الليلة الأخيرة
تملك الرعب من مستر أترسون بسبب ما رأى في النافذة ومع ذلك شعر بأنه عاجز عن أن يفعل أي شيء من أجل المساعدة. وفعل كل ما بوسعه كي يطرد الصورة عن ذهنه. غير أنه في ليلة من الليالي فيما كان جالسًا إلى جانب المدفأة بعد العشاء، فوجئ ببول يزوره.
صرخ أترسون: «يا إلهي! ما الذي أتى بك إلى هنا يا بول؟ هل دكتور جيكل مريض؟»
قال الخادم لاهثًا: «مستر أترسون، هناك شيء مروع للغاية.» تساءل مستر أترسون هل جاء بول كل الطريق راكضًا؟
كان بول شديد التوتر، فقدم له أترسون مقعدًا وقال له: «من فضلك اهدأ.»
رد بول: «أنت تعلم تصرفات الطبيب يا سيدي، أنت تعرف أنه معزول عن العالم وأغلق على نفسه المكتب الذي يعلو المختبر، وأنا في غاية القلق عليه. الأمر أكثر سوءًا هذه المرة. مستر أترسون، أنا أخشى على سلامة سيدي. أظن أنه في خطر بالغ.»
سأله مستر أترسون: «ما الذي تخشى منه على وجه التحديد أيها الرجل الطيب؟»
أجاب بول: «تساورني المخاوف منذ أسبوع تقريبًا. ولا أستطيع أن أتحمل أكثر من ذلك.» هزّ الخادم رأسه في إحباط، ولم يستطع أن ينظر إلى أترسون في عينيه. جلس بول ثم وضع يديه على ركبتيه حتى يمسكهما عن الاهتزاز وكرر: «لا أستطيع أن أتحمل أكثر من هذا.»
قال أترسون: «بول، لا بد أن تخبرني بكل شيء. لماذا أنت خائف للغاية على دكتور جيكل؟»
أجاب بول بصوت أجشّ: «أظن أن ثمة جريمة.»
صرخ أترسون: «جريمة!» ثم انتفض من مقعده، وتسارعت نبضات قلبه وقال: «ماذا تقصد؟»
أجاب بول: «لا يمكنني أن أجزم يا سيدي. لكن هل تتفضل وتأتي معي وترى بنفسك؟»
لم يجبه مستر أترسون وإنما انتزع معطفه وقبعته في عجالة. لاحظ أترسون انفراجة على وجه بول، فوضع يده على كتفه وقال له: «سنسبر غور الأمر.» وعندئذ غادر الرجلان.
كانت الليلة موحشة وشديدة البرودة. أمسك الرجلان بقبعتيهما حتى لا تطيرا من شدة الريح. وكانت الأتربة والرمال تطير في دوامات في الهواء. واندفعت الأشجار الرفيعة بعنف نحو السياج. ما كان ليتحمل مثل هذا الطقس الكريه سوى عدد قليل من الناس، من ثم كادت تخلو الشوارع من المارة. رأى أترسون أن الشوارع لم تبد مهجورة بشدة هكذا قط، وشعر أيضًا أن ثمة شيئًا سيئًا وشيك الحدوث. عرف أترسون أن هذا المساء سيحمل شيئًا فظيعًا؛ خاف أترسون من أن يكون دكتور جيكل قد مات.
عندما بلغا منزل جيكل، نزع بول قبعته على الرغم من البرد الشديد كي يمسح العرق الذي كان يتصبب من حاجبه لأنه كان يسير طول الطريق في عجالة لكنه توقف الآن. قال بول بصوت أجش وحزين: «حسنًا سيدي، ها قد وصلنا. أدعو الله أن يكون كل شيء على ما يرام بالداخل.»
أجاب أترسون: «بإذن الله يا بول.»
قرع بول الباب الأمامي بشفرة معينة: ثلاث طرقات سريعة ثم طرقتين بطيئتين. فُتح الباب لبضع بوصات فحسب وأطل منه وجه، وجاء صوت امرأة يقول: «هل هذا أنت يا بول؟»
قال بول: «كل شيء على ما يرام. افتحي الباب.»
دخل أترسون وبول الردهة الأمامية التي أضاءتها النيران المستعرة. فوجد جميع الخدم بالمنزل جاثمين معًا كأنهم قطيع من الماشية. أجهشت واحدة من الخدم في البكاء لدى رؤيتها مستر أترسون. قالت الطباخة: «إنه مستر أترسون!» ثم ركضت نحوه وطوقت عنقه.
سأل مستر أترسون: «لماذا أنتم مجتمعون كلكم ههنا؟» وقد بدا عليه التوتر؛ فما كان يجدر بالخدم أن يتجمعوا إلى جانب المدفأة في الردهة الأمامية.
أجاب بول: «جميعهم خائفون.»
لم يُسمع صوت في الحجرة، فقط تعالت تنهدات الخادمة فوق صوت طقطقة النيران.
قال بول لأحد الغلمان بصوت حاد: «جيرمي، أعطني بعض الشموع. لا بد أن نتخذ موقفًا في الحال.» وكان من الواضح أنه فقد أعصابه.
أخذ بول شمعتين من جيرمي وأعطى واحدة لمستر أترسون وقال له: «تفضل. هل تتبعني من فضلك؟» عندئذ تقدمه الخادم داخل المنزل ومنه إلى الفناء.