«باسم» … أنقذ الموقف
أكمل «بالمي» كلامه: إن الصديق «أحمد» ممكن أن يتعاون معنا. ثم نظر إلى الآخرين وقال: وكذلك الصديق «باسم» والصديق «فهد» … أمَّا الصديق «بو عمير» أو «مصطفى مسعود»، فسوف نُعطيه تدريبًا أكثر حتى يكون في حالةٍ أكثر يقظة … على فكرة كانت مطاردة السيارات جيدة.
كانت الدهشة تُسيطر على الشياطين … إن «بالمي» يعرف كلَّ شيء عنهم إذن … أشعل «بالمي» سيجارة، ونفث دخَانها في بطء جعله كمن يختفي خلف ستارة من الدخَان، وقال بعد لحظة: سوف أُعطيكم فرصة نصف ساعة تُقرِّرون بعدها … إمَّا العمل معنا وإمَّا القضاء عليكم. وثقوا أنكم لن تستطيعوا الإفلات.
كان الشياطين يجلسون فيما يُشبه نصف الدائرة، وقد اقتربوا من بعضهم تمامًا. ضغط «بالمي» زرارًا أمامه، فهبطت المساحة التي يجلسون فيها، وبينما هي في هبوطها البطيء، كانت كلمات «بالمي» تصل إليهم: لا تخشَوا شيئًا … إنني لستُ شريرًا تمامًا … سوف تعودون كما أنتم …
ظلَّت الأرض تهبط بهم حتى استقرَّت وسط حجرة متسعة، كان السقف لا يزال مكشوفًا، نظر «أحمد» في اتجاه السقف، ثم بدأ يتحدَّث بلغة الشياطين التي لا يفهمها أحد، وهي لغة ليست منطوقة … إنها عبارة عن دقَّات على الفخذ، يستطيع أن يُترجمها الشياطين بسرعة. قال «أحمد»: ليس أمامنا سوى الموافقة، وإلا هلكنا.
قال «باسم»: يجب إرسال رسالة سريعة إلى رقم «صفر».
وضع «أحمد» يده على صدره، حيث يختبئ جهاز الإرسال الصغير، ثم أخذ يُرسل الرسالة عن طريق الدقات أيضًا. كانت الرسالة تقول: «من «ش. ك. س» إلى رقم «صفر» … لقد وقعنا جميعًا في يد العصابة. اتَّضح أنها تعرف عنَّا الكثير …»
وبسرعةٍ جاءه الرد: «من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س»، يجب تفجير مقر العصابة، أو القبض على أفرادها. تحرَّكوا حسب الظروف.»
ترجم «أحمد» الرسالة إلى الشياطين بطريق الدقَّات أيضًا.
ثم قال «فهد»: علينا أن نُوافق … أعتقد أننا يجب ألَّا نشتبك معهم مباشرة.
قال «بو عمير»: إنهم يأخذون حرصهم احتمالًا لأي شيء.
ظلَّ «أحمد» ينظر حوالَيه؛ علَّه يجد منفذًا … كانت الجدران صماء تمامًا. قال: لا سبيل سوى الموافقة.
ما إن انتهى «أحمد» من جملته حتى جاءهم صوت «بالمي»: أعتقد أنكم قد توصَّلتُم إلى اتفاق؟
بدأت المساحة التي يجلسون فوقها ترتفع في بطء، حتى استقرَّت في النهاية في نفس مكانها أمام «بالمي» فابتسم وقال: ما رأيكم؟
قال «أحمد»: لا بأس.
ابتسم «فهد» وقال: ما دمنا قد اتفقنا، هل يسمح لي السيد «بالمي» بسيجارة؟
نظر إليه «بالمي» لحظة، ثم نظر إلى «مارسان» وقال: مع أنه صغير السن، لكن ربما كان يُدخِّن.
تقدَّم «مارسان» وقدَّم سيجارةً إلى «فهد» الذي أخذها مبتسمًا. وضع يده في جيبه، وكانت أعين أفراد العصابة كلها عليه … أخرج ولَّاعة سجائر … ثم ضغط عليها … انفجرت الولَّاعة، وملأت الحجرة بدخَان كثيف. كان الدخَان يُخفي الشياطين تمامًا، فأخرج كلٌّ منهم نظَّارةً خاصةً ولبسها … فظهر أفراد العصابة الذين كانوا يسعلون.
سمع الشياطين طلقات رصاص متتالية، فانبطحوا على الأرض.
