بعد عاصفة الشوف
إذا رأى غريب عاصفة الانتخاب في الشوف ظن أنها الأولى من نوعها في لبنان، أما المخضرم مثلي فيراها صورة لما كان يجري، وعما يجري عند كل انتخاب، حتى انتخابات المختارين والبلديات وانتقاء النواطير.
إنها بضاعة لبنانية ذات ماركة مسجلة، أما هذه الحركة فتمتاز بشيء واحد وهو تحقيقها لقول السيد المسيح: ما جئت لألقي سلامًا بل حربًا، جئت لأفصل الأخ عن أخيه، والابن عن أبيه، والمرأة عن زوجها …
قد رأينا — لأننا شهدناها عن كثب — أن الأخ يعارض أخاه والابن أباه والكثير من البيوت انقسمت على بعضها، إن مثل هذا أيضًا كان يحدث في لبنان في أيام طغيان الإقطاعية السوداء، ولكن ذلك كان يحدث تقية أما اليوم فأظنه عقيدة، وإذا لم تكن قد تبلورت بعد فسوف تتبلور.
حدثني عمي — حين كان يبرر موقفه من البطرك إلياس الذي كان غاضبًا علي لإلحادي وكفري — قال: مثلك ومثلي يشبه حكاية ذاك العم وابن أخيه في عهد الأميرين يوسف وبشير، انقسما فكان العم من حزب المير يوسف، وكان ابن أخيه من حزب المير بشير، فكان إذا حكم الأمير بشير وأراد الانتقام من العم صاح ابن أخيه: والو يا سيدنا المير! أيش تقول عني الناس؟ ألا يقولون شب طويل عريض ما قدر يحمي شيبة عمه، وهو شيخ جليل؟!
فضحك الأمير بشير على خلاف عادته، وقال للشاب: وهبتك هذا الشيخ ولكن بدون «جليل» … لأنه قليل الهيبة.
ثم دارت الأيام وحكم المير يوسف وعزم على قتل الشاب، فتقدم منه العم وقال: ماذا تقول عني الناس، لحية طويلة عريضة لا تحمي ابن أخيها؟!
فالتفت إليه المير يوسف وقال: قالوا إن اللحية سياج ترد عن صاحبها مسبات كثيرة … ولكنهم لم يقولوا إنها ترد القتل عن غيره، ومع ذلك إكرامًا لخاطر جنابك يا شيخ لا نمسُّه.
أتمنى أن يكون هذا الانقسام الذي رأيته في الشوف انقسام مبادئ وعقائد لا انقسامًا طائفيًّا، أو حفظ خط الرجعة، ومسك الحبل على الطرفين …
لقد حان أن نترك عنعناتنا تلك ونتمسك بالمبادئ التي رسخناها على صخرة ميثاقنا الوطني! …