الشيطان والبيضة
حكي أن راهبًا نفسه رخوة وبطنه عزيز عليه، فما استطاع أن يعيش سبعة أسابيع على الطعام القفار، كان يحب «الزفرة» حبًّا جنونيًّا، وكانت وظيفته «رئيس حقلة» في أملاك الديورة، ومن بروتوكول رئاسته تلك الإشراف على «قنِّ» الدجاج وجمع البيض وادخاره ليوم الفصح المبارك.
وفي ذات ليلة من ليالي جمعة الآلام المقدسة هاجت قابليته وماجت، فكان نضال عنيف بين الأخ جراسيموس وشيطانه الذي يجر به، قالت له نفسه: كلْ ولا تخف، فأكل بيضة، أي خطية هو؟
فارتمى الأخ المكرم على فراشه وأجاب نفسه الأمارة بالسوء: اسكتي يا منافقة! أتشبعك بيضة؟! بعد غد كلي حتى تنبشمي.
ولكن الأخ لم يثبت في وجه عاصفة التجربة، فراح يفكر كيف يأكل البيض، فهو لا يعجبه نيئًا. أيقليه؟ فالريحة تفضحه، أيسلقه؟ فلا إناء عنده ولا نار، وبينا هو يتبحر في حل هذه المعضلة الدولية إذا بها تنحل بغتة كالأنشوطة، فقام إلى البيض وانتقى إحدى العتاق الكبار لأن تقشير العتيقة أسهل، ثم راح يشويها على لهب الشمعة، وفيما كان يقلبها بعناية فائقة إذا برئيس الدير العائد من قضاء حاجته يشم قتار قشر بيض، فوضع عينيه على ثقب في الباب غفل الأخ جراسيموس عن سده فرآه على تلك الحال فقرع الباب وصاح: يا أخي جراسيموس، بأمر الطاعة افتح.
ففتح الباب وخر الراهب إلى ذقنه وقال بانكسار: اغفر لي يا محترم، من أجل المسيح.
فقال له الريس: كنت صبرت يومين يا خي جراسيموس، وربحت أجر صيامك.
فتمتم الراهب وقال: اغفر لي يا محترم، من شأن المسيح، الشيطان جر بني.
فصاح الشيطان القابع في الزاوية: لا تصدق يا محترم، أنا تعلمتها منه.
حقًّا إن ما نقرأ اليوم من مختلقات عشاق الكراسي من مستوزرين وغيرهم ليذكرنا بكلمة الشيطان لريس الدير فإخوة الأخ جراسيموس لا يمهلون حتى يجيء الفصح فيأكلوا حتى تنتفخ بطونهم، وإن كانوا لا يعرفون الشبع.
مصيبتنا كبيرة جدًّا في هذا البلد كلنا نشتهي أكل البيض يوم الجمعة الحزينة، فنلجأ إلى أخس وسائل الطهي … ونأكل البيضة مشوية ولو حرقنا أصابعنا …
إن ألسنة هؤلاء أشد إحراقًا من لسان شمعة ريس الحقلة، ومع ذلك لا يعترفون مثله قائلين: جرَّبنا الشيطان.