قصة بول
همس بول وهما سائران: «لا بد أن أطلب منك سيدي أن تلتزم الصمت. أظن أنه من الأفضل ألا يعرف أنك هنا. من الأفضل أن تسترق السمع.»
قال أترسون: «أتفهم يا بول.» عسر على المحامي أن يمنع يده عن الارتعاش. سقطت قطرات الشمع على يده، لكنه لم يصدر أي صوت.
ارتقى السلالم وراء بول إلى أعلى المختبر. وأشار بول إلى أترسون بأنه ينبغي أن يقف جانبًا ويسترق السمع. أخذ بول نفسًا عميقًا، ثم قرع الباب بيد مرتخية قليلًا.
نادى بول من وراء الباب: «سيدي، جاء السيد أترسون ليراك.»
أجاب صوت مرتعش من الداخل: «أخبره أنني لا أستطيع أن أرى أحدًا.»
أجاب بول: «أشكرك يا سيدي.» وقد بدا راضيًا من ردّ الصوت عليه. ثم بدأ يعود أدراجه نازلًا السلم، وتبعه أترسون.
وعندما بلغا الفناء مرة أخرى، التفت بول إلى المحامي وقال: «الآن أخبرني يا مستر أترسون، هل كان هذا صوت سيدي؟»
أجاب أترسون وهو شاحب الوجه للغاية: «يبدو أنه تغير كثيرًا.»
قال بول: «قطعًا أظن ذلك. أمن المعقول أنني أعمل في هذا البيت لمدة عشرين عامًا ولا أعرف صوت سيدي؟ لا يا مستر أترسون. هذا الصوت ليس صوت سيدي. لقد حلّ به شيء ما، أو أنه أُخذ بعيدًا. مرت ثمانية أيام الآن وأنا في حيرة من أمري.»
قال أترسون: «هذا أمر في غاية الغرابة يا بول. هذه قصة غير معقولة يا رجل. لنفترض أنك على صواب وأن دكتور جيكل قُتل أو خُطف. لماذا سيمكث الجاني في الغرفة؟ لماذا لا يهرب؟»
قال بول: «إنك لرجل يصعب إرضاؤه يا مستر أترسون، ولكنني سأبذل قصارى جهدي كي أقنعك. طيلة الأسبوع الماضي، ظل من كان محبوسًا بداخل المكتب يصرخ ليل نهار من أجل دواء معين. يكتب طلبات أدوية على ورق ويتركها على السلم. استمر هذا الموضوع طيلة الأسبوع الماضي، لم يكتب ورقة أو ورقتين وإنما عشرات الأوراق. ذهبت إلى الصيدليات في كل أنحاء المدينة أحضر الطلبات وأقدم الشكاوى؛ ففي كل مرة أعود بالدواء يخبرني أنه ليس نقيًّا، ويأمرني بإرجاع الدواء والذهاب إلى صيدلية أخرى. لا أعرف هذا الدواء مطلقًا، لكنه يريده باستماتة.»
سأله أترسون: «هل لديك أي من هذه الأوراق؟»
وضع بول يده في جيبه وأخرج ورقة مجعدة. انحنى المحامي فوق شمعته وفحص الكتابة بعناية، فكان مكتوبًا فيها التالي: «أنا أعيد إليكم هذا الدواء المُشترى منكم لأنه غير نقي ومن ثم غير نافع لي. لقد اشتريت كمية كبيرة منه منذ بضع سنوات. أنا في أمس الحاجة إليه ومضطر أن أطلب منكم أن تتفقدوا مصادركم بعناية للعثور على عينة نقية ومناسبة. أنا عاجز عن وصف مدى أهمية هذا الدواء.» أكثر ما أزعج أترسون في المكتوب هو آخر سطر. وكانت هناك بقعة من الحبر سقطت فجأة على الورقة فيما اشتدت انفعالات كاتبها، وهذا ما جاء في السطر الأخير: «أتوسل إليكم، أرجوكم اعثروا لي على الدواء القديم.»
قال أترسون: «هذه ورقة غريبة» ثم قال بنبرة أكثر حدة: «لماذا هي مفتوحة؟» بدا أن أترسون سيدافع عن صديقه جيكل حتى النفس الأخير. ومع أنه كان مدركًا أن بول يحاول أن يساعد فحسب، فقد ارتاب في أن بول فتح الأوراق الخاصة.
أجاب بول: «غضب أحد الصيادلة غضبًا شديدًا حتى إنه رماني بها.»
سأل أترسون: «أتستطيع أن تميز أن هذا خط يد دكتور جيكل؟»
أجاب الخادم: «أجل، يبدو خط يده.» أفشى الخادم ما بداخله من غير تدبر ووجهه أكثر تجهمًا: «لكن ما نفع هذا وقد رأيت الرجل الذي كتب هذا؟»
قال أترسون: «أرأيته؟ أين؟ ومتى؟»
قال بول: «نزلت بغتة إلى الحديقة، وقطعًا خرج هو ليأخذ الدواء. رأيته يقف بالطرف الآخر من الفناء يتفقد الصناديق. عندما رآني صرخ صرخة حادة وركض نحو السلم. رأيته لبضع دقائق فحسب، لكنني ارتعدت لدى رؤيته. من شدة الهلع وقف شعري بالفعل. مستر أترسون، إن كان هذا سيدي، لماذا يصرخ مثل الفأر ثم يفر هاربًا؟» مرر بول يده على وجهه في إحباط بالغ.
قال أترسون: «قصص غريبة تمامًا. لكن أعتقد أنني بدأت أفهم. لا بد أن سيدك يعاني نوعًا من الانهيار العصبي مما يفسر التغير الذي طرأ على صوته وتحاشيه لأصدقائه. لا بد أنه على قناعة بأن هذا الدواء الغامض سيشفيه من علته. أتمنى أن يكون على صواب في هذا الاعتقاد ونتمكن من معالجته.»
قال الخادم: «مستر أترسون، المخلوق الذي في المكتب ليس سيدي، هذا كل ما في الأمر!» نظر بول حوله ثم بدأ يهمس: «سيدي طويل القامة، وحسن البنية، في حين أن هذا الشخص أقصر وأحدب. أتظن أنه بعد كل هذه السنوات لا أعرف إلى أي ارتفاع تصل رأس سيدي عند ممر الباب؟ أتظن أنني لا أعرف وقع أقدامه؟ لا يا سيدي، هذا الشيء لم يكن — وليس — دكتور جيكل. أنا متأكد من أن سيدي قُتل.»
قال أترسون: «بول، هل أنت متأكد تمامًا مما تقول؟» أخذ أترسون يتصبب عرقًا، إذ يصعب تحمل فكرة أن أقدم وأعز أصدقائه قُتل. أومأ الخادم بتؤدة. قال أترسون: «إذن ليس أمامنا سوى خيار واحد؛ أن نكسر الباب.»