لم يكن أمامهم في تلك اللحظة سوى الاشتباك … وعندما قفز «فهد» في الهواء ليضرب «مارسان» القريب منه، كانت جدران القاعة قد اختفت، وظهر ما يُشبه الخلاء … اشتبك الشياطين مع أفراد العصابة … طار «أحمد» في الهواء في اتجاه «بالمي»، غير أنه رآه يغوص في كرسيه، حتى اختفى.
كان «باسم» قد ضرب «لوثيلا» ضربةً جعلتها تئن. في نفس اللحظة كان «باولوس» قد طار في الهواء وضرب «باسم» ضربةً جعلت الدم ينفجر من رأسه، لكن «باسم» تحامل على نفسه، ثم قفز في الهواء وهو يضرب «باولوس» في وجهه، صرخ «باولوس» وارتمى عند كرسي «بالمي». فجأةً شاهد الشياطين نفس المساحة تتحرَّك إلى أسفل … لقد وقع «باولوس» فوق الزر الذي يستخدمه «بالمي». قفز أفراد العصابة بسرعة فوق المساحة التي كانت تهبط. صرخ «أحمد»: دعوهم!
كانت «لوثيلا» لا تزال ملقاةً على الأرض، ونظر إليها «بو عمير» وقال: إنها فرصتنا.
كان الدخَان قد انتهى تمامًا، ووقف الشياطين حول الأرضية التي تهبط … كانوا يرَون أفراد العصابة وهم وقوفٌ فوقها. فجأةً دوَّت رصاصة وهي تمرُّ بجوار أذن «بو عمير» … الذي صرخ: تراجعوا! … إن «مارسان» يستخدم مسدَّساته …
تراجع الشياطين بسرعة … تحرَّك «أحمد» بهدوء، ثم ضغط الزر، فتوقَّفت الأرضية في منتصف المسافة … قال «أحمد»: إنهم مسجونون هنا. دعوهم الآن.
اتجه إلى «لوثيلا»، ثم رفعها وأجلسها على أحد الكراسي، وبدأ في علاجها. قال «باسم»: المهم أن نعثر على «بالمي» … فالمؤكَّد أن الحراسة قويةً هنا.
قال «أحمد» متحدِّثًا إلى «لوثيلا»: كيف نخرج من هنا؟ نظرت «لوثيلا» حولها فلم تجِد سوى الشياطين فقالت بألم: اضغط على هذا الزر.
نظر «أحمد» إلى حيث أشارت، ثم اتجه إلى الستارة المسدَلة فأزاحها، وجد زرًّا، ضغط عليه؛ فانفتح الحائط … وظهر المصعد … نظر إلى «فهد» وقال: هاتِها، اتبعوني … لم يكَد يخطو إلى داخل المصعد حتى ترامى إلى سمعه أصواتٌ كثيرة، قال: يجب أن ننزل بسرعة … إلى أي مكانٍ متسع. ضغط زرَّ المصعد الذي بدأ يهبط بهم … كانت الأصوات تقترب أكثر فأكثر، وعندما توقَّف المصعد، وبدأ الباب يُفتح، كان الشياطين قد استعدوا.
أخرج «باسم» قنبلة دخَان، ثم قذفها لحظة أن فُتح الباب … تعالى الدخَان بسرعة، لبس الشياطين نظَّاراتهم … كانت هناك مجموعةٌ كبيرةٌ من الرجال. بدأ الرصاص يتطاير … لم يكن أحدٌ من الحُرَّاس يرى شيئًا … كانوا جميعًا يضربون الرصاص بلا هدف، حتى إنهم كادوا يُصيبون بعضهم بعضًا. فجأةً سمع الشياطين صوت «بالمي» يقول: يجب أن تُلقوا ما بأيديكم … وإلا فإنني سوف أنسفكم جميعًا.
نظر الشياطين إلى بعضهم … ألقى «باسم» نفسه بين الحُرَّاس … ثم أخذ يزحف بين أقدامهم. ضغط «أحمد» زرَّ المصعد فانغلق الباب، ثم بدأ يصعد، غير أنه لم يستمرَّ في الصعود … فقد توقَّف في منتصف المسافة.
فتح الباب، فإذا بهم أمام «بالمي» … كان يقف ومسدَّسه في يده، بينما كان عدد من الحُرَّاس يقفون حوله، وقد حمل كلٌّ منهم مدفعًا رشَّاشًا مُصوَّبًا إلى الشياطين … ضحك «بالمي» ضحكةً باهتة، ثم قال: إنكم لستم أذكياء … لقد تعجَّلتم قليلًا. هيا اخرجوا! … خرج الشياطين، فنظر إليهم وقال: من بالداخل؟ قال «أحمد»: لا أحد. صرخ «بالمي»: لقد نقصتم واحدًا! … أين هو؟!
