آخر حجر
فرغ جراب الانتخابات، والحمد لله، فهذا آخر حجر نرمي به الجوزة.
يقولون: دم جديد، وجوه جديدة، وعي ولا وعي، وما أرى الواعين والغافين إلا متساوين بالعظمة والكرامة … لقد أرتني الانتخابات أن ما يتغنون به من مبادئ وعقائد ليس إلا ألفاظًا جوفاء.
أراني شطرنج اللوائح الانتخابية أن المنصب هو الغاية، أما الواسطة فيبررها الوصول، حتى صحَّ بالكثيرين قول الشاعر:
وأما الوعي فعنعنات محلية تدركها اليقظة الكبرى في هذا اليوم العربيد، فتقذف النفوس الحقيرة حمم الضغن والحسد يخالها المرشح حماسة تقدمية لم تكن لولا سواد عينيه.
ليته يدري أن شعبًا يطير شقاقًا لأجل بطلين كدياب بن غانم والزناتي خليفة، ويتناقر حول ديكين، لا يتورع عن أن يتصارع حول رجلين يتنازعان ملاءة النيابة، إنه ليس أقل إيمانًا بأعاجيب النواب منه بعجائب أبونا شربل!
أجل، ليس لرقي البلاد فارت قدور الناخبين بل لحزازات ملأت القلوب قيحًا، وساعة الانتخابات أنسب فرصة لفقء الدمل وحك الجرب.
هكذا كانوا وما زالوا، وهكذا يظلون ما دامت العوامل والبواعث هي هي، طائفية عمياء، وحزبية صماء ومآرب خرساء.
كان الأمير مصطفى أرسلان ونسيب بك جنبلاط يتنازعان قائمقامية الشوف، وكان الناس حولهما حزبين، فتقوم الأرض وتقعد حين يُولَّى أحدهما ويعزل الآخر. وبلغ الأمير مصطفى مرة أن أحد الناس في القرية الفلانية عمل ما لا يعمل يوم منح الأمير رتبة «عطوفتلو بالا»، فهزته أريحية ذلك الرجل فدعاه وقال له: يا فلان، بارك الله فيك، أفضلت وكثرت، أنا لا أذكر أنك قصدتني وقضيت لك غرضًا.
فأجاب الرجل: لا تستحِ مني يا سيدنا المير، قل لي ما رأيت لك صورة وجه قبل الساعة، يشهد علي الله وعطوفتك إني ما قوَّصت ولا زيَّنت إلا نكاية بابن عمي لأنه من حزب غيرك. القصة بيني وبين ابن عمي، وعطوفتك صاحب الفضل لا أنا؛ لأنك خلقت لي فرصة مواتية أفرك فيها أنفه …
على هذا الناموس سار اللبنانيون أمس وسيسيرون إلى حين. إن أكثر ما أقيم من حفلات تأييد صارخة كان للنكاية والظهور لا لشد الظهور.
ما بيَّض وجه لبنان واستحق شكره إلا «الحكومة»، ليتنا نفكر بما يخلد ذكرى هذا الجميل.