البحث عن السيد هايد
بعد مرور بعض الوقت، عرج أترسون مرة أخرى في الصباح قبل أن يتجه إلى عمله، على الممر المؤدي إلى المنزل حيث روى له إينفيلد القصة. وقد زاره أثناء ساعات الغداء عندما كان الشارع مكتظًّا بالمتسوقين. وفي الليل، عندما لم يكن أحد في الشارع، انتظر أترسون وأخذ يراقب المكان. فكر أترسون في نفسه: «إذا كنا سنلعب لعبة الغميضة حيث هو «المُختبئ» كما يوحي اسمه فسأقوم أنا بدور «المتعقِّب».»
بعد طول انتظار كُوفئ صبره؛ كانت الليلة صافية جافة والقمر بدرًا ساطعًا يضيء الشارع، ولم يكن هناك أي ضباب أو أمطار. وقد أغلقت جميع المتاجر أبوابها، والشارع في غاية الهدوء. ولمّا كان أترسون يقف بالممر، سمع صوت وقع أقدام خفيفة مُسرعة تقترب منه. وحتى قبل أن يرى ظلًّا مظلمًا ينعطف، أدرك أترسون أن هذا الظل هو ظل مستر هايد.
كان هايد ضئيل الحجم ويرتدي ملابس غير رسمية، ومعطفًا داكن اللون. وكانت القبعة مشدودة لأسفل على رأسه. للحظة ظن أترسون أن هايد يعرج، لكن يبدو أن عينيه كانتا تخونانه فحسب. فقد كانت طريقة هايد في السير قوية ومفعمة بالحيوية. سار هايد نحو الباب مباشرة، وكان يخرج المفتاح من جيبه فيما كان يعبر الشارع، ولم يبد لصًّا أو شخصًا يتسلل إلى المبنى، وإنما بدا مطمئنًّا؛ كأنه رجل يدخل إلى منزله.
خرج السيد أترسون من مكمنه ولمس كتف هايد وهو يمر به وقال: «أظن أنك السيد هايد؟»
ارتد هايد للوراء وهو يلهث. بدا عليه الفزع للحظة، لكن سرعان ما استعاد هدوءه، غير أنه لم ينظر إلى وجه أترسون فيما أجابه قائلًا: «هذا اسمي. ماذا تريد؟»
أجاب أترسون: «أنا صديق قديم للدكتور جيكل، اسمي أترسون. أنا على يقين من أنك سمعت عني. يا لها من مصادفة أن ألتقي بك هنا في الخارج.» (وفي هذا كان أترسون يكذب.) «هل تسمح لي بالدخول إلى المنزل؟»
سأله هايد: «كيف تعرفني؟» وكان لا يزال راغبًا عن النظر إلى وجه أترسون، فكانت عيناه تتناوبان النظر ما بين الشارع والباب، لكنها لم تتحول مباشرة نحو الرجل الواقف أمامه.
قال أترسون: «أتسدي لي معروفًا؟» وقد تجاهل الرد على سؤال هايد إذ رأى أنه من الأفضل أن يدخل في صميم الموضوع مباشرة، علاوة على أنه شعر أيضًا بالبغض والنفور الشديدين اللذين تحدث عنهما إينفيلد، فثمة شيء في هايد يخلق ردة الفعل هذه.
أجاب هايد: «بالطبع. وما هذا المعروف؟»
قال أترسون: «اسمح لي بأن أرى وجهك.»
بدا أن هايد مترددًا، وعندئذ بعد لحظة أو اثنتين من التفكير، نظر بكل وقاحة في عيني أترسون. حدق الرجلان أحدهما في الآخر بضع ثوان.
قال أترسون: «الآن سأستطيع أن أعرف وجهك عندما نلتقي مجددًا.» ثم قال أترسون بنبرة واثقة: «قد يكون هذا مفيدًا.»
رد هايد: «أجل. من الجيد أننا التقينا.» تحدث هايد بثقة بالمثل. وقف الرجلان وجهًا لوجه يكاد كل منهما يتحدى الآخر من يحول نظره بعيدًا أولًا. أضاف هايد: «ربما يكون من الأفضل أن تأخذ عنواني أيضًا.» ثم سلم أترسون بطاقةً مكتوب عليها أحد العناوين الكائنة في حي «سوهو»، وهي بقعة من المدينة أكثر خطورة.
فكر أترسون في نفسه قائلًا: «يا إلهي! هل أعطاني عنوانه بسبب الوصية؟» استبد القلق بأترسون من أجل صديقه جيكل. هل تمنى هايد أن يحصل على تركته في القريب العاجل؟ غير أن أترسون أخفى مشاعره، وشكر هايد على بطاقته.
قال هايد: «والآن، أخبرني كيف عرفتني؟»
أجاب أترسون: «من الوصف.»
سأل هايد: «وصف من؟»
أجاب أترسون: «لدينا أصدقاء مشتركون.»
سأل هايد: «أصدقاء مشتركون؟ ومن يكونون؟»
أجاب أترسون: «حسنًا، دكتور جيكل على سبيل المثال.»
انفجر هايد في ضحكات كريهة قبيحة، وكانت عيناه داكنتين فاترتين؛ فلم تلمعا أو تتوهجا عندما ضحك. لم تظهر عليه أي علامات تدل على السرور. وفي اللحظة التالية، وبسرعة مذهلة، فتح هايد الباب ودخل إلى المنزل.