تلاميذ كبار
– تفضل اقرأ يا أستاذ!
قلت: خير إن شاء الله! وتناولت الصحيفة من يد أحد تلاميذي لأقرأ فيها ما معناه: ووقف النائب فلان ليدافع عن اقتراحه فأغرق النواب المعارضون صوته في عاصفة من الصفير والطقطقة والتصفيق باليدين والرجلين، إلخ.
وفيما أنا ماض في قراءتي إذا بالطالب يقول: ما لك تهز برأسك؟ ليس لهؤلاء من يعطيهم الإنذار الأول، أو الثاني لأنهم نواب … أما نحن؛ لأننا تلاميذ، فكنت وما زلت تستبد بنا وتوبخنا إذا ضججنا قليلًا في الجمعية.
قلت: لا يا ابني، إذا أخطأ أحد من الناس، ولو كان البابا المعصوم فلا يصبح الخطأ جائزًا، الخطأ خطأ، نحن كلنا تلاميذ، أنتم تلاميذ صغار، ونحن تلاميذ كبار.
إن للندوة النيابية نظمًا وآدابًا، ومن يفعل مثل ما فعل النواب يتجاوز حدود الكياسة. ولو كان لرئيسهم ما لي عليكم من سلطان؛ لأنزل بهم ما كنت أنزله بكم من قصاص … طبعًا لا يمنعهم من الخروج يوم الأحد كما أفعل، ولكن الشارع وضع لهم قانونًا يبعدهم عن الشارع …
قيل: من يعجز عن البرهان يستعمل يده، وبعض نوابنا الكرام لم يستعملوا أيديهم فقط بل استعملوا أيديهم وأرجلهم وجميع جوارحهم، ولم يتذكروا أن للندوة النيابية قدسية الهيكل وأبهته، ولكن متى كانت الغاية التهشيم فالأنظمة قش وهشيم …
– إذا كان التصفيق محرمًا على النظارة في الندوة؛ فهل يجوز للنواب أن يفعلوا ما فعلوا؟!
– لا يا بني، يجب أن يعاقبوا، أهكذا تريد؟ ولكن إذا غض النظر فأنت تعلم كم كنت أتغاضى عن زلاتكم … الحق أقول لك: إني ما كنت أعاقبكم انتقامًا، بل لأروضكم وأرسلكم إلى «الندوة» حيث لي من رفاقكم سبعة اليوم، ولا أحسب أن أحدًا منهم شارك في هذه الهيصة «الكشكشية»، أؤكد لك أنك متى صرت نائبًا سوف تعرف واجباتك وتحقق الكلمة المأثورة: لولا المربي ما عرفت ربي.
النواب رمز الشعب، وكثيرًا ما تسمعهم يتكلمون باسمه، ويظهرون غيرة عليه، فمن الخير لهم ولنا أن يحترموا الندوة كما يحترم الوافه — السكرستاني — القربان، فهو لا يمرُّ أمامه مرَّة ما لم يركع نصف ركعة على الأقل …
لقد ضجوا يا ولدي — كما كنتم تضجون — فسامحهم هذه المرة، ولست أشك في أنهم ندموا وسوف لا يعودون إلى مثلها، وحياة رأسك، ورأس النظام البرلماني والديمقراطية …