أنا أعمدك سمكة
دعي كاهن إلى تعميد طفل، وحفلة «العماد» لها ما بعدها من المآدب، وخصوصًا إذا كان المولود جاء بعد جهد … فيطبخ الأبوان أصنافًا شهية خفيفة على المعدة ولا شيء أخف من الطير. فكانت شيخة سفرة المعمودية دجاجة سمينة، لو اشتم ابن الرومي رائحة أبزارها وسمنها؛ شتّ رياله وخلع الكفن.
بمثل هذه التجربة السخنة ابتلي المحترم حين قعد على المائدة قعدة فهد رأى دجاجة عظمت فكادت أن تكون أوزة … تذكر أن «علم اللاهوت» يعد «الشراهة»، في مثل هذه الحالة، خطيئة مميتة، فتأسف، وتحالف عليه النظر والشم فاندحر هذا القوي أمام الضعيفين فاستسلم ولم يصادم، ونوى على الاعتراف في غد … وما همَّ باقتحام الدجاجة حتى قالت أم الطفل المعمود: لا تؤاخذنا يا محترم، الخضرة نادرة في أيام الصوم، والطقس ما هو طقس سمك.
فرفع يده عن الدجاجة ونفسه تشتهيها وقال: كنا نسينا الصوم، ونهار الجمعة يا بنتي، والمثل يقول: عند البطون ضاعت العقول.
ورفع بصره إلى السماء نصف رفعة كمن يفتش عن حيلة يقهر بها اللاهوتيين وتنطسهم، فكفت الأيدي ووجم المدعوون وجوم مأمور استغني عن خدماته العزيزة، بينا كان ينتظر أن ينطَّ درجات فيبلغ رأس السلم، فقال «العرَّاب» وهو في المرتبة الثانية بعد الخوري في حفلة العماد: تفضل يا معلمي، فأجاب الشماس: اتركه يفكر، فالإنجيل قال: إنهم يحلون السبت ولا لوم عليهم …
لقد خسرت حفلة العماد شيئًا من رونق فرحتها تجاه هذه المعضلة التي لا يحلها إلا مجلس الأمن الدولي، فتقدَّمت الست، وأخذت يد الخوري بعنف اصطناعي، واللقمة فيها كمخلب النسر، وأخذت توجهها صوب الدجاجة، وقالت برخاوة حنك: باركْ … صرِّفنا.
فابتسم المحترم وقال: على مهل يا بنتي … وفي تلك اللحظة حلت النعمة وهبط الوحي، فصب أبونا نقطة ماء في يده اليمنى، ثم نضح بها الدجاجة قائلًا: أنا أعمِّدك سمكة.
هذا ما حصل حين نقل الأستاذ إدوار أبو جودة من مديرية الأمن العام إلى مديرية التربية الوطنية. قلت الأستاذ لأن السيد إدوار أستاذ في الحقوق، أبو جودة غير غريب عن أورشليم في الأدب، إلا أنه أصبح كالمختص بالأمن ومعضلاته، ومن عاش «ديكًا» يطارد من يقتحم «الخراج» ويحرق ديكه … لا يصح أن يعمَّد سمكة لنرضي شراهتنا …
وبعد، فلعل لهم عذرًا ونحن نلوم، ولعل وجود أبو جودة في التربية الوطنية يذلل — بعد نصف قرن — مصاعب كثيرة أمام الأمن العام، فمن يفتح مدرسة يغلق سجنًا.
وبكلمة جدية واضحة نقول: إن «عهدنا» الجديد محتاج إلى الإخصاء، فإذا عجزنا عن إيجاد المختصين، فلندع المتمرنين حيث هم. إن هذا «التعميد» غير جائز لا دينيًّا ولا مدنيًّا.