عيبه في حواشيه
تعوَّد أهل هذا البلد أن يشحذوا حقهم شحاذة، فمتى ولي واحد خطة من خطط الحكم، تضرب عليه عنكبوت الوسائط بنسجها، وتكثر السماسرة حوله، فكل من له دعوى عنده يسألك هذا السؤال: على يد من ينام؟ ومن يخص؟ منو مفتاحو؟
ويظلون يفتشون على المفتاح حتى يجدوا ولو مفتاحًا صدئًا لا يدخل الثقب … وهكذا تجد حول كل ذي سلطة أقزامًا يسمونهم «الزلم».
قال الشاعر:
وقال يسوع: أعداء الرجل أهل بيته، ونقول نحن: ما آفة الحكام إلا المقربون، فهم الذين يسودون صحائفهم ليبيضوا وجوههم، ويملئوا بطونهم وجيوبهم.
حكي أن نساجًا عجميًّا أنفق معظم عمره في عمل بساط رائع، رسم عليه صورًا عديدة منها الواقعي ومنها الرمزي، فجاء البساط آية لم ترَ مثلها بلاد فارس.
وفكر الرجل فيمن يهديه إليه فلم ير رجلًا أحق به من جلالة الشاه فحمله إليه، وحلت الهدية في عيني ملك الزمان ولكنه رأى أن يستشير حاشيته، فأجَّل الرجل إلى الغد.
وكذَّب الغد ظن المسكين، ترجَّى جائزة تقبر الفقر فإذا بالشاه يقول له: بساطك معيوب، لا يليق بقصور الملوك.
زفر المسكين زفرة كادت تطير البساط، وانحنى يقلبه على جميع وجوهه وهو يقول: يعيش رأسك يا ملك الزمان، أين العيب!
فصمت الملك وأفاض الرجل في حديثه، ولكنه لم يسمع جوابًا، فدار حول بساطه دورة من فجع بعزيز، ولما أعياه الأمر عليه قال للملك بمرارة: إذا أمرتني يا مولاي أدلك أنا على العيب.
فأومأ الشاه برأسه أن نعم.
فابتسم الرجل ابتسامة مرة وقال: بساطي فيه فرد عيب يا مولاي، حواشيه رديئة … آه من حواشيه!
فابتسم الملك لتلك الغمزة وقال له: رح مع الخازن خذ الجائزة، وسننظر في إصلاح الحواشي.
لا خوف على المسئول صغيرًا كان أو كبيرًا إلا من هؤلاء، إنهم يبعدون المخلصين، ويقربون المنافقين، وهكذا يخلق لنا الحكم أصدقاء مؤقتين وأعداء دائمين …