قضاتك فتيان
عندما جاءنا مظفر باشا متصرفًا فكر بأشياء كثيرة لا عهد للبنان بها من قبل، منها أن يلبس القضاة ثيابًا خاصة، ومنها أن يكون «روب» رئيس وأعضاء محكمة الجنايات أحمر، وأن يتقعنوا بلحى مستعارة … فاستغرب الناس اقتراح الباشا لأن القضاة في ذلك الزمان كانوا يقعدون للمظالم بشراويلهم وغنابيزهم، وعلى رءوسهم عمائمهم وطرابيشهم.
ذكرتني باقتراح مظفر باشا المادة ٣٢ من قانون القضاة الجديد التي جاء فيها: يعيَّن بمرسوم شكل ثوب القضاة.
أما المادة الخامسة التي تقول: يعيَّن رئيس محكمة التمييز، ونائبها العام، ومفتش العدلية العام، من … ومن … أو من المحامين الذين مارسوا المهنة عشرين سنة على الأقل.
فاستنتجت منها أن يكون من حق القاضي المميز أن يقول:
فكم كنت أتمنى على من وضعوا قانون القضاة الجديد أن يجعلوا الحد الأدنى لعمر القاضي ثلاثين سنة بدلًا من خمس وعشرين، وإن كنت لا أقيم للعمر وزنًا كبيرًا، وأرى المتنبي صادقًا في قوله:
ومع ذلك أظن أن لجلال العمر وقعًا في نفوس المتقاضين.
والعوام يقدرون سمت القاضي وأبهته وجلاله أكثر مما يقدرون ما يعرفه من اجتهادت دللوزية وغير دللوزية …
مر كاهن على فلاح يحرث أرضًا لم تعد تعطي، فاستوقفه الفلاح قائلًا له: أرجوك يا أبانا أن تصلي لي على الماء، فأرضي عقيم، فأبدى المحترم اهتمامًا وصلى طويلًا، ولكنه قال له بعد الصلاة: يستحسن أيضًا أن ترش مع الماء شيئًا من السماد …
وأنا أرى أن يضاف إلى النجاح في الامتحان أكبر كمية ممكنة من العمر، ليتهم جعلوه ثلاثين، حتى إذا ما تمرن القاضي المحدث واستقل بالكرسي حق له أن يقول: