لا أب ولا أم ولا عم
ما أظنني تجاوزت الحد في الجرابين الأخيرين: ما أرخص النفوس، والوجدان العام! ولست أحسبني قلت غير الحقيقة التي يزعمون أنها تجرح، قلت: لن نسمع صوت الهاتف حتى ينفخ في الصور، ويقوم من في القبور … لأنني لن أمسي وزيرًا أو نائبًا لأعمل لقريتي.
فهل من يستغرب قولي بعدما قرأنا في جريدتي بيروت وتلغراف تصريحًا لرئيس المجلس النيابي السابق يقول فيه: أنا شخصيًّا لن أرشح نفسي؛ لأن حقوقي مؤمَّنة بوجود عمي أحمد بك في هذا «المنصب»؟
ومن أين لعين كفاع رجل عظيم مثل أحمد بك ليؤمن لها بعض حقوقها، ويشتري النفوس المعرَّضة لخطر الموت؟
قلت للوزير: أنا رايح إلى عين كفاع، وخائف على نفسي، فكان ما خفت أن يكون. نفذ السهم في نسيب عزيز، فتى في الحادية عشرة، هو حكمت البر حداد، سقط على رأسه من علٍ، فأغمي عليه وبق الدم ولو لم تَسُقْ إلينا رحمة الله سيارة خاصة في تلك الهنيهة لرأينا بأعيننا ما يفتت القلوب. نعم كان نقله إلى جبيل خطرًا وأي خطر! ولكننا اخترنا أهون الشرَّين، والحمد لله على أنه لا يزال في المستشفى حيًّا يرزق.
فإلى من نشتكي يا جماعة الخير؟! تعلل مدير التليفون السيد جلخ بقلة الأعمدة والفناجين، ولما أراد هو، وأراد غيرنا، وجدت الفناجين ومد خط إلى حيث يريدون!
أذكر أن الأمم المتحدة تريد أن تقضي على «الخوف» فهل من يبدِّد مخاوفنا لنسكن بيوتنا؟ أجل نحن خائفون على نفوسنا يا سادة، فأمنونا … أمنِّونا لنحيا إلى الانتخاب العتيد …
وبعد، فالحياة عزيزة يا معالي الوزير، ويا سعادة المدير، فنفِّذوا ما تقرر ولا تجعلونا مطية لغيرنا …
رحم الله حافظ إبراهيم الذي قال:
فهل يسمع «الراعي» صوت القرية ويرثي لحالها؟
لا نطلب الكهرباء لأن عندنا قناديل وفوانيس، ولا نطلب المياه لأن عندنا الآبار، ولا نطلب الطريق لأنها أصبحت صالحة بفضل «العهد»، ولسنا نطلب التليفون للتفكهة والتسلية والزنترة، بل لندق جرسه حين تدق النكبة جرسها …
إن حقوقنا غير مؤمنة لأنه ليس لنا أب ولا أم، ولا أخ ولا عم … كما تغني أسمهان، وأخيرًا أقول لنفسي: فلنصبر، أليس الصبر مفتاح؟! فلو كانت المصيبة طويلة البال — تعد ولا تفي كمدير التليفون — لهان الأمر، ولكن المصائب تفعل ولا تقول، ليتها تتعلم من مديرية التليفون فنأخذ حذرنا — إذ ذاك — ونأمن شرها، ونستغني عن الاستغاثة بالتليفون.