إقطاعية دستورية
غريب أمرنا! تسأل أيًّا كان من موظفي جمهوريتنا، من الوزير والنائب إلى الكاتب والحاجب، فيجيبك: الحالة زفت … الطاسة ضائعة … وكل من هؤلاء يظن أنه مستثنى بإلا، فمن المسئول عن هذا يا ترى؟
والنائب المحترم — المير رئيف بللمع — الذي نجله إجلالًا كبيرًا، ونقدر أخلاقه وعلمه وأدبه يقول — والعهدة على الراوي: ليس في لبنان ديمقراطية سياسية بالمعنى المعروف عند الأمم والشعوب، بل هنالك إقطاعية سياسية مفروضة تتلبس بلباس ديمقراطي زائف هو المجلس النيابي، فالشعب اللبناني المؤلف من مليون وربع لا يأتي بأكثر من ١٥ نائبًا إلى المجلس.
ويقول الراوي: إن الأمير قال: إنه منهمك الآن في تأليف كتاب عنوانه: كيف دخلت المجلس وكيف خرجت منه.
لست أشك بأن سيدنا المير غير ولهان بالنيابة، وقد قرأت له تصريحات عديدة فأعجبتني جدًّا كقروي جبلي، يريد أن يصل إلى بيته بالسلامة، ويريد أن يبلَّ طرف لسانه بنقطة ماء صالحة في طرف أيلول المبلول … ويريد أن يمشي على ضوء، ويريد أن يتصل بالعالم تليفونيًّا. فنحن القرويين الجبليين نرى سعادة المير نائب بيروت يفهم حاجاتنا كأنه يعيش بيننا، ولذلك نشكر له الآن ما صدر منه من أقوال وننتظر الأعمال.
أما كيف دخل المجلس فتلك قصة أظن أننا نعرفها … أما كيف خرج فقصة لا تكون حتى تكتب، ولو استقال كل من يقول من النواب بتزوير الانتخاب لانحلَّ المجلس من تلقاء نفسه؛ فليعلموا إن كانوا أولئك الرجال … ولكن كل الخلاف على «اللحاف». وشعار المعارضة عندنا — الآن وكل أوان وإلى دهر الداهرين — قم حتى أقعد مطرحك، المعارضة سلاح الحردان منا.
ولو كلفتني يا دكتوري العزيز أن أضع مقدمة لكتاب «الدخول والخروج» الذي تؤلفه لاكتفيت ببيت زميلك في الطب «ابن سينا»:
تقول: إن الشعب اللبناني يأتي بخمسة عشر نائبًا من ٥٥، وهذا أيضًا فيه شك … فلندعه الآن، لقد أقمت البرهان على الإقطاعية في مجلس النواب فما رأيك بالتوظيف كله؟
قرأت لأحمد فارس كلمة في كشف المخبأ «طبع الآستانة ص١٥٠» قال، والضمير يعود إلى إنكلترا: نعم إن المراتب هنا إنما تعطى غالبًا بالمحاباة أو الاستحباب لا بالاستحقاق والاستيجاب، فإن الأمير إذا نوَّه بشخص من أقاربه ومعارفه عند ذي مرتبة وسعادة نفذت كلمته عنده، ولو أن شخصًا متصفًا بأحسن الأخلاق ومتحليًا بالعلم والفضل حاول «بنفسه» أن ينال تلك الرتبة لم يلتفت إليه، إلا أن هذا الداء عام في جميع الممالك.
قلت: إلا عندنا، فلا حاجة إلى التنويه بأحد من الناس؛ لأن الوظائف تحتكرها بعض القبائل والبطون، والأفخاذ. فمن بيت واحد تجد خمسة وستة من الموظفين، فأين هذه الديمقراطية التي تفتش عنها في مجلس النواب يا سعادة المير؟!
كنا نسمع ونحن صبيان كلامًا عن طول العمر، فيقولون أمامنا: في العيلة الفلانية من يقول: يا جدِّي رح كلِّم جدَّك.
وفي «عهدنا» الحاضر — زاده الله صلاحًا — من تستطيع أن تسأله عن نصف دزينة من الموظفين فيجيبك: أخي، أخي، أخي، أخي، أخي.
أي أميري العزيز، ثق إننا ما زلنا في مثل الزمن الذي كان فيه جدودك يحكمون المتن … فلنؤخِّر عقرب الساعة … بل فلنحسم مائة من تاريخنا الميلادي.