الدماغ الإلكتروني والعقل الكرتوني
قرأت منذ ثلاثين أربعين سنة خبر «الحصان الحاسب»؛ فتعجبت كيف أن بهيمًا يحسب! مع أن المثل يقول: لا يوجد رأس بلا حكمة.
واليوم قرأت خبر الدماغ الإلكتروني، الدماغ الذي يقولون: إنه يحسب أحسن من البشر، ويلعب الشطرنج … ترى هل يصير هذا المخ في متناول الناس جميعًا فيصيروا كلهم حملة ليسانس ودكتوراه!
ونحن في هذا البلد الذي يسمُّونه لبنان؛ أترانا محتاجين إلى أدمغة تحسب بلا إحساس؟ أم إلى أدمغة تحس ما تحسب؟! أي نفع لنا بأدمغة الإلكترون إذا كانت قلوبنا من الكرتون؟!
ما نفع دماغ يحسب ما عند غيره ولا يحس بشيء مما عنده؟! بل ما نفع دماغ — مهما حسب — إذا لم يكن وراءه قلب يحاسب.
أينفعنا أن يكون لنا دماغ حسابه دقيق، وليس لنا قلب رقيق؟
أظن أن الإنسانية محتاجة إلى قلوب أكثر منها إلى أدمغة وجيوب.
وإذا كان عصر المادة يحتاج إلى دماغ يحسن الحساب؛ فالإنسانية التي تنشد الراحة والطمأنينة محتاجة إلى قلب يحس ويبكِّت كل مليم، لا إلى دماغ لا يفرط بسانتيم ولا مليم.
عجيب تمادي هذه البشرية وسعيها وراء كل ما يرفه عن الجسد، أما الروح فقلما يفكر بها أحد.
تخترع قنابر تفرق الذرات، وأدمغة أشد حسابًا من يوم العرض، ولا تفكر بخلق قلوب نستبدل بها القلب الذي تنفش في الصدور، وتضخم من كثرة ما مر به من دماء استحالت قيحًا وصديدًا.
ليت جامعة كورنتو الكندية توصي المعامل البريطانية على صنع قلب يصدق في محبته صدق هذا الدماغ في حسابه.
وليت العلماء البريطانيين الذين يفكرون بتصغير الأدمغة الإلكترونية ليتسع نطاق استخدامها ويسهل الحصول عليها، ليتهم يفكرون بخلق قلوب تنوب عن قلوب الناس الكرتونية التي لا تهشُّ ولا تنشُّ.
ليتهم يفكرون بهذا فيقتني كل إنسان منا قلبًا بدلًا من أن يقتني خنجرًا ومسدسًا.
إننا لا نحتاج في لبنان إلى أدمغة بل إلى قلوب … لنترنم مع داود: قلبًا نقيًّا أخلق فيَّ يا الله، وروحًا مستقيمًا جدد في أحشاي.
الدماغ كثير الالتواءات ولهذا يعقد الأمور، أما القلب فأملس يحل المشاكل.
فلنتفاهم بقلوبنا المتحابة لا بأدمغتنا الحاسبة، لسنا محتاجين إلى أدمغة تلعب الشطرنج، بل إلى قلوب لا نطمع أن تفرزن لتلهم البيادق …
فيا خالقي الأدمغة، لا تنسوا الضمير.