طناجر دير مار سمعان
كانت هذه الممالك وهذه الجمهوريات والإمارات — في هذه البقعة المقدسة — تحت إمرة سلطان واحد لا غير، ثم صارت دولًا كما نرى.
والذي عندنا هو عند جارنا، جيوش جرارة من الموظفين وميزانيات ضخمة يستهلكون معظمها، قد تكون إدارة الشئون في حاجة إلى كثيرين منهم، ولكنها ليست في حاجة إلى كثيرين أيضًا، لقد صدق من سمى الراتب «معاشًا».
كان يسوس لبنان شخص واثنا عشر نائبًا، وإذا قيل «لبنان كبر» والشئون كثرت، قلنا: لا بأس في مضاعفة العدد، أما كثرة الطباخين فتشيط الطعام.
ضرب قدماؤنا المثل في ثلاثة أشياء وجودها وعدمها سواء، فقالوا: ركوات المطران جرجس، ومكتبة الخوري سركيس، وطناجر دير مار سمعان.
فركوات سيادته الاثنتا عشرة كانت مصفوفة فوق الموقد بالترتيب كما كنا نصطف يوم كنا تلاميذ، ولكنها ما مشت قط لاستقبال ضيف، ولم ترَ في حياتها وجه البن الأسود، لا سوَّد الله لكم وجهًا، أما تلك الطناجر فقد كانت أسوأ حالًا من قدر الرقاشي التي قال فيها النواسي:
أما المكتبة — وهي برمتها طليانية — فظلت طول حياتها تدير قفاها للناس، ولم يرَ لكتبها أحد وجهًا، لأن صاحبها يجهل ذلك اللسان …
ولماذا نبعد أفلا يزال عند الموارنة وغيرهم أساقفة يسامون على أبرشيات أمحت من الوجود؟!
فعلى هذا النسق يعينون اليوم في بعض الوزارات أشخاصًا يسمونهم مستشارين، فيأكلون «الجراية» ولا يجرون مع الغاية، فيصح فيهم المثل المقول في العهد العثماني: معلوف موقوف مثل خيل الدولة.
كانت النصيحة بجمل، وصارت اليوم تعطى «بلاش»، فما حاجتنا إلى الطبيب ونحن أناس لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع؟!