أوراق خريف
– لماذا سميت كلماتك أوراق خريف؟
– احزر.
هذا ما سألنيه أحد أصحابي بعدما قرأ كلمتي الأولى في «المكشوف» اليومي، ولما أجبته: احزر، صاح كأنه اكتشف القنبلة الهيدروجينية: أظن أنك أخذته عن فيكتور هيغو.
فقلت: ما حزرت يا صاحب، فهز كتفيه ودلى شفته السفلى حتى خفت أن تقع … وحاولت أن أستثير فضوله بسكوتي، ولكنه كان أصبر مني على الصمت، فتراجعت عن حصن صبره المنيع، ثم تضاحكت وقلت: احزر، فرد بامتعاض اليائس وهزة كتف.
فقلت: ما لك تتأله لتتحدث عن أتفه الأمور؟! سميتُ كلماتي أوراق خريف لأنها كورق الخريف تذهب. ويا ليت فيها ما في تلك من خير، تلك ربما سدت فراغًا في بطن حيوان، أما هذه فلا تغذي من كانوا موتى الوجدان. هاتيك تستحيل سمادًا يغذي التربة أما هذه فما تقع إلا على صخور … صارت القلوب حجارة يا أخي مات الزمن الذي كانوا يقولون فيه:
قال زياد: كذبة المنبر بلقاء، فما قولك فيما نسمع اليوم من إخوان ابن أبيه؟! يكذبون على الله وعبيده ولا يبالون. صار الكلام شر السلاح، وجلود التماسيح لم يعد يؤثِّر بها غير المسلَّات … فلولا يستعيض بها الكاتب عن قلمه لكان أوفر احترامًا.
شغل كلام الناس بال يسوع الجليلي فسأل تلميذه: من يقول الناس إني أنا؟ ولما أنبأه تلميذه المتحمس أنه هو المسيح ابن الله الحي، مشى السيد إلى الجلجلة بقدم ثابتة.
ألا ترى أن الذي تعتقد مئات الملايين من البشر أنه الله متجسِّدًا كان يحسب حسابًا لكلام الناس؟ وأما نحن فصرنا لا يعنينا ما يقوله الناس فينا.
«ماشي الحال … لا جمل ولا جمال» هذا شعارنا، إذا امتلأ الصندوق والجيب فلا عار ولا عيب.
أأدركت الآن لماذا أكتب تحت عنوان «أوراق خريف»؟
فانتفض محدثي وقال: ما زلت تعرف أنك تنفخ في رماد، فلماذا تكلف نفسك؟!
فقلت: ما قولك في اتباع نهج أبي تمام؟
فقال: وكيف؟
قلت: قال أبو تمام: والحرب مشتقَّة المعنى من الحرب، فلتكن أوراق خريف مشتقة من الخرَف …
فقهقه وقال: عال، عال، عال.
فقلت: علَّى الله شأنك، أنا ضمنت لك «مجنونًا يحكي»، فهل تضمن لي أنت «عاقلًا يفهم» ليصح فيَّ وفي أصحابك هذا المثل؟