عيد الشعانين
دخل الناصري أورشليم راكبًا جحشًا فصاحت الجماهير والتلاميذ: مبارك الملك الآتي باسم الرب، فما تراهم فعلوا لو دخلها راكبًا حصانًا؟!
فرشوا ثيابهم في الطريق لتطأها حوافر مطيته الذليلة، وعدوا أمامه صارخين: انفتحي أيتها الأبواب الدهرية ليدخل ملك المجد … وكروا خلفه والتهاليل ملء الأفواه، والابتهاج يطفر من العيون والرجاء يقفز من الصدور، ملئوا فضاء القدس: «أوصانا» لابن داود، فظن السيد أن وراءه رجالًا.
ثم كان الخميس فتعشى مع «خاصته» وشرب نخب الجلجلة.
وكان صباح الجمعة فنسي «التلاميذ» الخبز، والملح، والخمر …
نام السيد في الحبس، فإذا بالذين صاحوا أمس أوصانا يصرخون اليوم: دمه علينا وعلى أولادنا.
وإذا ببطرس الذي ابتهر «وتمرجل» كان أول الجاحدين.
ولكنه ما خرج من الباب إلا ليدخل من الطاقة، فلله باب التوبة ما أرحبه، وما أوسعه!
ما الفرق بين «أوصانا» وبين «يعيش»؟ أما هما شيء واحد؟
ركب المسيح جحشًا ومشى على الثياب، واليوم يركبون على رقاب عليها ثياب … حتى إذا ما مالت الشمس وتقلص الظل راحوا يفتشون عن «راكب» جديد …
الجماهير هم هم، يخلعون مبادئهم كما يقلعون ثيابهم، يستبدلون بأوصانا يعيش، وبسعف النخل والزيتون المسدس والتوميغان.
ثياب للإعارة والتأجير، يكرون بها مع كل خيل مغيرة، يحملون الشموع الثخينة في موكب التدجيل والتبجيل، ويرشون العطور على موكب «الماشي»، ويحرقون البخور أمام المتكئين في صدور المجالس، ويكسرون الجرَّة خلف الموَّلي.
حقًّا إن المولي ما له صاحب!
فيا عيد الشعانين، يا عيد التهليل والتعظيم، يا عيد الضعفاء والمستعبدين، والبؤساء والمجانين.
يا عيد المطبلين والمزمرين، ابصق في وجه اللابسين ثياب المرافع، المقنعين بوجوه «البرباره».
يا عيد الفيران، المتقاتلين على «كشك» الجيران، من لي بحذفك من التقويم، لتستقيم أخلاق أطفالنا! أما نحن فعسينا.
أرادت الغوغاء خبزًا من القائل: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، ولما رأوا معجنه فاضيًا هتفوا: اصلبوه، اصلبوه.
ما أشبه الليلة بالبارحة! فيا ذوي الأنوف التي لم تفقد الشمم والشم، إذا فرحتم بيوم الأحد فلا تنسوا يوم الجمعة …