سَلوهَا لماذا
مطلع قصيدة قالها الشاعر العربي الكبير عبد الحميد الرافعي، رنَّت هذه القصيدة وطنَّت حين أنشدها الفونوغراف، وما كان أعظم غبطتي حين تعرفت بقائلها في «سير»، مصيف الضنيَّة المشهور.
لم أكن احترفت النقد بعد، يوم تلاقينا، فسألني — رحمه الله — إذا كنت قرأت أرق منها. فقلت: أما أرق منها فلا، أما في ميوعتها فنعم.
فأجاب بامتعاض كالغضب: تقول ميوعة؟! قلت: نعم، وأكثر … فما قولك في من يقول: «لقبلت حتى بالعيون نعالها»؟
فوجم الشيخ وأغضى، ثم قال: إذن عدَّها من هفوات الشباب، فقلت عاطفًا: وأرق شعر عربي لم يقل البحتري أصفى منه ديباجة.
فتبسَّط إهاب وجه الرافعي بعدما تغضَّن، وراح ينشدنا من روائعه.
أقسم لك يا قارئي العزيز، وليس لك عليَّ يمين: إن بيت الرافعي المائع قد أصبح اليوم عسلًا وسكرًا … إن قائله ذكر، والذكر عادة يكون أقل حياء وأكثر وقاحة من الأنثى، فما نسمعه — في أيامنا — من مثل هذه الأقوال التي تُبثُّ وتذاع، ليلًا ونهارًا، ليندى له وجه الفحول العتاق، فكيف بوجوه العوانس والنساء، والعذارى المراهقات.
– أنا بحبك، أنا دايبة، متى تجي يا حبيب قلبي، رايحة أموت.
– موتي، للقرد العمى في قلبك وفي قلب مين يصغي إليك، لا أقول في قلب من يرخصون لك بإنشاد مثل هذا الكلام؛ لأنه ليس لهؤلاء قلوب.
إن بلدًا لا يعنيه إلا حديث البطن وما دون … فليس بالبلد الذي سيكون بألف خير … فارفقوا بصغارنا أيها الكبار العقول، وقبل أن تراقبوا السينما راقبوا ما يذاع ويسمع في قدس أقداس البيوت.
ستقولون: هذا ما يطلبه المستمعون، الحق معكم، فكم يسمعنا السواقون — غصبًا عن رقبتنا — أمثال هذه الأغاني، وكم من مرة سمعت السائق حين يجيء دور حديث يصرخ: طق حنك، ويرد الباب على المحدث فلا يحدث إلا نفسه.
فما علينا — إذن — أن نفعل؟ وأما علينا رفع الجمهور — بوسائل عديدة — إلى مستوى حديث العقل والقلب معًا؟ أما على الإذاعة اللبنانية أن تؤلف لجنة لتنتقي للمستمعين أحاديث طلية جذابة فتحولهم عن إيثار الكلام الرخيص، وعن سماع نساء وبنات يصرخن من أعماق الأعماق: أنا بحبك، تعال يا حبيبي، تعال يا روحي …
– تسلم روحك يا بنت خالتي! خلا لك الجو فبيضي واصفري.
الحياء في النظر …