دبان
أما الناخب فغدًا أو بعد غد ميلاده، يحبل به خمسة وأربعين شهرًا، ثم لا يعيش إلا ثلاثة أشهر، يلفظ الفقيد الغالي أنفاسه الطاهرة في الساعة الرابعة بعد ظهر يوم الاقتراع. ينتهي عمره ساعة يولج أصبعه في ذاك الشقِّ … شق الصندوقة، وعندها يلفظ الروح، كأنه النحلة تلسع وتموت.
يجاء به راكبًا، ويرجع راجلًا، إنه الخاسر في الحالين، أما هؤلاء الذبان فمضمون ربحهم، يأكلون حلاوته وأمه تقبره …
غدًا تتفتح الأبواب الدهرية، وترتفع القيم الإنسانية ويغلي سعر بني آدم إلى حين، يوم يستوي فيه الجبَّار وسائق الحمار.
الصوت، صوت، فلتحيَ الديمقراطية!
زارني مرشح أديب على عهد «المندوبين» — والمندوب كانت تنتخبه القرى ليبيعها في مركز المحافظة — فأقبل الأهالي مسلمين، فكان يصافحهم وعينه تائهة، يريد أن يعرف أيهم هو المندوب، فلما تصافحا يدًا بيد قلت مازحًا:
فصاح بلهفة: رحم الله اليازجي، ثم شد على يد المندوب بكلابتيه، ثم كانت أحاديث احترام، فغرام، فهيام، كذَّبها شهر الدبس …
غدًا تفتح أبواب المرشحين أشداقها، وتسيب المطابخ والمعاجن … فلا يجاب الطارق: البيك ضهر ولا في الجبل، أهلًا وسهلًا، تفضل … ما عليك حاجب ولا بواب …
وتدوم هذه الحال إلى يوم الاحتضار والحشرجة، والموعد الساعة الرابعة، فينعى الناخب، ويغيب البيك، ويختفي وجه الأفندي ويضيق صدر الزعيم، فلا يعود يظفر «بالمواجهة» إلا من صلت له أمه ليلة القدر …
يا أخي، يا صاحب الصوت، انتبه، انتقِ نائبك على عقلك، إن كان لك عقل.
كش الذبَّان … إذا شئت أن تنام نومًا هنيئًا.