أجاب «أحمد» بحزن: لقد قُتل في الاشتباك.
نظر إلى حُرَّاسه وقال: جهِّزوا حجرة الضيافة؛ فسوف أُريهم كيف أحتفل بهم.
أيقن «أحمد» ماذا يعني «بالمي» بحجرة الضيافة … لا بد أنها حجرة تعذيب.
انصرف بعض الحُرَّاس، وظلَّ الآخرون يُصوِّبون مدافعهم في اتجاه الشياطين.
جذبت «لوثيلا» ذراعها في إجهادٍ من يد «فهد»، ثم تقدَّمت إلى «بالمي»، ولم تكَد تخطو خطوةً حتى سقطت مغشيًّا عليها. قال «بالمي» في قسوة: فلْيرفعها أحدكم ويُحاول إفاقتها.
تقدَّم أحد الحُرَّاس فرفع «لوثيلا»، ولم يكَد يُجلسها على أحد الكراسي حتى دوَّى انفجارٌ هائلٌ جعل القاعة تهتز … نظر إليهم «بالمي» وصرخ: ما هذا؟ غير أن أحدًا من الشياطين لم يردَّ … نظر «بالمي» إلى أحد الحُرَّاس وقال: «توبال» انظر ما حدث! أسرع «توبال» بالانصراف جريًا. صرخ «بالمي»: هل تتصوَّرون إنكم ستُفلتون منِّي؟ سوف أعرف كلَّ شيء … عن رقم «صفر» وعن خططكم … إنكم تتحدَّون أكبر عصابات العالم، وتهزمونها … لكنكم هذه المرة لن تهزموا «بالمي». سوف أُقدِّمكم وليمةً لعصابات العالم، يسهرون عليها حتى الصباح.
فجأة … انفتح جدار، وظهرت منه فُوَّهة مدفع رشاش … انهمر منها الرصاص كالمطر، فقُتل كل الحُرَّاس الواقفين بجوار «بالمي» … أسرع «بالمي» يُطلق الرصاص على الفتحة، في نفس الوقت الذي ألقى «أحمد» نفسه على الأرض … ودار دورتَين سريعتَين، ثم ضرب «بالمي» ضربةً جعلته ينحني، فيُعالجه «فهد» بضربةٍ أخرى … جعلته يسقط على الأرض. ازدادت الفتحة أكثر، ثم ظهر «باسم» والدماء تتفجَّر من كتفه.
كان يبتسم ويقول: لا شيء. إصابةٌ سطحية.
جرى «أحمد» إليه، في نفس الوقت جرى «فهد» و«بو عمير»، فأخذ كُلٌّ منهما رشَّاشًا، ووقفا مختبئَين في جانبَي الفتحة … ربط «أحمد» كتف «باسم» بسرعة، ثم تعاونا في جر «بالمي»، حتى أخفياه خلف ستارة … لم تمرَّ لحظات حتى اقترب صوت أقدام … ظلَّ الشياطين في أماكنهم. ظهر الحُرَّاس، فوقفوا جميعًا ينظرون فلَم يرَوا أحدًا. حيَّا أكبر الحُرَّاس تحيةً عسكرية، ثم قال بصوتٍ واثق: لقد أعددتُ الحجرة يا سيدي، فلم يردَّ أحد.
وقال أحد الحُرَّاس: ربما حدث شيء. أجاب قائد الحرس: لا شيء يحدث للسيد «بالمي» … ربما يكون مختفيًا في أحد هذه الجدران. صمت لحظة، ثم قال: الحجرة جاهزةٌ يا سيدي. … لم يكَد يُتم جملته حتى انهال الرصاص على الحُرَّاس، وتساقطوا كالذباب.
كانت «لوثيلا» لا تزال جالسةً على الكرسي في حالة إنهاكٍ شديدة … اقترب منها «أحمد» وهو يقول: لا تخشَي شيئًا … سوف تكونين في أمان ما دمتِ ستتعاونين معنا. وعندما أسندها وبدأت تحرُّكها، وصلت إلى أسماعهم أصوات سيارات الشرطة.
أسرع «فهد» إلى حيث يرقد «بالمي»، ثم جرَّه من خلف الستارة حتى وضعه وسط القاعة … بينما كانت أصوات السيارات تقترب أكثر … فأكثر.
لقد انتهت المهمَّة بالنسبة للشياطين، وعرفوا أن رقم «صفر» قد أكمل المغامرة.