داخل المختبر
سار أترسون وبول بحذر على أطراف أصابع أقدامهما بالقرب من الجثة، ثم قلباها فإذا بوجه إدوارد هايد، الذي كان يرتدي ملابس فضفاضة للغاية من الواضح أنها تخص دكتور جيكل. كان هايد ميتًا، وما زالت يده الهامدة تقبض على قارورة فارغة، كان أترسون على دراية بأنها احتوت على سم؛ من الجلي أنها حالة انتحار محض.
قال أترسون بجدية: «جئنا بعد فوات الأوان. رحل هايد ولن نعثر أبدًا على إجابات.» ثم رفع المحامي عينيه إلى الخادم واسترسل: «لم يتبق أمامنا الآن سوى العثور على جثة سيدك.»
شرع الرجلان في بحثهما عن دكتور جيكل فبدآ أولًا بالمكتب، ثم نزلا إلى الفناء حيث كان يوجد العديد من غرف التخزين الصغيرة وقبو كبير يمكن البحث فيه، فتفقدوها جميعها بعناية. لم يطأ أحد معظم هذه المخابئ منذ سنوات، وقد عرفا من الأتربة والخيوط العنكبوتية التي تكسو الجدران أنه ما من شخص آخر قد مر من هنا. ولم يعثرا على أي أثر لدكتور هنري جيكل، حيًّا أو ميتًا.
قال أترسون: «ربما جانبنا الصواب. لعله هرب.» ثم ذهب ليتحقق من الباب الخلفي الذي وجده مغلقًا. وعثرا على المفتاح مرميًّا على الأرض بالقرب منه وكان صدئًا بالفعل.
قال المحامي: «يبدو أنه لم يُستخدم منذ حين.»
ردد الخادم في استنكار: «وكيف يُستخدم؟ ألا ترى يا سيدي؟ إنه مكسور. يبدو وكأن أحدهم سحقه تحت قدميه.»
رد أترسون: «أجل. أظن أنك على صواب.» ثم تبادل الرجلان النظرات المرتعدة وقال أترسون: «لا أستطيع أن أسبر غور هذا.»
عاد الرجلان إلى المختبر في سكون، وكلاهما غارق في تفكير عميق. وعندئذ بدآ يتفقدان محتويات المكتب عن كثب. حاول كلاهما ألا ينظر إلى جثة هايد الموجودة على السجادة. لا بد أن هايد كان يمزج المواد الكيميائية معًا على إحدى الطاولات؛ إذ عثرا على العديد من أكواب القياس التي تحتوي على الملح ومواد كيميائية أخرى. خمن أترسون أنهما قد قاطعا هايد أثناء قيامه بإحدى التجارب.
قال بول: «هذا هو الدواء نفسه الذي كنت أحضره له دائمًا. هل كان مستر هايد يقوم بنفس التجارب التي يقوم بها دكتور جيكل؟ لعل الدواء كان مطلوبًا من أجل مستر هايد من الأصل.»
فجأة لاحظ الرجلان أن الغلاية كانت تغلي والماء يندفع منها؛ إذ كانا غارقين في عملهما إلى حد بعيد حتى إنهما غفلا عن الكثير حولهما. بلغ أترسون مقعد الاسترخاء حيث كانت فناجين الشاي مُعدة، ولاحظ كتابًا موضوعًا على الطاولة؛ نسخة من كتاب ديني كثيرًا ما كان جيكل يتحدث عنه. وامتلأت هوامش الكتاب بالكتابة، وصُدم أترسون مما قرأ؛ إذ بدت الكتابة بخط يد جيكل في حين أن الأفكار بدت مناقضة لأفكار الطبيب.
وفي منتصف الحجرة كانت توجد مرآة كاملة الطول، لها إطار خشبي وحامل، وكان الزجاج العاكس على جانبي المرآة. أدار مستر أترسون المرآة بأن أمسك بطرفها الأعلى وقلبه ثم سأل: «لماذا وضع جيكل هذه المرآة في مكتبه؟»
أجاب بول: «ليس لدي أدنى فكرة يا سيدي. هذه المرة الأولى التي أراها فيها.»
التفتا إلى المكتب، فعثر أترسون وسط رزمة الأوراق الموضوعة بعناية على مظروف موجه له، بخط يد الدكتور جيكل. فك المحامي الختم، فسقط منه عدد من المظاريف الأخرى. كان المظروف الأول وصية احتوت على نفس الشروط الغريبة كتلك المنصوص عليها في الوصية الموجودة في خزنة أترسون. على أنه في هذه الوصية كان الوريث هو مستر أترسون وليس إدوارد هايد. نظر أترسون إلى بول، ثم إلى الأوراق مرة أخرى، ثم إلى الجثة الملقاة أرضًا.
قال أترسون: «أنا في حيرة شديدة، لقد كان يتحدث إليَّ بشق النفس في الفترة الأخيرة. أنا ذاهل من هذا التغيير.»
التقط أترسون مظروفًا ثانيًا مكتوبًا بخط يد الطبيب ومؤرخًا بتاريخ اليوم فصرخ: «أوه يا بول، إنه كان حيًّا وموجودًا هنا اليوم. لا بد أنه هرب! لكن لماذا؟»
قال بول: «دعنا نقرأ ما هو مكتوب فيها يا سيدي.»
عزيزي أترسون،
عندما تعثر على هذه الورقة سأكون قد اختفيت، لا أستطيع أن أشرح لك في أي ظروف اختفيت، غير أنني واثق من أن هذا سيحدث قريبًا وبطريقة شيطانية. من فضلك اذهب واقرأ الخطاب الذي أرسله إليك لانيون قبل وفاته. إذا كنت ما زلت ترغب في سماع المزيد، افتح المظروف الثالث.
أعطى بول المظروف الثالث لأترسون الذي كان سميكًا للغاية ومختومًا في مواضع عدة منه.
وضع المحامي المظروف في جيبه وقال لبول: «من فضلك لا تخبر أحدًا بشأن هذا المظروف. لو أن سيدك قد هرب أو مات، يجدر بنا على الأقل أن نحافظ على سمعته. الساعة الآن العاشرة، لا بد أن أذهب إلى المنزل وأقرأ هذه الوثائق في هدوء، وسأعود إلى هنا قبل منتصف الليل، وعندئذ سنستدعي الشرطة.»
غادر الرجلان المكتب. وتأكد بول من أن باب المنزل المؤدي إلى الفناء مغلق ومن ثم لا يستطيع أحد أن يتجول في هذه الناحية. قال أترسون: «من فضلك أخبر برادشو أن يظل في مكانه، لعل دكتور جيكل يعود ونحن لا نريد أن نفقده مرة أخرى.»
مرّ أترسون بالخدام الذين لا يزالون جاثمين بجانب المدفأة الكبيرة في الردهة الأمامية، فنظروا إليه في صمت وهو يمر بهم. خرج أترسون من الباب الأمامي وشق طريقه إلى منزله.