لكم دينكم ولي ديني
قال سليمان بن داود: باطل الأباطيل وكل شيء باطل! ومع ذلك تقول لي الرسائل التي تكاثرت علي في مطلع هذا العام: تعال … قف معنا، اكتب كذا وكذا لنصلح المجتمع.
أما قال هذا الحكيم: ما كان فهو ما يكون، والذي صنع فهو الذي يصنع، فليس تحت الشمس جديد.
قال الله — ومن أصدق من الله قولًا: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ فدعوني — إذن — وشأني.
أشهد أني أسفت جدًّا لأني وقعت بعد فوات الوقت على نصيحة الجامعة القائلة: افرح أيها الشاب في حداثتك، ولذلك أراني أخالفه، وأنا شيخ، في قوله الآخر: الحزن خير من الضحك.
لا يا سليمان، يا مكلِّم الحيوان، وقاهر المردة والجان. لقد فاتني يا سيدي ضحك كثير في حداثتي لأني كنت مضيعًا ذاتي، وما اهتديت إليها إلا منذ أعوام، ومنكم أرجو يا أصحابي أن تسمحوا لي بالمناضلة ضاحكًا. إن الضحك من المتكبرين المتجبرين كماء يصب في قدر تفور، فلا تحاولوا فثء غليها بالجد والترصن.
وقبل وبعد فما أظن أنكم قادرون على ما أقدر، كما أنني غير قادر على ما تقدرون، ولهذا أجيبكم: لكم طريقكم ولي طريقي.
وقال الحكيم أيضًا: العين لا تشبع من النظر، والأذن لا تمتلئ من السمع، وإني أزيد عليه: والقلب قابل دائمًا للطمع. رأيت الناس لا يذكرون بالخير إلا من مضى وراح، يقولون: إن فاتك عام استبشر بغيره، أما عملًا فهم لا يترحمون إلا على الماضي …
إني لراض من الحياة أن تتهدد، فهي كريمة خيرة وإن توالت علي نكباتها وصواعقها، يكفيني منها أنها وهبتني روحًا تضحك من ذاتها إذا لم تجد من تضحك منه وله وعليه … إنها لنعمة عظيمة أن تضحك في المناحة، وتهزأ وأنت سائر في المواكب … فكلتاهما مهزلتان فيهما العبر … لا دواء أدوأ لهذه «النكبات» من أن تدوسها كما داس ديوجانوس كبرياء أرسطو.
أما كان ساكن البرميل فيلسوفًا كساكن قصر الإسكندر! فاسمحوا لي أن أكون ديوجينيًّا، وكونوا أنتم أرسطاطاليين، وإذا لم نلتق الآن على صعيد واحد فسوف تجمعنا الأيام في دور آخر …
دور يمضي، ودور يجيء، والأرض قائمة إلى الأبد. هكذا يقول سليمان، لكم طريقكم ولي طريقي، وكل الطرق تؤدي إلى الطاحون …