اغتيال كارو
حدث بعد زهاء العام أن جريمة بشعة روعت لندن بأكملها؛ إذ اغتيل السياسي المعروف مستر دانفرز كارو، وكانت التفاصيل المعروفة عن الحادث قليلة ومرعبة؛ كانت إحدى الخادمات بمنزل دكتور جيكل قد ذهبت إلى غرفة نومها نحو الساعة الحادية عشرة، وكانت غرفتها مُطلة على ممشى انعكس عليه ضوء البدر فأضاءه إضاءة كاملة، جلست الخادمة في الشرفة بعض الوقت تتأمل المنظر الجميل. أخبرت الخادمة الشرطة فيما بعد أنها كانت أصفى ليلة شهدتها في حياتها، إلى أن وقعت عيناها على رجلين في الممشى.
لاحظت الخادمة كهلًا يسير أولًا عبر الدرب، وكان الكهل أنيق الملابس وينسدل شعره الأبيض الجميل على مؤخرة عنقه. واستطاعت أن ترى وجهه بوضوح في ضوء القمر الساطع، بدا لها الكهل وسيمًا طيبًا. وعندئذ إذا برجل آخر ضئيل الحجم يرتدي معطفًا كبيرًا وقبعة داكنة اللون يسير باتجاهه. وفيما اقترب أحدهما من الآخر انحنى الرجل الكهل للرجل الثاني. ظنت الخادمة أن الكهل كان يسأل عن الطريق، إذ كان ممسكًا بورقة أشار بها إلى الممشى. ولأنها رأت وجهه بوضوح، لاحظت أنه هادئ وغاية في المرح، بل ضحك أيضًا. عندئذ لمحت وجه مستر هايد الذي عرفته أنه هو الزائر الذي يتردد أحيانًا على سيدها. كان هايد ممسكًا بعكاز ثقيل في يده يؤرجحه إلى جانبه. وإذ بهايد يرفع العكاز على حين غرة، فتراجع الرجل الكهل خطوة للوراء، لكن هذا لم يجد نفعًا. شاهدت الخادمة في فزع هايد وهو يهوي بالعكاز على الرجل الكهل الذي خرّ على الأرض.
فقدت الخادمة الوعي، وعندما أفاقت بعد مضي بضع ساعات، هرعت إلى الشرطة كي تبلغ عن واقعة الاغتيال، فاستجابت الشرطة على الفور. في بادئ الأمر لم يعرفوا اسم الضحية، غير أنهم عثروا على خطاب في ملابسه. وكان هذا الخطاب موجهًا إلى السيد أترسون. أيقظت الشرطة السيد أترسون في منتصف الليل كي يتعرف على صاحب الجثة.
ذهب أترسون بمعية الشرطة إلى المستشفى حيث ترقد الجثة، وكانت الفكرة الأولى التي طرأت على ذهنه هي أن دكتور جيكل قد قُتل، فكان شديد التوتر ومرعوبًا من أجل صاحبه. احتاج الأمر إلى قدر هائل من الشجاعة حتى يستطيع أترسون أن يستجمع قوته وينظر إلى الجثة. ولم يكن يدري كيف سيكون موقفه إن اتضح أنه دكتور جيكل. قال أترسون: «لقد عرفته، يؤسفني أن أقول إنه السير دانفرز كارو.»
أجاب ضابط الشرطة: «مستحيل! ستُنشر هذه الجريمة في كافة الجرائد الصباحية.» ثم هزّ رأسه في ذهول واسترسل قائلًا: «سيدي، نرجو أيضًا أن يكون لديك بعض المعلومات عن الجاني.» عندئذ أخبره الضابط بالقصة التي روتها الخادمة عندما انهال مستر هايد على كارو بعكازه.
اندهش أترسون بشدة مما سمع وقال: «هايد، هل قلت هايد؟» لقد أذهله أن هايد كان على علاقة بشخص آخر هو يعرفه أيضًا، ولا سيما شخص مثل سير دانفرز كارو. لقد كان مترقبًا أن يكون هايد قد ألحق الضرر — بل قتل — دكتور جيكل، وليس كارو. تساءل أترسون: أليس هناك من هو بمأمن من خطر مستر هايد؟ بدا المحامي في حالة انزعاج شديد.
أجاب ضابط الشرطة: «أجل يا سيدي، لقد استخدم هذا العكاز سلاحًا للجريمة.» وسلم الضابط العكاز إلى أترسون. لهث المحامي، فقد تعرف على العكاز الذي أعطاه هدية إلى دكتور جيكل منذ بضع سنوات. لا بد أن جيكل أعطاه إلى هايد، أو أن هايد سرقه. لم يأت أترسون على ذكر هذه الحقيقة أمام الشرطة. كان يعرف أنه بهذا الصنيع يخفي أحد الأدلة، لكنه يخشى على صديقه، وأراد أن يتحدث إلى دكتور جيكل أولًا.
ومع ذلك، ثمة مسألة مهمة أخرى في تلك الأثناء؛ لا بد من العثور على هايد والقبض عليه. وعرف أترسون أين يجده؛ فقد كان لا يزال يحتفظ بالبطاقة الخاصة بالرجل الغريب في محفظته.
قال أترسون وهو يهزّ رأسه أسفًا: «إذا أتيت معي، يمكنني أن أدلك على شقة مستر هايد.»