امسك بذنب الحمار
لا أذكر أين قرأت هذه الحكاية التي تحث على مكافحة الجهل والأمية:
قعد صياد يستريح على مفرق طرق فإذا بمكار يسوق حمارًا كهلًا، ولما بلغ المفرق وقف متحيرًا لا يدري كيف يتجه، فقال للصياد بذلة السائل: أية هي طريق البلدة الفلانية؟ فدله على الحجارة المنصوبة — الصوى — لتهدي الناس سواء السبيل.
فازداد المكاري حيرة وابتسم ابتسامة صفراء وقال للصياد: ولكنني أمي يا سيدي لا أقرأ ولا أكتب.
فأجابه الصياد ساخرًا: امسك بذنب حمارك ولا تفلته، وهو يقودك.
إن هذه الشهادات لحمل ثقيل على أكتاف حامليها، فلا هي تطعمهم خبزًا، ولا هي عتاد للكفاح؛ لأنهم يتعلمون لاجتياز الامتحان لا ما ينفعهم بنافعة، فإذا حملوا تلك الورقة بيمينهم رأوا أن في يدهم ورقة ليس غير، وإنهم كذلك الأمير الذي قال فيه الشاعر:
وإذا سألت طالب عمل من هؤلاء الشباب: لماذا لا تبتغي غير الوظيفة، أجابك أنه حامل بكالوريا! وهل يليق بحامل البكالوريا غير الكرسي؟!
فآه وألف آه من الكراسي! فأي أفضل يا صاحبي، أأن تكون بائسًا وعبئًا ثقيلًا على أبيك الذي أنفق كل ما يملك مترجيًا أن تكون له عكازًا لشيخوخته، أم أن تعمل عملًا شريفًا تستغني به عن إرغام أنفك.
حكي أن «شيخًا» افتقر وباع ما ورث من عقارات حتى أثاث بيته والفرش، ولم يبقَ له غير بلاس ينام عليه هو والشيخة الجليلة، وأما اللحاف فمهلهل.
وفي ليلة باردة جدًّا قال الشيخ للشيخة وهو يوحوح ويقضقض كمن نفضته الحمى: إذا كانت هذه حال المشايخ؛ فكيف تكون حالة الفلاحين المساكين؟
هذه هي عقلية حامل البكالوريا في لبنان وغير لبنان، فليت الحكومات تشدد — بعد أن تعدِّل مناهجها وتجعلها مسايرة للحياة — لكيلا يجتاز الامتحان الصارم إلا الطويل العمر.