صغيرة، وشُغِّل المحرك الثانوي، فتسير الطيارات في الطرق العادية متنقلة ليلًا من مكان إلى آخر. وتُستخدم نفس هذه الطريقة إذا حال الضباب نهارًا دون الطيران وكان انتقالُ الطيارات من موقع إلى آخر متحتِّمًا. وترى في النصف الأسفل من شكل ١٢-٣ إحدى طيارات تامبير كانت معروضة في آخر معرض أُقيم بباريس (أواخر سنة ١٩٢٤)، وهي مطويةُ الجناحين وبجانِبها سيَّارة تجرها، ليقارِن الرائي بين حجمَيهما وامتدادَيهما.
    fig56
    شكل ١٢-٣: العليا طيارة لعب وسياحة [راجع الباب الرابع: التقدم الحديث للطيارة – الفصل الثاني عشر: التخصيص]، صنع بوتي Potez والسفلى طيارة مطوية الجناحين صنع تامبير تجرها سيارة.
  • ثالثًا: حاملات المفرقعات أو قاذفاتها bombers: وتكون أثقل بهذه المفرقعات من النوع السابق الذِّكْر، وهي التي تُستخدم في الغاراتِ على بلاد الأعداء، لا سيما حين تُخزَّن الذَّخائر، وهي التي تطارد المراكبَ الحربية لتصيبها بالطوربيد. وتكون هذه الطيارات متينة جدًّا ومتعددة السطوح لزيادة الرَّفع المكتسب من الهواء؛ لأنه أكبر عامل في حمل الأثقال. ويجد القارئ في شكل ١٢-٤ طيارة من هذا النوع، وهي أكبر طيارة في العالم الآن، وهي أمريكية واسمها بارلنج Barling، طولها عشرون مترًا، وعَرضها ٣٦ وارتفاعها ، ووزنها بما فيها يبلغ نحو ٤٠٠٠٠ رطل، منها نحو ٥٠٠٠ رطل زِنة القنابل، وبها ستة محركات من طراز لبرتي Liberty قوة كل منها نحو ٤٠٠ حصان، وهي تحمِل ١١ مدفعًا موزَّعة في عدة أماكن، وتتفاوت سرعتُها بين ١٥٠ و٥٦ كيلومترًا، أو نحو ٩٣ و٦٠ ميلًا في الساعة.
    fig57
    شكل ١٢-٤: بارلنج حاملة المفرقعات الأمريكية، وهي أكبر طيارة في العالم.
  • رابعًا: طيارات التعليم: وتكون خفيفة سهلةَ القيادة ثابتة، ويُراعى فيها ازدواج كل أجهزة القيادة، حتى يتولى المتعلم مجموعة منها one set ويتولى المعلم المجموعة الأخرى، وتكون هذه أفعل من تلك حتى يسهُل على المعلم تصحيح تلميذه إن أخطأ كما قدمنا، ويجلس المعلِّم عادةً وراء تلميذه؛ ليراقبَه من غير أن يراه الأخير. وطيَّارات التعليم في هذه الأيام نوعان: نوع ابتدائي، يكون صغيرًا سهلَ التوجيه متوسط السرعة، كالذي تراه في شكل ١٢-٥. ونوع تكميلي يكون أكبر من الأول وأكثر طلاقة كالذي تراه في شكل ١٢-٦، وقد تستخدم نفس الطيارة للغرضين حسب قوة المحرك الذي يُركَّب فيها، وهذا هو الحال تقريبًا في الطيارتين المعروضتين في الصورتين الفائتتين.
    fig58
    شكل ١٢-٥: طيارة التعليم أفرو ٥٠٤ك Avro 504K، وعليها محرِّك جنوم قوته نحو ١٠٠ حصان.
    fig59
    شكل ١٢-٦: طيارة التعليم أفرو ٥٠٤ن 504N، وعليها محرك لنكس Lynx وقوته نحو ١٧٠ حصانًا.
