حكاية بيضة
أربعة نساك شعث غبر ضافوا أرملة، فحسبتهم أشباحًا من غير هذا العالم، وما صدَّقت أنهم بشر حتى حيُّوها قائلين: السلام عليك يا أختنا بالرب.
فقالت في قلبها: أختنا بالرب! هذي لغة جديدة، ثم علمت أنها أبطأت في رد السلام، فوهلت وصاحت: أهلًا وسهلًا، وانحنت واضعة يدها على صدرها.
– أعند أختنا مكان نسند إليه رأسنا؟
– حلَّت البركة.
وتلبَّدت الغيوم على قلة رأسها فقال كبير النساك: لا تقلقي، ولا تهتمي، ثم أشار إلى الصينية قائلًا: هاتيك الكسرات من الخبز مع قبضة ملح في صحن ماء تكفينا عشاء.

ولما قعدوا على العشاء تذكرت المرأة أنها سلقت بيضة مع بضعة رءوس بطاطا لابنها الذي لم يعد بعد، فوضعتها أمامهم على الصينية، وقالت: أبد عذرك ولا ترم بخلك.
فصاحوا جميعًا: هذا كثير كثير! وطفقوا يأكلون ويتهامسون، وراحت هي تحملق في أفواههم آملة أن تدرك بعينها ما فات أذنها، وأخيرًا: صرحوا من بعد تهدار، فقال أحدهم: هي بيضة، ونحن أربعة، فلنقترع عليها.
فأجاب كبيرهم: الاقتراع نوع من القمار، فأليق بنا نحن الدراويش أن نأكلها على ذكر الله … فالذي يقول منا أحسن آية تناسب المقام فهي له.
فما قال ذلك حتى استولى أحدهم على المبادرة، ففقس البيضة وقال وهو يقشرها: إني أعرِّيك كما عرِّي المسيح من ثيابه.
فمد إليها ثان يدًا كالمدرى وقال: وهو يملِّحها: اقبلي ملح الحكمة.
فابتسمت المرأة وقالت: يه! كأنهم يعمِّدون البيضة قبل أكلها!
فأخذها الثالث، وهو يحسب أنه ربح المعركة، فقال وهو يهم بها: عريانًا خرجت من بطن أمي، وعريانًا أعود.
فكان الرابع أخف من النسيم، فنتشها من يده وقال: ادخلي فرح سيدك …
فدخلت بأمان، بينا كانت المرأة تنظر إلى ضيوفها الأجلاء بعين الرضى والإعجاب.
إن أكل بيضة مسلوقة اقتضى — كما نرى — حك رأس وكد فكر، أما مضاعفة معاش نواب الأمة، فقيل لها بالإجماع: كوني فكانت …
لقد صح في نوابنا — وفيهم من نحب، ومن نجلُّ، ومن نحترم — ما جاء في المثل: من كان الدفتر في يده لا يكتب اسمه من الأشقياء.
صحة وعافية يا ذوات، صار معاشكم يكفيكم، فلا عذر لكم إن لم تفكروا بمعاش من انتخبوكم.
أطعموا البقرة لتدرَّ …