صباحية الناخب
من حقك أن تقول لي: وأين صباحيتي! ففي غرَّة العام الجديد يتهادى المحبون، ومن أحب إلى الكاتب من قرائه — إذا كان له قراء أذكياء مثلك — أما أنا يا صاحبي فكما قال المتنبي:
فإذا كنت ترضاها صباحية حكي فيا مرحبًا بك، وخصوصًا في سنة هي سنة حكي، أليست سنة انتخابات! فكم من حكي ستسمع. ستدخر في شهرين مئونة أربع سنوات، إذن أنت قادم على خير وافر من الكلام الأفيوني، وها أنا أهنئك منذ الآن: سنة مباركة ورزق جديد …
– إن شاء الله …
قلت لك: إن هديتي حكي، وقد يستحيل الحكي مالًا، كما يستحيل الناس نوابًا، والنواب وزراء، ولا عجب فللكيمياء فعل عجيب … فاسمع إذن:
غدًا تمس الحاجة إلى «الزلم» فلا تخفف رأسك، تذكر أنك «زلمي ملء الحبل» وإلا رحت رخيصًا. كثيرون سيدفعون، وكثيرون سيقبضون حق «الزلم» فلا تبع نفسك ولا تدع أحدًا من الناس يبيعك، فالحرة تموت ولا تأكل بثدييها. لا تنس أن اليد العليا خير من اليد السفلى فإياك ثم إياك، ثم إياك …
لا تنس أنه لا يزال في الأرض بقوة أوادم تعرفهم أنت وأنا وكل إنسان فاختر نائبك منهم، ولا تسمع كلمة «السماسرة» الذين عرفتهم بلا سراويل، حتى إذا غطوا العيب وسافرت أيديهم ورجعت غانمة، جاءوا يغرونك ويخدعونك.
إذا خيرت بين مرشحين يدفعان فخذ من الأفضل ولو أقل كما فعل ذاك الأميركي، أخذ من الأفضل عشرة دولارات، ولم يأخذ العشرين من المرشح غير الصالح. أراك قد سقط ريالك حين سمعت بالريال! صحيح أن القطع النادر عزيز، ولكن الوطن أعز يا عزيز قلبي.
إياك أن ترحم من لم يرحمك حين وصل، أرى من الخير أن تغلق بوجهه بابك، وتقول له أنت من الداخل؛ لأنك لا تزال بلا خادمة، كما كان هو قبل أن صعد إلى العلية على أكتافك، قل له من الداخل، ولكن غير صوتك: أنا غير موجود الآن. وإذا سألك: هل ترجع بعد؟ قل له: نعم بنعمة الانتخاب تعالَ ارجع، تحجب مرة في حياتك لترى كيف هو طعم الحجاب، فهذه ساعتك.
سيقص عليك السماسرة قصة الوالي العثماني الذي قال للأهالي: أنا شبعت، وسيأتيكم واحد غيري جوعان فخير لكم أن أظل. لا تصدق من أكل مرة وشبع إلى الأبد إذا تغديت حتى انبشمت، أتنام بلا عشا؟ وإذا لم تتعش ألا تفطر؟ إذا كانت اللقمة مفتاح فم الشبعان، فكيف يكون فم الحوت!
لا تنتخب إلا النظيف الذي لا يبيع حقوقك ليشتري حقلًا ويعمر بيتًا، سيقولون لك: انتخب الشبعان، لا تصدق، ففي الدنيا نفوس شبعانة وعيون جوعانة. فرب فقير شبعان، ومليونير مصاب بداء الكلب، ومن يشفى من داء الكلب!
قف على سيقانك مرة أيها الناخب العزيز تتعود وتحترم، جربها مرة وخطيئتك في رقبتي، كسِّر «عكاكيز» المرشحين على ظهر من تريد، قل لهم: أنا موجود، أنا لا أبايع إلا مخلصين فلا حاجة إلى العكاكيز التي تتوكئون عليها لتصلوا إلى بيتي تعكزوا على صيتكم الطيب.
كأنني أسمعك تقول: نعم أنا الناخب، أنا أقود نفسي إلى صندوقة الانتخاب، حيدوا من الدرب.
هات، إذن، يدك لأهنئك، لأنك أريتني أنك رجل، ومشيت وحدك إلى الصندوقة.
هذه صباحيتك — مؤقتًا — وسوف تأتيك مني صباحيات، فأنا كريم وأنت تستاهل، ولا عاش كل بخيل.