  • خامسًا: الطيارة التجارية: وتُراعى فيها علاوة على السرعة الأمور الآتية:
    • (١) الرخص سواء أكان في ثمَن الطيارة الأساسي، أم فيما تستهلكه كل ساعة من بنزين، أم في نفقات تعهُّدها maintenance وصيانتها upkeep وهي في الخدمة الفعلية. كل ذلك لكي يمكن تخفيض أجورِ السفر للترغيب فيه.
    • (٢) الثبات والأمن حتى لا يتردَّد المسافر في رُكوبها خوفًا من الدوار أو من الأَخطار.
    • (٣) سعة الصالونات ووثارة مقاعدها وضَمان تَهويتِها وتدفئتها، والإكثار من النوافذ وتنظيم مقادير فتحها، وغير ذلك من وسائل الراحة وانشراح الصَّدر.
    • (٤) الاستيثاق حتى يضمن الراكب أن الطيارة ستقوم فعلًا في الميعاد المحدد لها، وتصل كذلك في الوقت المذكور بالجداول التي بأيدي الناس، والعامل المهم في ذلك حُسن اختيار المحرك.
    كل ذلك يجب توافرُه في الطيارات إذا أُريد نجاحُها كوسيلة للنقل، فالاعتمادُ على تفوُّق سرعتِها على سُرَع القطارات لا يكفِي وحدَه في حمل الجمهور على الإقبال عليها، وقد رأينا في شكل ٢-٧ صورة أحدث طيَّارة هولندية من هذا النوع، كما نجِد في شكل ١٢-٧ صورة لطيارتين فرنسيَّتين منه أيضًا إحداهما ذات سَطحين والأخرى ذات سطح واحد، والأخيرة من صُنع حديث، أما الأولى فقديمة من نوعِ الجلياث، كانت مُستكشفة حربية تحوَّلت بعد الحرب إلى طيَّارة نقل بعد أن هُذبَتْ وعُدِّلتْ.
    fig60
    شكل ١٢-٧: طيارتا نقل فرنسيَّتان من صنع فارمن، لكلٍّ منهما ٤ محركات، اثنان عن يمين الجسم واثنان عن يَساره الواحد وراء الآخر.
  • سادسًا: طيارات السِّبَاق وطيارات اللعب والتسلِّي: ويُراعى في الأخيرة علاوة على السرعة جمالُ المَنظر ومِزاجُ صاحبها وخفة القيادة، وترى صورة لواحدة منها في النصف العلوي لشكل ١٢-٣. ويُراعى في الأولى الاهتمامُ بكل الدَّقائق التي من شأنها تذليلُ مقاومة الهواء لجريها فيه حتى تزدادَ سرعتها، وترى في شكل ١٢-٨ صورة لطيارة سباق أمريكية، يتبيَّن ذلك فيها بجلاء، لا سيما عند المقدمة.
    fig61
    شكل ١٢-٨: طيارة سباق (ومحاربة أيضًا) أمريكية صنع رايت.
  • سابعًا: طيارات الإسعاف ambulence: وتتحوَّل إليها بعضُ الطيارات التجارية الفسيحة المريحة، فتُستخدم لنقل المرضى، وتجد في شكل ١٢-٩ طيارة من هذا النوع أصلُها طيارة برستل ذات العشرة المقاعد، أصبحت الآن للإسعافِ وتَسَع نقالتين وأربعة مرضى جالسين. وليس استعمالها قاصرًا على زمَن الحَرب فقط ولكنها تُستخدم في السلم أيضًا.
    fig62
    شكل ١٢-٩: طيارة إسعاف إنجليزية.
هكذا تطورت الطيارة من حالٍ إلى حال، ولكن أجزاءها الرئيسية كانت دائمًا ولا تزال هي بعينها الأجزاء الستة التي ذكرناها في الباب الأول، ونعني بها:
  • (١)

