ملخص تاريخها قبل القرن العشرين
(١) دافنسي
أول هؤلاء لناردو دافنسي الإيطالي الذي عاش في أوائل القرن الخامس عشر وأوائل القرن السادس عشر، وكان مُصوِّرًا ورسَّامًا ومعماريًّا ورياضيًّا وفيلسوفًا سبق أهل زمانه في تفكيره وبحثِه، حتى إن كتاباته لم تُقرأ بعناية إلا بعد موته بقرنين أو ثلاثة ولم تُعرف قيمتها العلمية إلا قريبًا.
(٢) كيلي Cayley
(٣) آدر وللينثال
(٣-١) طريقة للينثال في الانحدار
وهي الطريقة التي نسج على منوالها بعده كل معالج للانحدار. كانت تنحصر في قبضه على عود متصل بالجناحين وجريه على سَفح جبل، حتى يحس بأن الهواء يرفعه بقدر يُمكِّنه من الطيران، فيقفز إلى الهواء ويبدأ في الانحدار تحت تأثير جاذبية الأرض، وكان يتوخَّى الأماكن التي يهب فيها نسيم لطيف ثم يواجهه عند انحداره، فتزيد بذلك مدة بقائه في الهواء. وما زال بمنحدرته يُحسِّنها وبالتلال يتخيَّر أنسبها، حتى تمكَّن من أن ينحدر بزاوية ظلها ١ / ٨، أي إنه قطع قبل أن ينزل إلى الأرض مسافة أفقية قدرها يساوي ثمانية أمثال ارتفاعِه حين قفز في الهواء، كما أن مدة بقائه في الهواء اطَّردت زيادتها.
عندئذٍ أراد للينثال أن يعمل آلةً يُركبها على الطيارة فتساعده على ضبطها، فيتسنَّى له توجيهها حيث شاء، وبذلك يستفيد من الرياح فائدة كبرى تطيل مدة بقائه في الهواء، وفعلًا صنع محركًا قوته حصانين ونصف حصان، ولكنه للأسف مات قبل أن يدرس هذا النوع من الطيران.
(٣-٢) لانجلي Langley
ننتقل بعد ذلك إلى لانجلي الأمريكي أيضًا، حيث يجد الإنسان حياة علمية يصح أن تُتخذ نموذجًا، فالمجهودات التي كان يبذلها هذا الرجل مثال من أحسن الأمثلة للبحث المنطقي المنتظم، والذي يستحقُّ أن يوصف بأنه عِلمي. كان لانجلي مخلوقًا عاديًّا له من الذكاء قسط غير وافر، ومن هذه الوجهة تكون دراسة حياته مفيدة للرجل العادي ليتعلم منها الصبر والمصابرة والاحتيال للتغلُّب على الصعوبات وتحمُّل الخيبة من آنٍ لآن، بل الترحيب بها والاستفادة منها. ولكي نُقرِّب للقارئ نوع الصعوبات التي اعترضته نروي له أن أهل أمريكا في ذلك الحين كانوا يعتقدون باستحالة الطيران، بدليل أنه لم يكن مسموحًا لأحد بأن يسجِّل لنفسه أيَّ اختراع يتعلق بالطيران؛ فرأي الأمريكان فيه عندئذٍ كان كرأيهم في الحركة الدائمة الأبدية الآن، فهم كذلك لا يسمحون في الوقت الحاضر بتسجيل جهاز يدعي صاحبه استطاعة توليد الحركة الأبدية بواسطته.
وقد عاش لانجلي في الوقت الذي عاش فيه آدر وللينثال بالتقريب، ولكنه بلا شك لم يعرف عنهما شيئًا؛ لبُعد المسافة أوَّلًا، ولأنه لم يذكر عنهما شيئًا في كتاباته مع ما عُرف عنه من نَزاهة وأمانة نادرتَيْن.
(٤) الأخوان رايت
وفي أواخر القرن التاسع عشر صنع رجل فرنسي اسمه لينو لعبةً على شكل نموذج لطيارة، تُستخدم فيها قطعة من المطاط لإدارة المروحة التي تدفع اللعبة إلى الأمام في الهواء، وانتشرت هذه اللعبة في أوروبا ثم انتقلت إلى أمريكا، واشترى رجل هناك اسمه مستر رايت واحدة منها إلى ولديه: ولبر وأورفل، فأعجبتهما كثيرًا وأوجدت فيهما ولعًا بالحركة في الهواء، فقرءَا بعض الكتب التي لها مساس بذلك. ولما مات للينثال في ألمانيا سنة ١٨٩٦ وطيَّرت الشركات خبر موته في العالم ونشرت تاريخَ حياته، وقرأه هذان الشابان وعرفا أنه نجح في التحليق في الهواء بمنحدرته، ذكت في نفسَيهما جذوة الولوع بالطيران، فقرءا الكتب التي عندهما عنه واشتريا غيرها، وتعلَّما الألمانية وقرءا ما كتبه للينثال، وبدءا يدرسان أعماله وأعمال مَن نسجوا على منواله في أوروبا، واستنتجا من كل ذلك خير نوع للمنحدرة، ثم جاء دور العمل بعد القراءة، فبدءا فيه بعقل، وعملا تصميمًا خاصًّا لمنحدرة جمعت كل المحاسن في نظرهما، وبدءا تجاريبهما العملية سنة ١٩٠٠، وعندئذٍ غابت شمس القرن التاسع عشر ولاحت شمس القرن العشرين الذي شاء الله أن يختصه بالتقدُّم الحقيقي للطيران.