حول البكالوريا
إذا كنت لا تعرف كيف تحشى «المقانق» فاسأل من يعرفون يقولوا لك: إن لها قمعًا تدك به، فتكون كقطائف ابن الرومي المحشوة حشو الموز … وإذا كنت لم تفهم جيدًا فما عليك إلا أن تدخل صف بكالوريا وتتسمع إلى ما يلقيه أستاذ الأدب العربي، أو يمليه …
أسعدني الحظ منذ أيام، فقرأت بضع عشرة ورقة من موضوعات البكالوريا، فكانت ساعات ضحك قد لا يتيسر مثلها في رواية كشكشية. تلاميذ يهرفون بما سمعوا من معلميهم، فسوَّدوا صفحات يزعمون أنها تبحث في «خصائص الشعر الجاهلي»، وما هي غير حكايات ملمومة من هنا وهناك وهنالك، اكتشفها أستاذهم الأثري في مجاهل الكتب وفيافيها وهكذا قالوا لنا كل شيء ما عدا خصائص الشعر الجاهلي.
استنتج أحد هؤلاء الطلاب النجباء أن البصل كان معروفًا في الجاهلية؛ لأن امرأ القيس قال:
واستدل ثانٍ على أنهم كانوا يعرفون الزيت والفتيل والسراج بدليل قوله أيضًا:
وقال ثالث: يظهر أنه كان عندهم «سياخ شك» لأن النابغة قال:
وقال آخر: يظهر أنهم كانوا يأكلون اللحم بلا خبز، ولهذا لم يأت امرؤ القيس على ذكره في «علفة» دارة جلجل …
– اسأل معلمك يا بني، يظهر لي أنه من غير أكالي الخبز …
وأخيرًا قال طالب: فلنكمل استشارتنا، فضحكت وقلت لرفاقي المميزين: يظهر أنه ابن نائب مستوزر.
أما في موضوع أبي فراس فراح تلميذ يدافع عن «أيضًا» في قول الشاعر:
فزعم أنها دليل على عدم التكلف، لا كما زعمت أنا مرة، ثم قال: فهو لو أراد التنقيح لما فاته أن يقول: أبدًا وديوان العرب، فتأمل ذوق معلمه الذي جاء بأبشع منها …
أما من حيث سلامة التركيب فاحلف يمينًا أنني ما قرأت صفحة خلت من أغلاط نحوية وصرفية ولغوية، أما البلاغة فما أخال أنهم سمعوا بها.
فمن الملوم يا ترى؟ أوزارة التربية أم المنهاج؟ لا هذا ولا تلك، المدارس وحدها، هي المسئولة، فعليها أن تختار معلمين عارفين بالأصول، وذوي حاسة شم وذوق ليشموا الأدب ويذوقوا طعمه.
أما المواضيع التي تطرح عليهم فأكثرها عام شامل لا يحوج الطالب إلى التفكير؛ ولهذا نراه يقذف إلى الميدان بجميع ما حشد في ذاكرته من جيوش معلومات درَّبه معلمه على قيادتها ليفتحا بها قلعة البكالوريا …
ما أشبه طلاب اليوم بكباش «القورما»، وما أشبه المعلمين بالنساء اللواتي يعلفنها النخالة والكرسنَّة المجروشة لقمًا لقمًا، وكما تنتظر المرأة يوم الذبح لتنافس جاراتها بما أحرزت من شحم ولحم، كذلك ينتظر أرباب المعاهد يوم البكالوريا ليتنافسوا بالكم لا بالكيف …
إن ثقافتنا لفي خطر، فلا حول ولا …
كذَّب الله ظننا حتى لا نقول: إنا إلى الله.