ونصف مليون!
تعب نابليون من النظر والتفكير في خرائطه وخططه الحربية، فتحول إلى جناح الحبيبة الأولى، إلى مقصورة جوزفين. كان الإمبراطور يرى في فلك ذلك الوجه الذي أحبه حبًّا جمًّا طوالع سعده، ولكنه غاب عنها غيبة غير قصيرة فمشت الألسن في عرضها كما مشت الغيرة في قلب الكابورال الصغير الذي كان اسمه يرعب الدنيا.
وراح الإمبراطور يداعب الزوجة الحبيبة، مستعملًا دهاءه الحربي في فتح قلب جوزفين على مصراعيه ليعلم إن كان احتله أحد غيره. ثم استطرد ودار الحديث حول الأمانة الزوجية فقال الإمبراطور: الرجل والمرأة في هذا الأمر سيان فقلما يكتفي الواحد منهما بفرد حبيب، فلم يفت ذكاء المرأة ما يعنيه زوجها الإمبراطور، فقالت: المرأة متى أحبت تقف نفسها على من تهوى.
فقال نابليون: ولكن في الدنيا يا سيدتي مغريات يجب أن تحسبي لها حسابًا.
فانتفضت جوزفين وقالت هازئة: أية مغريات؟! ماذا تفعل المغريات إذا كان هنالك حب صحيح؟
فتضاحك نابليون وقال: فلننظر يا جوزفين إذا اعترض طريقها الجمال الفتان فماذا يصير بأمانتها؟
فقالت: إذا كانت تحب حقًّا فلا ترى جمالًا إلا فيمن تحب.
فقال: طيب، وإذا لمعت الحلي والجواهر، وبرقت الليرات، ألا ترتخي النفس؟
فأجابت: المال زبالة في نظر المحبين، فصاح بونابرت: لا تبالغي يا سيدتي، المال فكاك المشاكل.
فاشمأزت وقالت: لا، لا يا سيدي الإمبراطور، ربما كان ذلك في الحرب أما في الحب …
فقال بونابرت إذ ذاك: إذا قال واحد: هذه ألف نابليون! فابتسمت جوزفين ساخرة، وأومأت برأسها أن لا.
فقال: ولو قال عشرة آلاف! قالت: لا يصير شيء.
وجمع إذ ذاك نابليون كل ما في ذلك الوجه العبقري من قوى تستولي على المبادرة وقال: ونص مليون! فصاحت جوزفين: بلا خلط من يدفع نصف مليون؟! فقهقه نابليون، ونكَّست جوزفين رأسها كحمامة سقطت في الشرك …
ذكرتني بهذه الحكاية كلمة كتبها الكاتب الطيب إسكندر الرياشي خاتمًا بها مقاله الصريح حول «قانون الإثراء غير المشروع»، فبعد أن قال ما يشبه: من منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر … رمى الإنسانية جمعاء بهذه الكلمة: أي رجل لا يكون سارقًا إذا عرف أنه إذا سرق لا ينفضح؟
أظن أن هذا كثير، هذا سهم مراش يا رياشي. أما فينا من لا يسرق لأن السرقة عيب وبس؟