أدواء بلا دواء
في كل يوم نسمع نشيش مقلي الوزارة، فلا تسخن الكراسي حتى يحلم بها آخرون، ويحاولوا أن يزحزحوا الجالسين عليها، سواء أحسنوا أم أساءوا، فكأنما الوزارة في لبنان أشبه بلعبة: وسَّع وسَّع.
ولماذا لا يحلم كل واحد بالوزارة عندنا ما دامت النيابة آلة الدست.
حكي أن أحد كتَّاب ديوان المأمون قد جوَّد خطه ونمَّق إنشاءه، ثم عرض الرسالة على الخليفة ليوقعها، فأعجبته صيغتها وصياغتها، فقال له: إنك تطمع بوزارة … أما عندنا فما أكثر الذين يطمعون بها دون تجويد خط وتنميق إنشاء …
أما الميزانية فحبل يمسك النواب بطرفيه، وكل فريق يشدُّ صوب صدره، والنائب البطل، من أية جبهة كان — وكل الجبهات في هذا سواء — هو من يغنم الحصة الكبيرة، ويرضي بها من انتخبوه.
عندنا طريق، تخلع على زوارنا البرانس البيضاء، بلا ثمن، فلو كنت نائبًا لما زفَّتها فقط بل كنت أخذت ثمن تيني وعنبي وثماري أضعاف ما هو، ولكني لست بنائب، ولهذا يصح بي قول الشاعر مع بعض تحريف:
أما مياه الشرب فشعار أصحاب الأمر والنهي: نسقيك بالوعد يا كمون.
فلتحي البئر، ولتحي السماء.
ما أحراني أن أقول مع بشَّار: أصبحت مولى ذي الجلال … ولكنني أخاف ألا يكون لربنا في هذا البلد إلا ما كان له في حكايات مصرية.
حكي أن أربعة مختلفي الألوان كانوا يعربدون في الشوارع ليلًا، فأدركهم العسس وعلقوا يسبونهم جملة. ثم عاد آمر الفصيلة إلى التفاريق فكز وكشر وسأل أحدهم: من رعايا من أنت؟
فتطاول هذا وأجاب: أنا إنكليزي.
فتوارت التكشيرة حالًا، واقترب منه بلين، وبعد أن زوَّده بنصائح كأنها الاستعطاء أخلى سبيله.
وأقبل على الثاني يستجوبه فقال: فرنساوي، فوبخه بعنف ثم خلى سبيله. ومال على الثالث مستفهمًا، فقال الرجل: أخصُّ القنصل الفلاني، فشتمه أعنف شتم حتى ذكر أمه، ولكنه أخيرًا أخلى سبيله، فلحق برفاقه.
أما رابع الثلاثة — وهو مصري من أولاد البلد — فأعجبه أن يجيب: أنا من رعية ربنا.
فانهال عليه بالكرباج وقال سوقوه إلى الحبس، فصاح الرجل بينما كان السوط يلحس قفاه: دا زمان زفت، صار ربنا فيه أقل من قنصل.
أما أنا فسأظل مولى ذي الجلال — أي من رعية «ربنا» — ولا أطلب غير ملكوته وبرَّه …