على الجانب الآخر من الباب
وافق الخادم تمامًا، وصرخ: «أوه، يا مستر أترسون، هذا هو الكلام!»
سأل أترسون: «كيف يجدر بنا أن نتعامل مع الموقف؟ أينبغي أن نسلح أنفسنا؟ لا يمكن أن نعرف ما قد نعثر عليه بداخل المكتب.»
أومأ الخادم برأسه وقال: «ثمة مضرب كروكيه في الورشة. هل لي أن أقترح عليك أن تأخذ قضيب المدفأة يا سيدي!»
فكر أترسون لبرهة أنه قد يضحك، فقد كان شديد التوتر وعسر عليه أن يصدق الموقف الذي هو بصدده الآن الذي بدا كأنه فقرة من رواية مغامرات. بمقدور أترسون أن يجزم أنه لم يمر بتجربة مماثلة في حياته قط. بالطبع لم يكن هذا هو ما قد تصوره من أجل قضاء أمسيته أو من أجل مصير صديقه الطيب دكتور جيكل.
قال أترسون: «أمدرك يا بول أننا على وشك أن نضع أنفسنا في موقف به شيء من الخطر؟»
أجابه الخادم: «أتفق معك يا سيدي.»
قال أترسون: «يجدر بنا أن يصارح بعضنا بعضًا الآن. هل تعرفت على الرجل الذي رأيته في الفناء؟»
أجاب بول: «من الصعب الإقرار بهذا. وقع الأمر برمته على جناح السرعة. وقد كان منحنيًا عندما رأيته، من ثم لا أستطيع أن أجزم. لكن إذا كنت تسألني هل كان مستر هايد أم لا، عندئذ سأقول لك نعم، لقد بدا شبهه إلى حد بعيد. أكره التفكير في هذا، لكن هذه هي الحقيقة.» ثم سأل بول المحامي: «هل التقيت مستر هايد من قبل؟»
أجاب أترسون: «بلى، تحدثت إليه مرة.»
– «إذن أنت تعرف ردة الفعل التي تتولد عند الأشخاص لدى رؤية مستر هايد.»
أجاب أترسون: «أعرفها جيدًا. لقد ارتعدت فرائصي فعليًّا.»
همس بول: «أعرف أن هذا ليس دليلًا، لكن عندما رأيت هذا المخلوق يقلب في الصناديق، انتابني نفس رد الفعل؛ تجمدت عند رؤيته.»
تنهد أترسون: «آه، أخشى أن تكون على صواب. إن كان مستر هايد هو الذي رأيته، عندئذ لا مفر من أن هنري جيكل مات بلا ريب. حسنًا، إذن لنتحرك!» ارتجف قلب المحامي وسرعان ما تلاشى أمله في أن يجد صديقه سالمًا آمنًا.
اقترح أترسون: «ربما يجدر بك أن تستدعي برادشو البواب كي يقف حارسًا، قد نحتاج المزيد من المساعدة.»
وافق بول وركض عائدًا إلى المنزل، وبعدها ببضع لحظات وصل برادشو شاحبًا متوترًا. ومع أنه رجل ضخم البنية، كان ارتعاده جليًّا؛ كان يتصبب عرقًا ويقدم رجلًا ويؤخر أخرى في توتر، وقد وضع يديه في جيبه كي لا يلحظ الرجلان الآخران ارتعاشهما.
قال أترسون: «تمالك نفسك يا برادشو. سأذهب أنا وبول كي نكسر باب المكتب. لا نعلم ما قد نعثر عليه، أو ماذا قد يحدث. هناك احتمال أن يحاول المجرم الهرب. أتمانع في أن تقف حارسًا عند الباب الخلفي من فضلك؟» أومأ برادشو برأسه إيجابًا. فقال أترسون: «جيد. أمامك بضع دقائق لتصل إلى هناك.» ثم صافح أترسون برادشو قبل أن يمضي.
ظل الرجلان في سكون. نظر أترسون إلى سماء الليل معجبًا بالنجوم والسماء. فكر أترسون في نفسه: «إنها رائعة بحق. في الحياة الكثير من الالتواءات والمنعطفات لكن النجوم جميلة دائمًا.» بعد دقائق معدودات أخذ أترسون نفسًا عميقًا.
قال أترسون: «والآن يا بول لا بد أن نشرع في مهمتنا.» سار الرجلان في الفناء وشمعتاهما تتراقصان مع الرياح. وفيما كان يرتقيان السلم، تناهى إلى مسامعهما وقع أقدام في أرضية المكتب.
قال بول: «هو على هذا الحال ليل نهار، ولا يتوقف عن تذرع المكان ذهابًا وإيابًا إلا عندما يصل دواء جديد. وعندئذ حالما يدرك أن المزيج ليس صحيحًا، يبدأ في تذرع المكان من جديد.»
سأل أترسون: «أهذا هو كل ما تسمعه؟»
أجاب بول: «سمعت عويلًا في مرة من المرات يا سيدي. عويلًا كعويل النساء أو كشخص يحتضر.»
استجمع الرجلان شجاعتهما على باب المكتب. أحكم أترسون قبضته على قضيب المدفأة بكلتا يديه وصرخ بصوت مرتفع: «جيكل! آمرك أن تريني نفسك!» ثم انقطع عن الكلام هنيهة، لكن لم يكن هناك من مجيب. استرسل أترسون قائلًا: «لقد حذرتك. حتمًا ولا بد أن نراك، أيًا كانت الطريقة، وما لم يكن برضاك فسنضطر إلى استخدام القوة.»
أجاب الصوت: «أترسون، أرجوك ارحمني!»
صرخ أترسون: «هذا ليس صوت جيكل، إنه هايد! اكسر الباب يا بول!»
استخدم بول فأسًا كي يكسر قفل الباب. أصدرت الضربة الأولى صوت ارتطام مرتفعًا، أما الضربة الثانية والثالثة فقد حركتا الباب بعض الشيء. وكان يُسمع من الداخل صوت عواء مرعب كأنما حيوان يواجه خطرًا. تبادل أترسون وبول النظرات عمدًا. فهجما على الباب بعد أن استعادا قوتهما وعزمهما مرة أخرى. ولم ينكسر الباب إلا بعد الضربة الخامسة.
أطل الرجلان داخل الغرفة خائفين مما قد يريان. ولدهشتهما رأيا غرفة مليئة بالنيران والدفء، وغلاية تغلي فوق ألسنة النيران، وفناجين الشاي مُعدة. وكانت هناك بطانية موضوعة على أحد المقاعد وكتاب مفتوح على الطاولة كما لو كان أحد يجلس هناك حديثًا، وبعض الأدراج مفتوحة وأوراق مكدسة بنظام فوق الطاولة. كانت الغرفة تبدو كمعظم الغرف العادية في لندن فيما عدا بعض المواد الكيميائية والأدوية الموضوعة على الأرفف والجثة الملقاة على السجادة.