    الجسمُ الذي يحمِل كل ما بالطيَّارة من معدَّات ورُكَّاب وبضائع.

  • (٢)

    الأجنحة وما يربطها بعضها ببعض وبالجسم، وهي وسيلة اكتسابِ الرفع من الهواء.

  • (٣)

    المحرِّك والمروحة التي يُديرها، وهو الذي يدفع الطيارة إلى الأمام متغلِّبًا على مقاومة الهواء لها.

  • (٤)

    السطوح الضابطة التي تُمكِّن الطيارَ من قيادة الطيارة وتوجيهها حيث يشاء وتحفظ لها ثباتها.

  • (٥)

    الأجزاء السفلية التي ترتكز على الأرض أو الماء، وتحمي جسم الطيارة من أثر الصدمات.

  • (٦)

    جهاز القيادة وما يتبعه من آلات وعِدد ورَوافع وأسلاك وغير ذلك.

وإذا أجال القارئ نظرَه في الرسومات التي أوردناها في هذا الكتاب تبيَّن فيها هذه الأجزاء الستة، وقد مرَّتْ أمثلة تكرر فيها بعض هذه الأجزاء في الطيارة الواحدة، ولكن لم ترد علينا طيارة بجسمين كالتي في شكل ١٢-١٠؛ فهذا نوع جديد لم يظهر إلا في معرض باريز الأخير.
fig63
شكل ١٢-١٠: طيارة ذات جسمين وسطح واحد، وهي من صنع شنيدر Schneider بفرنسا من طراز ش١٠ She10.

(١) وجوه التحسين وأغراضها

وجوه تطوُّر الطيارة وتحسينها تنحصِر في تهذيب تلك الأجزاء الستَّة بقصد تحقيق الأغراض الآتية:
  • أولًا: التخفيف في ثقل الأجزاء المختلفة، إما بواسطة تصميماتٍ مبتكرة أو بواسطة تخيُّر موادَّ جديدة، فكلما خفَّت الطيارة في غير ضَعف أمكننا أن نختار بين أحَد أمرين: إما تسييرها بمحرك أخفَّ وأرخص مع الحصول على نفس الطَّلاقة التي كانت لها من قبل، وإما الاحتفاظ بمحركها الأصلي والاستعاضة عن مِقدار الوزن الذي نقص بثقل نافع في صورة مدفع أو راكب أو طرد، إلخ، أو استخدام هذه الخفة في تحسين طلاقة الطيارة، بشرط أن تتذكر أن هذا التحسين في الطلاقة يزيد في الجهود stresses الواقعة على الأجزاء المختلفة، فنراجع حساباتها calculations لنتأكد من أنها تتحمل تلك الجهود الجديدة.
  • ثانيًا: تقليل المقاومة التي يجاهد المحرك في التغلُّب عليها، ويتم ذلك بواسطة دراسة اختلاف مقاومة الهواء للأجسام باختلاف أشكالها. ومعظم هذه الأبحاث عملية أكثر منها نظرية، وقد أُنشئتْ لهذا الغرض أنفاق هوائية wind tunnels خاصة متطاولة، تجد صورة لأحدها في شكل ١٢-١١، «يُشفَط» الهواء فيها من أحد طرفي النفق بواسطة مروحة أو مراوح، فيندفع داخلًا من الطرف الآخر، وهو الأيسر في شكل ١٢-١١، فيمر في خلايا honeycombs تنظم سيره، حتى إذا وصل إلى وسط النفق وهو عند السلم، كانت سرعتُه منتظِمة تقريبًا ويمكن قياسُها بالضبط، وهناك يوضع الجسم الذي يُراد معرفة القوة الواقعة عليه بسبب مرور ذلك التيار الهوائي، وهي نفس المقاومة التي كان يؤثر بها الهواء على الجسم إن كان الأخير هو المتحرِّك في الهواء الرَّاكِد.
    يُنصب الجسم بواسطة أسلاك وعيدانٍ تصِلُه بروافعَ إلى ميزانٍ خاص خارج النَّفَق (تحته أو فوقه)، فكلما زاد ضغطُ الهواء على الجسم تبيَّن ذلك في كِفة الميزان المناظرة لموقع الضغط، فنعادلها بأوزان نعرف منها مقدار ضغط الهواء بالضبط، بهذه الطريقة تُقاس قُوَّتا الرفع والمنع الواقعتان على الأجنحة ذوات المقاطع المختلفة، وبها يمكن اختبار أشكال الأسلاك wires، والدعامات struts٣ والأجسام بوجهٍ عام (سواء أكانت للطيارات أم للمناطيد) لتعرُّف خير هذه الأشكال، كما تستنتج أحسن الطرق لربط الأجزاء المختلفة بعضها ببعض، بحيث تقِلُّ المقاومة إلى أصغر حدٍّ ممكن.
    fig64
    شكل ١٢-١١: النفق الهوائي، وهو أحد الأنفاق الإنجليزية التي في قسم الطيران بالمعمل الطبيعي الوطني National Physical Loboratory بجوار لندن.

    وتعظُمُ أهمية هذه المسألة الأخيرة في طيارات السباق كما قدَّمنا، وكانت أسرعها في السنين الأخيرة أمريكانية، فقد رفعت هذه الطيارات أقصى سرعة من ٢١٢ ميلًا في الساعة إلى ٢٣٠، ثم رَفعت هذا الحد الأعلى ثانيةً إلى ٢٦٧، ولكن الفرنسيين تغلَّبوا على الأمريكان في ديسمبر الماضي سنة ١٩٢٤، فوصلت طياراتهم إلى سرعة قدرها ٢٧٨ ميلًا في الساعة، وذلك كله بفَضل التحسينات المختلفة التي من أهمِّها عامل تقليل المقاومة.

  • ثالثًا: ضَمان الاتزان وسهولة القيادة: ويتمُّ ذلك بتهذيب السطوح الضابطة، وهي: الذيل، والرافع، والدفة، والزعنفة، والجُنيحات، من حيث شكلها ومساحتها ونسبة التطاول فيها aspect ratio، وكذلك بإمالة الجناحين ليَحصُرا زاويةً زوجية بينهما dihedral، وبتغيير موضع مركز الثقل centre of gravity بالنسبة لمركز ضَغط الهواء centre of pressure على الأجنحة، ويُعين على ذلك في الطيارات ذات السطحين تغيير مقدار تراجُعِ أحدهما عن الآخر stagger٤.
  • رابعًا: زيادة الأمن والاستيثاق safety and reliability: ويتم ذلك بمراعاة ما جاء بالبند السابق وبتَحسين المحرِّك وكل آلة من الآلات المستخدمة على الطيَّارة، حتى يضعف احتمال وقوع خلَلٍ بها وما يتبعه من نزول اضطراري foreed landing، ذلك لأن وقوف المحرك لأي سببٍ من الأسباب من أهم دواعي الخطر التي يجب تلافيها. ومن المسائل التي تزيد في أمن الطيارة كلَّ ما يجري في المطارات مما سنشرحه بعد قليل.
  • خامسًا: مراعاة الوجهة الاقتصادية: وهذا أمر لم ينل اهتمامًا عظيمًا وقت تقدم الطيارة في الحرب الماضية؛ لأنها كانت تنازُعًا على البقاء، فلم تكن دولة من الدول تتردَّد في استعمال طيارة تفوق في سُرعتها طيارات الأعداء ببضع أميال في الساعة، ولو كان ثمنها يزيد كثيرًا على الأقلِّ طلاقة منها. أما بعد الحرب فقد صارت الوجهة الاقتصادية في المقدمة، فالدُّول بطبيعة الحال مُفلسة، والتزاحُم التجاري والتدافُع على السيطرة على أسواق العالم يَقتضي تخفيضَ النفقات، سواء أكان ذلك في الأثمان التأسيسية initial costs للطيارة والمحرِّك وأجزاء كلٍّ منهما، أو في تكاليف تعهُّد الطيارة والمحرك وصيانتهما maintenance and upkeep مع أجزائهما وهما في الخدمة الفعلية active service، أو في مقدار ما يستهلكه المحرك من بنزين أو وقود على العموم fuel consumption، أو بواسطة استكشاف مواد جديدة للوقود أرخص من المواد الحالية، أو ابتكار محرِّكات يمكن إدارتُها بواسطة الزيوت الرخيصة الموجودة الآن.٥ ويدخُل تحتَ هذا النوعِ من التَّحسين كل ما من شأنه توفير أسباب الراحة للركاب، التي هي أساس نجاح الملاحة الهوائية air navigation التجارية كما هي أساس الملاحة المائية.
١  specialisation.
٢  راجع ما ورد عنها في الباب الأول.
٣  مثلها تلك الأعضاء القائمة بين الأجنحة العلوية والسفلية، وبين جسم الطيارة والعربة السفلية.
٤  يكون هذا التراجُع في الغالب أماميًّا forward، وفيه يتقدَّم الجناح العلوي عن الجناح السفلي إلى الأمام، وقد يحدث العكس.
٥  وقد ظهَر بالفعل المحرك الذي يُدار بالزيوت الثقيلة، ولكنه لا يزال في دور التجريب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